فؤاد اللحام في الثلاثاء الاقتصادي:  الحماية المطلقة للإنتاج الوطني مطلوبة لتعزيز قدرته التنافسية

فؤاد اللحام في الثلاثاء الاقتصادي: الحماية المطلقة للإنتاج الوطني مطلوبة لتعزيز قدرته التنافسية

تواجه الصناعة السوية في هذه المرحلة ظروفاً صعبة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية خطيرة، الأمر الذي أدى وما يزال إلى إغلاق العديد من المصانع وتوقف أعداد أخرى عن الإنتاج كلياً أو جزئياً. ويرجع العديد من الصناعيين والمحللين السبب الرئيسي في ذلك إلى تحرير التبادل التجاري وفتح الأسواق السورية أمام منافسة غير عادلة أو شريفة مع المنتجات المستوردة، هكذا بدأ أ. فؤاد اللحام الندوة التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية السورية بتاريخ 24/5/2011 بعنوان «الصناعة السورية في ضوء اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري»..

وتطرق أ. اللحام إلى مضمون اتفاقيات الشراكة الثنائية والعربية الأوروبية، والتي ألغت الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات من المنتجات الوطنية المتبادلة، بعضها بشكل فوري والبعض الأخر يتم استكماله خلال فترة زمنية محددة، وإقامة منطقة تجارة حرة تدريجياً خلال فترة انتقالية، وإلغاء الدعم والحصر والاحتكار خلال فترة تنفيذ الاتفاقية، ومنع الإغراق ووضع آلية لمعالجته، والسماح بتراكم المنشأ من خلال استخدام المدخلات المنتجة في بلد أحد الشركاء لإنتاج منتج في بلد الشريك الآخر.

وبعد هذا السرد لمضمون الاتفاقيات عكف أ. اللحام للحديث عن النتائج الأولية لتطبيق هذه الاتفاقيات على الصناعة السورية، والتي تتجلى بارتفاع حجم الواردات من الدول العربية من نحو /63/ مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى /130/ مليار في عام 2008، حيث بلغت نسبة نمو الواردات خلال 2005 ـ 2009 186%، ووصل وسطي نسبة المواد الأولية إلى إجمالي الواردات من البلدان العربية خلال الفترة 2005 ـ 2009 إلى /9%/، في حين كان وسطي نسبة المواد نصف المصنعة /49%/، والمواد المصنعة /42%/..

أما بالنسبة للتبادل التجاري مع تركيا، أشار أ. اللحام إلى ارتفاع حجم الواردات من نحو /21/ مليار ليرة سورية في عام 2006 إلى /54/ مليار في عام 2009، وارتفع العجز التجاري من /5/ مليار في عام 2006 إلى حوالي /40/ ملياراً في عام 2009 باستثناء عام 2008 الذي سجل فائضاً لصالح سورية بحدود /7/ مليار ل.س..

وبالانتقال إلى أثر الاتفاقات على المنشآت الصناعية، أوضح ا. اللحام أن عدد المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً قد تراجع من /2251/ مشروعاً في عام 2006 –وبشكل تدريجي- إلى /1408/ في عام 2010، وبلغت نسبة التراجع /38%/، كما تم إلغاء /3282/ سجلاً وقراراً صناعياً في عام 2009، و/46%/ من المنشآت الملغاة كانت من الصناعات النسيجية، و/25%/ من الصناعات الهندسية، و/20%/ من الصناعات الكيميائية، و/9%/ من الصناعات الغذائية.

لماذا لا نستفيد من الاتفاقيات؟!

وفند أ. اللحام أسباب عدم قدرة الصناعة السورية من الاستفادة من هذه الاتفاقيات بالشكل المطلوب، والتي لا تتجسد في الاتفاقيات بحد ذاتها، بل في ستة أسباب أخرى، وهي:

سوء استخدام بعض المزايا التي تتيحها هذه الاتفاقيات، والمتمثلة بتزوير شهادات المنشأ لبضائع صينية، لتدخل السوق السورية معفاة من الرسوم الجمركية..

الدعم الخفي والمعلن الذي تقدمه بعض البلدان العربية وتركيا للمصدرين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (الخدمات الداعمة)، مقابل غياب أية إجراءات مماثلة بالنسبة للصناعة السورية حتى الآن.

التهاون والفساد بالتخليص الجمركي، وخصوصاً بقيمة فواتير الاستيراد، وتصنيف المواد المستوردة، ومواصفات المنتج المستورد، وقصور المعالجة عن المنظور الوطني، واعتماد توفيق هذه المعالجات بما ينسجم مع مصالح بعض الفئات المتنفذة.

ضعف التنسيق والترابط بين عملية تحرير التبادل التجاري من ناحية وتنفيذ برنامج شامل ومتكامل لتحديث وتطوير الصناعة الوطنية من ناحية أخرى..

ضعف البنية الهيكلية للمنشآت الصناعية بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات) وهي في الحالتين ذات قيمة مضافة متدنية، ومكون تكنولوجي بسيط تفتقر إلى روح الابتكار والإبداع، مما يحول دون الانتقال من الميزة النسبية التي تتمتع بها سورية إلى الميزة التنافسية في مجال النوعية والسعر..

ضعف معرفة الصناعيين المفصلة بمضمون هذه الاتفاقيات وكيفية الاستفادة منها وتخفيف جوانبها السلبية.

ما المطلوب إذاً؟!

المطلوب اليوم بحسب أ. اللحام تطبيق نظام حماية مطلق للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من جهة، وحصر لعدد من المنتجات الصناعية بالقطاع العام من جهة أخرى، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة السورية، وأن يكون في راس أولويات السياسات الاقتصادية والصناعية سواء تم توقيع اتفاقيات الشراكة، وتحرير التبادل التجاري، لأن وجود ومصير الصناعة السورية يتوقف على قدرتها التنافسية.

عدد المنشآت المهددة بالإغلاق قابل للزيادة في حال تم التأخر لأي سبب كان في بدء عملية تحديث وتطوير هذه الشركات.

اليوم وفي ضوء المراجعة لنتائج السياسات الاقتصادية والصناعية التي أوصلت الصناعة السورية إلى هذه الأوضاع المؤسفة، من اتخاذ الإجراءات والتدابير التالية:

تكليف فريق عمل فني (قانوني وصناعي) مهمته وضع تصور وآلية عمل لتعديل بعض مواد اتفاقيات الشراكة، وتحرير التبادل التجاري، ومعالجة بعض النتائج السلبية التي أدت إليها هذه الاتفاقيات.

الإسراع في إحداث مركز التحديث الصناعي ليتولى تحديد وتطوير الشركات الصناعية التي تحتاج لعملية التحديث من أجل متابعة نشاطها وزيادة قدرتها التنافسية.

تشكيل مجلس خاص للتنمية الصناعية يتولى وضع ومتابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الصناعية ومتابعة تنفيذها.

ومن الهام جداً في هذه المرحلة الحرجة بالذات دراسة تقديم قروض قصيرة وبشروط ميسرة للمنشآت الصناعية المتعثرة حالياً لاستخدامها كرأسمال عامل من أجل تحريك الإنتاج والأسواق والمحافظة على وجودها والعاملين فيها.

إحداث المؤسسات الداعمة الضرورية للصناعة وبشكل خاص المراكز الفنية المتخصصة (نسيجية، غذائية، هندسية، كيميائية)،

إحداث الهيئة الموحدة للتعليم والتدريب المهني لتتولى عملية تطوير وتشغيل جميع مراكز ومعاهد التدريب والتعليم المهني بشكل عصري متقدم (مناهج ومدربين وأدوات) وبشكل يلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية للصناعة السورية.

اعتماد وتنقيذ برنامج وطني متكامل لإصلاح القطاع العام الصناعي، يرتكز بشكل أساسي على تحسين بيئة عمل هذا القطاع الإداري والتنظيمية والمالية والإنتاجية وأسلوب اختيار إدارته.

الانتقال إلى دور جديد تنموي ولا مركزي لوزارة الصناعة يحولها إلى وزارة سياسات صناعية تقوم بتشجيع وتحفيز وتمكين الصناعة السورية كقطاع وطني واحد بكل أشكال الملكية.

الإسراع في إحداث المؤسسة الخاصة المستقلة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة جميع الوزارات المعنية والقطاع الخاص والانتقال عملياً لتطبيق مفهوم العنقود الصناعي ودعم بوادره الموجودة حالياً في عدد من المدن والمناطق بشكل عملي.

التركيز على بناء الخبرات الوطنية في مجال التحديث والتطوير الصناعي في الاختصاصات كافة.