الزراعة.. وأنصاف الحقائق

الزراعة.. وأنصاف الحقائق

القطاع الزراعي في بلدنا هو أكثر القطاعات الاقتصادية تراجعاً خلال الخطة الخمسية العاشرة، كونه حقق نمواً سلبياً متتالياً، وهذا ما بدأت الحكومة تعترف به جزئياً رغم عنها، واضعة المبررات في خانة وعهدة الأحوال المناخية، متناسية ما لرفع أسعار المازوت بنسبة 300%، وكذلك السماد بنسبة 200% من تأثير في تراجع حجم الأراضي الزراعية في سورية، وإحجام عدداً غير قليل من الفلاحين عن العمل في الزراعة.

600 ألف سوري هجروا الزراعة إلى قطاعات أخرى خلال الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2009، هذا ما أعلنه النائب الاقتصادي مؤخراً رداً على أسئلة أعضاء مجلس الشعب الخطية المتعلقة بالسياسات الاقتصادية، مبينا أن النمو الذي سيتحقق في هذا القطاع سيأتي من زيادة الإنتاجية للمساحات المزروعة.

هناك انخفاض في قوة العمل في القطاع الزراعي بما نسبته بين 24% إلى 18% خلال السنوات العشر الماضية، هذا ما أعلنته وزارة الزراعة مؤخراً، وذلك بسبب انخفاض دخول العاملين في القطاع الزراعي مقارنة بالقطاعات الأخرى، انطلاقاً من عدة أسباب أولها، الظروف البيئية المتقلبة، وانتشار بعض الأوبئة (الصدأ الأصفر)، إضافة إلى أضرار ناتجة عن إصابة بعض المزروعات بالصقيع الربيعي، كما أن الارتفاع العالمي لأسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي انعكس سلباً على الإنتاج الزراعي و النباتي و الحيواني، وهذه هي مبررات وزارة الزراعة لأسباب التراجع الزراعي.

أشارت العديد من الإحصاءات السورية مؤخراً إلى تراجع حصة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي تراجعت من 25% عام 2006 إلى 20.4% عام 2007 إلى 14.7% عام 2008، قبل أن يظهر بعض التحسن عام 2009 نتيجة ارتفاع كميات الأمطار.. إذاً، فالمتهم دائماً هو الجفاف بالدرجة الأولى.

أما بالنسبة للإنتاج، فالمعيار بالتأكيد هو المحاصيل الإستراتيجية، وأولها القمح الذي تراجع  إنتاجه بنسبة نحو 125%، وذلك من 5.5 مليون طن في العام 2006 ليصل إلى 2.3 مليون طن في العام 2010، مما اضطر الحكومة إلى استيراد كميات كبيرة من القمح تصل إلى 2 مليون طن لثلاثة أعوام على التوالي في منذ العام 2008 حتى العام 2010 لسد العجز الحاصل من الحاجة المحلية لهذه المادة، والعدس من 180.7 ألف طن في العام 2006 ليتدنى إلى 34.1 ألف طن في العام 2008، وكذلك الشعير الذي تراجع إنتاجه من 1202.4 ألف طن في العام 2006 إلى 261.1 ألف طن في العام 2008، وكذلك تراجع إنتاج الخضروات، والمحاصيل الصناعية.

وهكذا فالإنتاج الزراعي تراجع بالأرقام، وكذلك تراجع حجم العاملين في هذا القطاع، والمساحات المزروعة أيضاً، مما أدى بالتالي إلى تراجع حجم مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا التراجع ليس بسبب نمو القطاعات الأخرى كما يحاول البعض تبرير تقصيرهم، وإعفاء قراراتهم الحكومية من التأثير السلبي على القطاع الزراعي في السنوات الثلاث الماضية.. فهل من المصادفة البحتة تراجع حجم مساهمة القطاع الزراعي منذ العام 2008 عندما بدأت أولى خطوات تحرير مدخلات عملية الإنتاج الزراعي (المازوت)، لتستكمل بخطوة أخرى في العام 2009 بتحرير أسعار السماد؟! فهذا التراجع بالتزامن مع هذه القرارات ليس مصادفة بالتأكيد، بل إن الترابط الوثيق بينهما لا يتطلب تأكيداً أكثر من التراجعات السابقة التي شهدها القطاع الزراعي في السنوات الثلاث السابقة.