70% من السوريين ينفقون أقل من المتوسط العام.. الخلل بين إنفاق الشرائح الفقيرة والغنية يعكس تفاوتاً في توزيع الثروة
البحث في موضوع توزيع الثروة في سورية ليس بالأمر السهل، وذلك لشح المعلومات وقلتها، وبالتالي لا بد من اللجوء للطرق لالتفافية، بمعنى أننا سننظر إليها من بوابة الإنفاق أولاً كمؤشر موضوعي يعبر عن حقيقة توزيع الثروة، فالشرائح التي يقل إنفاقها عن متوسط الإنفاق العام (31 ألف ليرة سورية)، والذين يشكلون بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء نحو 70% من عموم السوريين،
بالتأكيد، وهذا يعبر عن طبيعة مدخول هذه الأسر الذي لا يسمح لها إلا بإنفاق ما لا تدخله فقط لكفاية حاجتها، وبالتالي، فإن هذا سيعبر دون شك عن طبيعة توزيع الثروة لدى هذه الأسر، وهذا التباين الواضح في نسب الإنفاق الحاصل سيكون مؤشراً شبه دقيق عن سوء توزيع الثروة لدينا، لغياب الأرقام حول هذا التوزيع..
تشوه بنيوي
إن الناظر إلى خارطة شرائح الإنفاق لدى السوريين يكتشف تشوهها البنيوي، فبعد تقسيم الأسر السورية إلى عشر شرائح بحسب إنفاقها، وكل منها يمثل 10% من الحجم الكلي للأسر، توصلنا إلى أن إنفاق 45% (الشريحة الأقل إنفاقاً) يعادل إنفاق 10% الأكثر إنفاقاً لدينا، والذين يفترض بهم أن يكونوا الآسر الأكثر غنىً بالشكل المنطقي، وبلغة الأرقام، فإن هذا يعني أن شريحة الـ 50% الأفقر بين الأسر السورية البالغ عددها أكثر من 2.25 مليون أسرة تنفق 40 مليار ليرة سورية شهرياً، ونحو 480 مليار ليرة سنوياً، بينما تنفق الـ10% الأغنى والأكثر إنفاقاً، والبالغ عددها 450 ألف أسرة فقط نحو 35.4 مليار ليرة شهرياً، وما يقارب 424.8 مليار ليرة سنوياً، وذلك حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء خلال للعام 2009..
1.2 مليون أسرة تنفق 30% من الناتج المحلي
كما أن إنفاق 73% من السوريين من الشرائح الأقل إنفاقاً يعادل إنفاق 27% من إنفاق الشريحة الأكثر غنى بين الشعب السوري، وبالصورة الكلية، توصلنا إلى أن الإنفاق الشهري لإجمالي الأسر السورية (4.5 مليون أسرة) يبلغ نحو 137.6 مليار ليرة سورية شهرياً، وبالتالي فإن الإنفاق السنوي لإجمالي الأسر السورية سيبلغ نحو 1651 مليار ليرة سورية، وهذا يعني أن 73% من السوريين أي نحو 3.3 مليون أسرة سورية تنفق شهرياً ما تنفقه 1.2 مليون أسرة سورية، وهذا يعادل نحو 68.8 مليار ليرة شهرياً، ويقدر بنحو 825.5 مليار ليرة، أي ما تبلغ نسبته نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي..
تراجع عدالة توزيع الثروة
الأهم في موضوع الإنفاق، هو مقارنته بطبيعة هذا الإنفاق سابقاً، فهل المعادلة ترجع لكفة أكثر عدالة في الإنفاق أم أن العكس هو الذي يحصل، ففي العام 2004 كانت نسبة إنفاق الشريحة الأعلى (10%) تبلغ 19% من الإنفاق الإجمالي، بينما نسبة إنفاق هذه الشريحة اليوم تبلغ 25.5% من الإنفاق الإجمالي، وهذا يعني تضخم إنفاق الشريحة الأغنى على حساب تضاؤل إنفاق الشرائح الأخرى، وبالتالي فإن هناك تراجعاً في عدالة توزيع الإنفاق في سورية، ولكن هل يمكن اعتباره تراجعاً في عدالة توزيع الثروة أيضاً؟!
فهذا الخلل في الإنفاق يعني وجود خلل في توزيع الثروة بشكل أساسي، فزيادة الإنفاق تتطلب ضخ أموال إضافية في جيوب الشرائح الفقيرة لكي تتناسب مع متوسط الإنفاق العام، وهذا يعني جعل توزيع الإنفاق أكثر عدالة من خلال محاولة إعادة توزيع الدخل والثروة أساساً، فاتجاهات الإنفاق وحجمها، وخصوصاً بالنسبة للشرائح التي يقل إنفاقها عن متوسط الإنفاق المطلوب يعبر عن حقيقة توزيع الثروة أساساً..