كلامنا المحرم.. بكامل نكهته
اليوم، خطوات ليست بعيدة عما قلناه بالأمس وكان كفراً للبعض، وبالأمس القريب كانت الحكومة المنصرمة تذكرنا بموبقاتنا، تصنفنا بين شرير ووطني، ولعين ومأجور وابن بلد، وصرنا نصنف حسب موافقاتنا على خطواتها التي أوصلتنا إلى الفقر لدرجة الكفر.
بالأمس القريب جداً كانت تصريحات الحكومة تبعث على الإحباط، وتأخذ سفينة الوطن إلى مرساها المفقود.. ألم يكن تثبيت المؤقتين من تحولات الزمن القادم، ومن محرمات الخطة الخمسية العاشرة، ولا فرق بين مؤقت ومثبت وهذه الصيغة غير معمول بها في الدول الأخرى.
ألم تكن الحكومة المنصرمة قد وضعت في برنامجها خططاً لزيادات تصل إلى 100% خلال خمس سنوات متتالية تساهم في رفع دخل المواطن الذي سيشارك أمواله في التبادل مع أوروبا عند توقيع اتفاق الشراكة معها.. ومن ثم انقلبت هي عليه ووصلت في آخر مطافها إلى مجرد وعد بزيادة 17% وانصرمت عليه؟.
ألم تعدنا بالتخفيف من مشتغلي قطاع اقتصاد الظل الذي تفاقم في عهد خطتها الخمسية إلى حد تجاوز أحلام المنبهرين بإنجازاتها التي جندت لها جيشاً من المهللين والمصورين وكتّاب المدائح الاقتصادية؟.
أليست الحكومة التي جندت اقتصادييها ومنظريها وفريق عملها- الذي صرف الملايين على الدراسات والاستشارات والنصائح- من أجل القضاء على بطالة السوريين، أو على الأقل تخفيف حدتها ووطأتها على اقتصاد في مرحلة انتقال قسري إلى اللا (عام)؟.
المترو الذي سيسهل مرورنا في مدينتنا المزدحمة ألم يجعل منه رئيس تلك الحكومة أكبر من أحلام السوريين العاجزين عن دفع ثمن تذكرته بعد أن كان في مقدمة حلولها الإستراتيجية النقلية، ودفعت من أجل أن يرى النور على الورق ملايين الدولارات، وبعضها جاء من قروض وهبات، وشاورت فيه الفرنسيين والإيرانيين وسواهم، وبنت له مقراً خاصاً وعينت له إدارة وميزانية، ومن ثم أتحفتنا بالهدايا الصينية التي لم تزل تتوالى على شوارعنا.
ألم نحتفل بالسياحة بديلاً عن الزراعة في قيادة قاطرة النمو التي تضاربت قيمه وأرقامه حسب حماسة خطابات الفريق الاقتصادي، الذي طالما نقّل فؤاده حسب أضغاث أحلامه في بلد ينحدر من سلالة آسيوية ناهضة، ومورست علينا في وقتها إحصاءات الأسرة والفنادق والسياح والوافدين، وفي الوقت نفسه صار القمح السوري خارج خارطة الزراعة التي تحمل اسم اقتصادنا الذي يريد دحض هذه التهمة عنه فقط ليرضي فريقه الوردي؟.
وكذا كانت استثماراتها التي ستنقذ عاطلينا من الكفاءات، في حين كانت تشغل أنصاف الموهوبين مهنياً، وحملة الشهادات الدنيا، ومستخدمي مدرائها، وينتفخ يوماً بعد آخر القطاع الخدمي على نفقة قوة العمل الحقيقية، وفقط تزيد أرقام الاستثمارات التي تزيد من ثروة المستثمرين الذين لم يفكروا قط إلا بالحد الأدنى من العمالة، بينما يقف الشباب الجامعي على أبواب مكاتب التشغيل التي مارست شهوة الطوابير، واليوم نعد لها نشيد الإلغاء بعد سنوات طويلة من استثمار جيوب الباحثين عن فرصة أو شبه فرصة.
ألم تحقق الحكومة المنصرمة في عهدها الميمون أرقاماً قياسية في خلق الطوابير السورية، وترتيبها، وإضافة عناصر جديدة من حملة علب الكولا وطاسات المدافئ وكالونات العشرة لترات على أبواب الكازيات؟.
وهنا أسجل لها ضربتها القاضية في رفع الدعم عن المواطن، الضربة التي خلقت ما نحاول ردمه الآن من هوة بين المواطن والحكومة، ومن فقدان الثقة في قراراتها ونواياها، ألم تخلق تلك الحكومة مواطناً يكذبها في سره على الأقل؟.
ألم يصنع رفع الدعم عن المحروقات فقط.. مزارعاً بلا حقل، وفلاحاً بمعول مكسور، وعاملاً بأجر ذليل، ووطناً بقطاعه (العام) الأوسع مجرد حطام من آلات يسخر منها (الخاص) بابتسامة شامتة.
لهذا كله كانت أصواتنا نكرة.. واليوم كلامنا المحرم بكامل نكهته؟