تزايد مخالفات البناء.. وتجار العقارات على رأس المتهمين
مناطق السكن العشوائي، انتفضت عن بكرة أبيها من سباتها النسبي، لا لكي تحتج وتتظاهر، بل لتستفيد من التساهل الإداري وغض البلديات نظرها، وهكذا راحت تنطلق ورش البناء في عملها بكل أرجاء البلاد دون استثناء، لتشيّد أكبر عدد من المساكن العشوائية بشكل يسهل على الناظر ملاحظتها، لأن الأسبوع الواحد يكفي –دون مبالغة- لملاحظة التغير الواضح الذي طال ملامح البناء السكني في هذه المنطقة أو تلك.
وكما يقول المثل الشعبي القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد».. وهو يجسد استفادة بعض المُستغلين لهذه الاحتجاجات للشروع ببناء أبنيتهم الطابقية، فمن هؤلاء المستّغلون ولأي الشرائح ينتمون؟! وإذا سلمنا سلفاً بأن جزءاً من هؤلاء هو من ذوي الدخل المحدود على اعتبارهم القاطن الأساسي للمناطق العشوائية، أفلا يعني ذلك أن هناك تجاراً في المقابل قللوا استغلال هذه اللحظة لتحقيق منافعهم الشخصية؟! وهل لهذا الادعاء ما يؤكده في الواقع؟!
إذاً، شبهتنا بمعظمها تدور حول تجار العقارات، غير منكرين في الوقت عينه أن هناك أزمة سكن دفعت بالعديد من الناس لبناء وتحسين أبنيتهم في المناطق العشوائية، ولكن الأهم الذي يجب التأكيد عليه، هو أن التجار وحدهم هم القادرون اليوم الاستغناء عن جزء من مدخراتهم على أمل تحصيلها أضعافاً في المستقبل بعد انقضاء الظرف القائم، وما شجعهم في هذه المغامرة هو إشاعة عدم هدم هذه المخالفات في المستقبل، والتي ستنظم على وضعها على ما يبدو، لأن الاحتفاظ والتمسك بالمدخرات العائلية الصغيرة في هذه الأوضاع سيكون سيد الموقف... فهل أصحاب ذوو الدخل المحدود يمتلكون ملايين الليرات السورية للشروع بأكثر من بناء في ظرف شهر أو شهرين من الزمن في أحسن الأحوال؟! وإذا امتلكوها!. فهل هم قادرون على التفريط بها في هذه الظروف غير المستقرة أم أن الأمر سيكون معاكس تماماً وهو الاحتفاظ بمدخراتهم وعدم التفريط بها؟!..
فتزايد أعمال البناء المخالف في المناطق العشوائية وغير العشوائية على حد سواء هذه الأيام ليس وليد التهيؤات أو المشاهدات الفردية لهذه المنطقة أو تلك، ولا تتبع للرواية الشخصية فقط لأي منا، بل إن تزايد الإقبال على شراء الإسمنت محلياً خلال الربع الأول من العام 2011 الذي أعلنت عن وجوده معظم مؤسسات الشركة العامة لصناعة الإسمنت ومواد البناء في سورية، وكذلك الحديث عن فقدان السوق المحلية لمكون البناء الأساسي (البلوك) التي ارتفع سعرها بحكم الطلب المتزايد عليها، وغير المتوقع، هو الذي يؤكد صحة ادعاءاتنا، وما استتبع كل ذلك من دعوة وزير الإدارة المحلية في حكومة تصريف الأعمال منتصف الشهر الرابع (نيسان) إلى الدعوة لإيقاف جميع تجاوزات مخالفات البناء العشوائية، وهذا يوصلنا إلى أن ظاهرة اقتناص الفرص في البناء المخالف بات ظاهرة شملت معظم أرجاء سورية دون استثناء تقريباً، وإلا فكيف يمكن تفسير انخفاض أسعار مواد البناء وامتلاء مستودعات الاسمنت في مصر بعد ثورتها التي غيرت رأس هرم نظام السياسي فيها، بينما الأمر بالنسبة لنا معاكس تماماً، حيث تشهد أسعار مواد البناء ارتفاعاً غير مسبوقاً؟!
وبالعودة إلى مشكلة السكن العشوائي، المترافقة مع مشكلة في الإسكان بحكم وجود نحو 500 ألف شقة خالية وضعت للمضاربة فقط من قبل كبار التجار، فإننا نجد أن تنظيم المناطق العشوائية في سورية يحتاج 1200 مليار ليرة حسب أخر الإحصاءات الرسمية، بالإضافة لامتلاكنا حالياً 205 منطقة سكن عشوائي على مساحة 130 ألف هكتار، كما يصل عدد المنازل العشوائية إلى 1.2 مليون منزل، أي أن ما يقارب 30٪ من المنازل في سورية سكن عشوائي، وهذا يثبت أن رقم ومساحة السكن العشوائي في سورية ليس بالقليل، وبالتالي فإن حجم المخالفات الحالية في البناء لن تكون قليلة بالمقابل، فإذا ما اقترضنا الشروع ببناء عشر أبنية مخالفة في كل منطقة عشوائية في سورية حالياً مطلع كل أسبوع، فإن هذا يوصلنا إلى أن هناك نحو 2050 مسكن عشوائي جديد سيضاف نهاية كل أسبوع إلى المناطق العشوائية في سورية، وسيزيد بالتالي تعقيد حلحلة قضية السكن العشوائي على أمل أن يتم تنظيمها على وضعها الراهن كما يطمح الطامحون!..