نمط الحياة الاستهلاكية..  والشباب

نمط الحياة الاستهلاكية.. والشباب

تواصل الرأسمالية إلقاء ظلّها الأسود الثقيل على كافة مناحي الحياة البشرية، وبتسليعها الحجر والبشر، ومع نهاية الثمانينيات، وتفاقم عولمة الرأسمال، أخذت الممارسات الاجتماعية والثقافية نمطاً استهلاكياً مغرقاً في تغريبه للنشاط البشري عن جوهره الإنساني، وانعكس ذلك على البشر بكافة فئاتهم العمرية، ولكنّ تأثيرها على شريحة الشباب كان الأكثر تدميراً، 

بوصفهم الفئة العمرية الأكثر نشاطاً في العملية الإنتاجية،ارتبطت هذه الممارسات بصعود المسخ الرأسمالي للليبرالية الجديدة وما حدث في أوروبا الشرقية نتيجة الآثار العالمية لانهيار الاتحاد السوفييتي. اعتمد هذا الشكل للثقافة والممارسة الاجتماعية على عولمة أسلوب ونمط الحياة الأمريكية الاستهلاكية، الذي عمل على الترويج الأعمى لثقافة العنف والجنس في أوساط الشباب كأحد أدوات السيطرة الاجتماعية على الجيل الناشئ، فانطلاقاً من هؤلاء تعمل البرجوازية على تحقيق إعادة عجلة التطور الاجتماعي الاقتصادي إلى الوراء، كما يريد أذناب رأس المال دائماً من الشباب أن يستسلم ويستكين، كما وتعمل أيضاً على ربط الشبيبة بعقيدتها التي تقول: «كل واحد لنفسه ولينتصر الأقوياء، أما الضعفاء والفاشلون فليصمتوا»، وهذا هو لبّ الشكل الثقافي والممارسة الاجتماعية التي تم العمل على ترسيخها لعقود في أوساط الشباب. أنتجت عولمة هذا الشكل مسخاً أكثر تأثيراً في البلدان النامية، وذلك لاعتبارات ثقافية واجتماعية وإستراتيجية، تهدف لضرب أي حركة مقاومة ضدّ النهب الرأسمالي لبلدان الجنوب الفقير.

في سورية التي يعتبر شعبها من الشعوب الفتية، وحسب إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء لعام 2010 بلغت نسبة من تقع أعمارهم ما بين 15-49 عاماً 50% من السكان، أي أنّ الشباب يشكلون نصف المجتمع السوري، الذي شبّ فيه عبر العقد الأخير جيلٌ نخرت فيه السياسات الليبرالية الجديدة، مخلفة آثاراً اجتماعية مدمرة على حياته.

ومن أكثر هذه الآثار الاجتماعية تأثيراً على حياة الشباب وحالتهم النفسية:

أولاً: البطالة وعدم وجود فرص العمل، فحسب التقرير الذي أعده المركز الوطني للدراسات والبحوث الشبابية في تقريره الثاني عام 2007 أنّ ما نسبته 24.1% من الشباب يمارسون النشاط الاقتصادي بشكل دائم، ومعظم الباقي بشكل موسمي أو مؤقت أي النسبة العظمى منهم تبقى تتسول فرص العمل بشكل شبه دائم، وهذا لا يعود إلى فشل هؤلاء بالتأكيد بل بسبب طريقة العمل الليبرالية المشجعة على الفردية والأنانية.

ثانياً: محاولة تفكيك المنظومة الأخلاقية للمجتمع السوري وإحدى مؤشراته تفكيك الأسرة اجتماعياً، عبر سواد العنف الأسري نتيجة الظروف الاقتصادية-الاجتماعية، وانتشار ثقافة الجنس الأعمى بشكله الغريزي الحيواني عبر بيوت الدعارة والملاهي الليلية.

ثالثاً: محاولة ضرب المكتسبات الاجتماعية والديمقراطية للشبيبة، والمتمثلة بديمقراطية التعليم التي امتازت بها سورية عن الكثير من البلدان وهذه المكتسبات لم تكن يوماً منة من أحد وإنما انتزعته الشبيبة بعد نضالات طويلة خاضتها منذ الخمسينيات، حيث ظهر التعليم الليبرالي وتجسد عبر عدة أشكال، منها الموازي والمفتوح والخاص والافتراضي والمدارس والثانويات الخاصة مما قلل من فرص التعليم لأبناء الفقراء كنتيجة لهذه السياسات التعليمية الليبرالية.

هذه بعض الآثار الاجتماعية المدمرة التي فرضت على الشبيبة السورية، يضاف إليها غياب الحريات الديمقراطية التي خلفت آثاراً نفسية سيئة، أقلها انتشار اليأس الاجتماعي، كون الشباب شريحة عمرية لها عاداتها وسلوكها الاجتماعي الخاص في قضاء أوقات الفراغ، وشكل الحياة التي ترسمها لنفسها، والتي تقف قضية غياب الحريات ضدّ تطلعاتها..

كل هذه المؤشرات أفرزت احتقاناً شديداً عند الشباب، لذلك كان من المنطقي بعد الهجوم ذا الطابع الليبرالي الاستهلاكي على حقوق الشباب وتطلعاتهم، أن نشاهد الشباب السوري وهو يرسم طريق الحراك الشعبي في سورية، وإن لم يكن واضحاُ في معالمه واتجاهاته وطريق تطوره بعد. وفي النهاية الشباب يبحث عن مستقبله الضائع ولن يرضى بالغد بصيغته الضبابية التي تصيبه باليأس. هذا الغد الذي قال عنه إنجلس «المستقبل ملك الشباب، والشباب يسير دوماً في الطليعة»