أجهزة الجمارك تعتاش على الفساد!
تنشط في هذه الأيام حركة تهريب المازوت إلى لبنان والدول المجاورة، والتي لم تتوقف بشكل نهائي حتى بعد رفع سعر ليتر المازوت إلى 25 ل.س.. وهذا أسقط مقولة تفاوت التسعيرة كمبرر وحيد لاستمرار التهريب، وكمسوغ لوجوده أساساً كما كانت تدعي الأوساط الرسمية في الماضي واليوم، فهذه الحركة النشطة للتهريب استغلت الأحداث الأخيرة، والتراخي الذي تشهده الحدود السورية بفعلها لتضاعف نشاطها ومكاسبها، غير آبهة بتبعات هذه المكاسب الفردية على الاقتصاد الوطني، وهذا بعكس ما تتطلبه الظروف الحالية من جماركنا، كالتصلب والدقة في تنفيذ الإجراءات للحد من عمليات التهريب..
فالتهريب أولاً وأخيراً يحرم المواطن السوري من حقه في المازوت المدعوم، والأهم من كل هذا، لا بد من التساؤل عن المستفيد من عمليات التهريب التي تجري اليوم!! وإلى متى سيبقى الفساد المفضوح المسؤول دون حلول عن تقاعس الإجراءات الأمنية الرادعة لعمليات التهريب التي تجري على حدود بلدنا؟!
فكما استغل تجار العقارات الاحتجاجات التي تشهدها سورية للشروع بالأبنية المخالفة في مناطق العشوائيات، تحت إشاعة تنظيم الأبنية المخالفة قريباً دون هدمها، فإن هناك من استفاد من هذا الظرف الاستثنائي لتهريب المازوت على المناطق الحدودية، فتهريب المازوت يعد مخالفة صريحة للقانون السوري أولاً، إذ أن المرسوم التشريعي رقم 42 للعام 2008 يعاقب على عملية تهريب المازوت والمشتقات النفطية أو الشروع بها بالاعتقال لست سنوات إلى اثنتي عشرة سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة أمثال قيمة المواد ولا تزيد عن عشرة أمثالها.
فتهريب المازوت شغال «وعلى عينك يا تاجر»، وخصوصاً في هذه الظروف التي تفترض وجود حالة من التشديد الاستثنائي في ظل الحديث عن شاحنات السلاح التي تدخل أو تحاول الدخول إلى سورية يومياً، وعلى الرغم من كل ذلك «فلا أحد يمنع التهريب»، لا بل إن حركته ووتيرته في تزايد واضح، فالتهريب كالفساد لم يعد فردي الصبغة، بل إن هناك شبكات تهريب حقيقية توازع الاستفادة بين أفرادها على اختلاف مستوياتهم ومسؤولياتهم، وبالتالي، فإن هناك بنية تحتية تحتاج إلى تفكيك، لكي نكون قادرين على مكافحة التهريب بشكل فاعل، فالفساد والتهريب وجهان لعملة واحدة، فلولا الأول لما وجد الثاني، واستمراريتهما في ارتباط عضوي، وهو الذي يسمح باستمراره حالياً، لأن تشديد الحراسة الأمنية على الحدود لمنع التهريب تتطلب أجهزة نزيهة، ولكن أجهزة الجمارك لدينا بتركيبتها وتراكم تجربتها التاريخي تعتاش على الفساد، أو بالأحرى هو مبرر وجودها أساساً، فالاتفاق وتبادل المصالح مسبق بين الجمارك والمهربين، ولكل منهم تسعيرته..
فالقول بأن الفساد هو المسؤول عن التهريب ليس بجديد، لكن الأساس في حديثنا هذا، هو الظروف الحالية التي تعيشها سورية، والتي تشكل الأرضية الصالحة والمبرر القوي لقمع واجتثاث الفساد المستشري في الأجهزة الجمركية، وتنظيف حدودنا منهم، لأن فسادهم بات عبئاً على الوطن والمواطن على حد سواء، فالبعض يؤكد أن السماح بفتح باب تهريب المازوت اليوم ليس بريئاً بالمطلق، لا بل إن وراءه غايات ونوايا مبيتة، كإلهاء البعض بالمنافع الآنية ليبتعدوا بفكرهم ووجودهم عما يجري في البلاد الآن..