الدعم نقداً.. آلية جديدة بين إنتاج التضخم ومنع التهريب
في إحدى التجارب التي مرت خلال الأعوام السابقة عملت الحكومة على تقديم مبالغ نقدية 10000 ليرة مقابل مازوت التدفئة وفق قسائم وزعت على السوريين، لم تنجح التجربة وكان العائق الأساسي تزوير القسائم وعدم كفاية المبلغ.
إلا أن المتداول اليوم يشبه إلى حد ما الآلية المتبعة أي التعويض النقدي مقابل السعر المدعوم.
يطرح اليوم رفع الدعم عن مادة المازوت كبداية، وتركها لتتحرك وفق السعر العالمي، والتعويض النقدي عن دعم المادة في كل القطاعات المستهلكة للمازوت والمتضررة من الرفع، بحيث تسد الكميات المدفوعة الارتفاع في التكاليف في كل قطاع ويصل الدعم إلى أصحاب الحق به، ويزول السبب الموضوعي للتهريب أي الفارق بين السعر المحلي المدعوم والسعر العالمي المطبق في الجوار.
بداية لتقدير رقم التعويض وحجم الكتلة النقدية المتوجب دفعها:
إذا ما كانت أرقام الدعم الحكومي مضخمة فإن الرقم الثابت والأكيد هو أن 40 % من استهلاك المازوت للقطاع الأهلي هو للتدفئة حوالي 3 مليار ليتر. بتوزيعه على عدد الأسر السورية بمتوسط 5 أشخاص (4,6 مليون أسرة) يكون حجم استهلاك الأسرة حوالي 652 ليتراً سنوياً. باعتبار الكمية 650 ليتراً تكلفتها بالسعر العالمي ( 650 × 40 ) 26000 ليرة سورية.
أما بالنسبة لقطاع النقل فإن مضاعفة تكلفة المازوت تعني مضاعفة تكلفة النقل وذلك بناء على تجربتنا السابقة مع هذا النوع من الرفع، إي زيادة %100 وباعتبار هوامش أجار النقل داخل المدن في سورية: 5-10-15. فإن الزيادة بالمتوسط 10 ليرة سورية وباعتبار (ذهاب وإياب) بالتالي 20 ليرة هي الزيادة اليومية على تكلفة النقل الداخلي لفرد من الأسرة، وللأسرة 100 ليرة يومياً أما سنوياً 36500 ليرة سنوياً للأسرة الواحدة.
الأرقام السابقة تشير فقط على أثر رفع الدعم على كل من التدفئة والنقل الداخلي للركاب وتشير إلى أن رفع الدعم عن مادة المازوت ليصل سعرها المحلي إلى 40 ليرة يعني أن الدولة تحتاج إلى تسديد مبلغ مقداره (36500 +26000) 62500 ليرة للأسرة الواحدة، أي بحساب الأسر السورية حوالي 4,6 مليون..
ستدفع الدولة مبالغ نقدية مباشرة 287 مليار ليرة سورية سنوياً، فقط لتعويض النقل الداخلي والتدفئة.
وهنا لم يحسب بعد تكلفة نقل البضائع، وما سيدفع لقطاع الزراعة وتحديداً في ثلاث زراعات أساسية تعتمد على الوقود هي القمح والشوندر السكري والقطن، يضاف إلى ذلك دعم الصناعة التي يعتبر المازوت من أهم وفوراتها. لا بد أن الرقم سيتضاعف وهو أكبر بكثير من رقم الدعم الحقيقي الذي يحتسب به الجزء المنتج محلياً بسعر التكلفة.
قد يقول قائل بأن المطلوب ليس تحقيق وفورات فيما تدفعه الحكومة وتخفيض نفقاتها، لذلك المبلغ مبرر ومن الطبيعي أن تدعم الدولة مادة هامة كالمازوت، يبقى الهدف الأساس من هذه الآلية هو إزالة السبب الموضوعي للتهريب.
هل يحقق رفع السعر إلى 50 ليرة منع التهريب؟
يبلغ سعر ليتر المازوت في تركيا على حدودنا الشمالية ما يتراوح بين 100 – 120 ليرة لليتر، وذلك بعد أن تفرض تركيا رسوماً بمقدار 100 %. لذلك لمهربي المادة سوق واسعة لا تزال تشكلها تركيا بفارق نصف السعر تقريباً.
إذا سيكون دفع كل هذه المبالغ فقط لتخفيف عمليات التهريب ولن يمنعها..
إشكاليات أخرى
يقال بأن المطلوب ليس إزالة الدعم وإنما تغيير شكله، وذلك بتحرير المادة المدعومة وتحريك معادل نقدي مقابل يوزع للمستهلك أو المنتج مباشرة، ولربما من الناحية الرقمية لا يوجد فرق، إلا أن شكل الدفع أو الدائرة التي تدور فيها الكتلة النقدية المخصصة للدعم تغير كثيراً من النتائج.
بالنسبة للمازوت على سبيل المثال تقدم الدولة المازوت المدعوم من إنتاجها وتوزيعها إلى كل القطاعات، وهذا ما يجعل المبلغ المدفوع مخصصاً حتماً لتخفيض تكاليف الإنتاج، أما في حال رفع سعر المازوت فإن المبالغ المخصصة لن تدخل بالضرورة في تخفيض التكاليف وقد تتحول إلى مجالات استهلاكية أخرى، وهذا تحديداً في ظل التردي الكبير في قيمة الليرة وتزايد الضغوط التضخمية وتغير الأولويات الاستهلاكية كافة.
يضاف إلى ذلك أن ضخ مبلغ سنوي كبير بشكل نقدي هو عملية ذات بعد تضخمي مباشر، وستؤدي في ظل الظروف الحالية إلى اختلال كبير في الكتلة النقدية عن السلعية مؤدية إلى تدهور قيمة الليرة وارتفاع الأسعار اللاحق.
وهو ما نتج في عام 2008 بعد أن سرى ارتفاع سعر المازوت وأدى بشكل مباشر وحسب الأرقام الرسمية إلى تضخم 15 % وإلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية %56.
أي أن السياسة البديلة لتوزيع الدعم ستؤدي إلى وصول مبالغ نقدية مناسبة لتعويض رفع السعر إلى أصحابها الحقيقيين، ولكنها مبالغ ضخمة على خزينة الحكومة ذات الموارد المتناقصة من جهة، وهي مبالغ ستتلاشى قيمتها مع التضخم الناتج حتماً. على الحكومة في حالة تطبيق هذه السياسة أن تملك الضمانات والقدرة على ضبط السوق وعدم حصول ارتفاع في المستوى العام للأسعار..
والسؤال هنا:
إذا كانت الحكومة قد غيرت كامل سياسات الدعم المتبعة تاريخياً نظراً لعدم قدرتها على مواجهة الفساد الواضح للعيان في قطاع واحد هو إنتاج المحروقات، مع العلم أن هذا القطاع تحتكر الدولة عمليات إنتاجه وتوزيعه في المراحل الأولى الأساسية..فكيف ستستطيع الدولة أن تضبط أثر رفع الدعم على كامل القطاعات التي يدخل المازوت فيها، والارتفاعات الناتجة والتي ستطال مستوى معيشة السوريين بشكل عام..