آليات الدعم تطرح على طاولة البحث من جديد.. أرقام مضخمة وهدر كبير
الجدل القديم الجديد
منذ سريان السعر غير المدعوم للمازوت في عام 2008، والسوريون ينتظرون في شهر أيلول من كل عام الاختراع الجديد المطروح لتوزيع مازوت التدفئة المدعوم..
لكن ما شهده العام الماضي من اختناقات في المادة ومن تجربة مريرة للسوريين في طوابير الانتظار، تجعل من سياسة المازوت المدعوم لهذا العام أكثر ترقباً وانتظاراً، ومع هذا تتأخر وتأتي بإشارات تدل على عدم نضج طريقة جديدة تجنب السوريين الانتظار أو الأسعار المرتفعة.
إلا أن الأهم هو أن الدعم كسياسة وتحديداً لمادة المازوت مطروح على طاولة البحث، ولهذه القضية إشكالاتها التي أصبح كل السوريين على دراية بها وإن لم تكن تفصيلية.
فالمازوت مادة أساسية تدخل في جميع القطاعات الأساسية وتشكل جزءاً هاماً من استهلاك الأسرة السورية، على التدفئة، وكذلك في قطاع النقل، حيث يشكل استهلاك المازوت جزءاً كبيراً من استهلاك الطاقة الكلي في سورية بنسبة 24 %.
هذا الاستهلاك الكبير لمادة سعرها العالمي بين 40 – 50 ليرة لليتر ، وسعرها المحلي 23 ليرة هو ما يولد معضلة الدعم، أي مبلغ الفرق الكبير الذي تدفعه الدولة السورية على مادة المازوت.
بالمقابل فإن هذا الدعم الذي يفترض أن ينجم عنه آثار إيجابية ووفورات في الكثير من القطاعات لم يؤدِّ إلى زيادة إنتاجية صناعية أو توسع كبير في أسطول النقل السوري، أو وفرة في مادة المازوت كمادة تدفئة أساسية.
تقول الحكومة آسفة نعتذر اتضح أن الدعم يقدم إلى الناهبين وكبار شبكات التهريب ولا بد من «محاربته» كي لا يفيدهم..
الدعم من وجهة نظر الحكومة
يبلغ استهلاك المازوت في سورية بحدود 7,5 مليار ليتر وهو رقم كبير، يشكل 24 % من مجمل استهلاك الطاقة في سورية. يتوزع هذا الاستهلاك على القطاع الأهلي للتدفئة بنسبة 40 % أي حوالي 3 مليار ليتر.
وعلى قطاع النقل بنسبة 42 % والباقي يتوزع على الصناعة والزراعة والتجارة والتشييد وغيرها من القطاعات بنسب ضئيلة.
تكلفة استيراد طن المازوت 1000 دولار. وهناك صعوبات كبيرة في استيراد المادة وتحتاج الكميات المستوردة إلى حوالي 70 – 80 ناقلة، وغيرها من المشاكل المالية المتعلقة بفتح الاعتمادات.
تكلفة المازوت المستهلك 7,5 مليار × 40 (وسطي تكلفة استيراد الليتر) = 300 مليار ليرة.
بينما يباع في السوق السورية 7,5 × 23 = 172 مليار ليرة. أي قيمة الدعم 128 مليار ليرة لدعم مادة المازوت إجمالاً.
بينما تعلن خسائر شركة المحروقات بـ 242 مليار لعام 2010، و 300 مليار لعام 2011 جراء سياسة الدعم.
لا بد أن رقماً يقارب مئات المليارات سنوياً يذهب أغلبه إلى جيوب المهربين، ويؤدي إلى فقدان المادة هو رقم يهز موارد الدولة سنوياً ولا بد من طرحه على طاولة البحث بشكل جدي.
الدعم بين نارين
تجربة العام الماضي والتي تعتبر تجربة مريرة في ظروف الأزمة، حيث أعلن عن تخفيض سعر المازوت إلى 15 ليرة لليتر مع بداية الشتاء، وبالمقابل تم توزيع المازوت الأحمر بشكل أساسي على محطات الوقود الخاصة وكلفت محطات الدولة بتوزيع المازوت الأخضر وهو أقل كفاءة من حيث التدفئة. لم تتبع في العام الماضي طريقة القسائم أو البونات أو تحدد كميات استهلاك، ومنعت سيارات البيع الصغيرة والصهاريج الخاصة من توزيع المادة والتجول بها، ومع هذا فقدت المادة من محطات الوقود والتجأ الكثيرون إلى تبديل طريقة التدفئة التقليدية واللجوء إلى الطرق الأخرى، واستهلكت النسبة الكبرى من المازوت السوري المدعوم في الأسواق المجاورة في لبنان والأردن وتركيا نظراً لفرق السعر، وتخصصت مافيات التهريب الكبرى بعملية التوزيع. ولم تستطع الدولة في العام الماضي ( ولا في أي وقت آخر) أن تمنع الصهاريج من الانتقال إلى الحدود أو إلى خزانات التهريب المتخصصة. أحد الأرقام المتداولة في أوساط حكومية وغير مدروسة بدقة هو حصة التهريب من استهلاك المازوت في سورية، والتي تصل إلى حدود 20 % أي ما يقارب مليار وخمسمئة ليتر وما قيمته عالمياً 60 مليار ليرة.
لذلك وفي هذا العام الذي يشهد مستوى أوسع من الفلتان الأمني، لا بد عند نقاش موضوع الدعم أخذ مستوى القدرة على الضبط بعين الاعتبار وأخذ ضرورة أولية، هي ضرورة وصول المادة التي أصبح سعرها المتعارف عليه في السوق السورية الخاصة هو سعرها العالمي. كل هذا يجعل المبالغ المالية التي تدفعها الحكومة لدعم المازوت هي موارد لا بد من النظر إلى جدوى تقديمها بهذا الشكل نظراً لمستوى التراجع الكبير في موارد الدولة حالياً، ونظراً لصعوبة الاعتماد على وظيفة الدولة في ضبط التهريب في هذه اللحظة.
كل هذا يجعل من البحث في شكل الدعم تحديداً لمادة المازوت حالياً، أمراً ضرورياً ولكن هذه الخطوة الجريئة تحديداً في هذا الوقت تتطلب البحث الدقيق المتعدد الجوانب نظراً لطبيعة المادة ونظراً لمستوى التعقيد والإعاقة الذي سيشكله جهاز الدولة المترهل والذي ربما غير مؤهل في هذه اللحظة للقيام بمهمة أي خطأ فيها يعني آثاراً اجتماعية واقتصادية عميقة..
تضخيم رقم الدعم المعلن...
بحسب كل البيانات الحكومية فإن سورية تنتج 60 % من الاستهلاك المحلي من المازوت عن طريق مصفاتي بانياس وحمص، وتستورد حاجات الاستهلاك المتبقية والمقدرة بـ 3 مليار ليتر. أي أن المازوت الموجود في السوق السورية 60 % منه من إنتاج محلي ، أما الجزء المتبقي 40 % فهو مستورد.
ومن المفترض أن المنتج محلياً يباع بسعر التكلفة، وهو المنطقي في ظل سياسة حكومية تدفع فارقاً كبيراً لدعم السعر.
عند حساب الدولة لرقم الدعم فإنها تجمل 7,5 مليار ليتر وهي كامل الاستهلاك دون أن تميز المنتج محلياً من المستورد.
وهذا ما يضخم رقم الدعم، حيث أن الدولة تستورد بالسعر العالمي وهنا تقدم دعماً، بينما تأخذ من المصافي المحلية بسعر التكلفة وهذا خارج الدعم، وربما إذا ما كان سعر التكلفة غير المعلن أقل من 23 ليرة لليتر فإن الدولة تكون رابحة في عملية بيع المازوت المنتج محلياً بالسعر المدعوم.
تقول آخر المعلومات إنه في ظل الأزمة وصلت تكلفة استيراد الطن الواحد من المازوت إلى 1000 دولار، أي تكلفة استيراد الليتر برقم تقريبي 40 – 50 ليرة. وبأخذ الحد الأدنى 40 ليرة ، مقارنة مع السعر المحلي المدعوم 23 ليرة فإن كل ليتر مستورد مدعوم بمقدار 17 ليرة .
أي 3 مليار ليتر مستورد : 51 مليار ليرة دعم مازوت مستورد. وهو رقم دعم مادة المازوت الأكثر واقعية..
أما القسم الأكبر وهو 60 % المنتج محلياً من الحاجة السنوية والذي يبلغ في عام 2011 حوالي 4,5 مليار ليتر (7,5 الاستهلاك محذوف منه حاجة الاستيراد هذه السنة) فإن هذه الكمية منتجة على أساس سعر تكلفة لا يعلن كجميع الأرقام الهامة والمفصلية في سورية، إلا أن مصدرين أحدهما أكاديمي يقدر ب 7 ليرة لليتر بينما مصدر من الوزارة يقدر سعر التكلفة بـ 23 ليرة ( لايوجد رقم دقيق لحساب تكلفة المنتج محلياً إلا أن تكلفة إنتاجه في مصر حوالي 11 ليرة).
تضليل محاسبي
تبرر شركة المحروقات بأنها تحصل على المازوت المنتج محلياً من المصافي الحكومية بالسعر العالمي إلا أن هذا لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً، فما يسجل خسارة لدى شركة المحروقات يسجل ربحاً لدى المصافي، وهذا لا يغير من حقيقة أن الدعم لا يشمل حوالي 4,5 مليار ليتر من المازوت المنتج محلياً، وأن قيمة ما تدفعه الدولة على دعم المازوت هو في حدود 51 مليار ليرة..
قد يدخل هنا معطى يتعلق بحصة الشركات الكبرى من النفط الخام والتي يدخل جزء منها إلى المصافي السورية بعد أن يشترى بالسعر العالمي، وهو ما يجعل النفط الخام المنتج محلياً يدخل إلى المصافي السورية بالسعر العالمي ويصبح جزء من المازوت المنتج محلياً مسعراً عالمياً..؟! بينما نبيع جزءاً هاماً من حصة الشركات السورية على شكل نفط خام ونستورد نفطنا الخام من الشركات الأجنبية العاملة في سورية لإنتاج المشتقات. ؟!
كل ما ذكر للإشارة إلى أن دعم المازوت رقم غير دقيق ومضخم .. إلا في حال كان جميع النفط الخام المكرر في المصافي السورية يأتي من حصة الشركات الأجنبية بالسعر العالمي؟