معدل الخسارة بالاقتصاد السوري.. غياب الرقم الدقيق وضعه في مرمى التكهنات
تفتقر المرحلة الحالية إلى صدور أرقام دقيقة تبين مقدار تأثر الاقتصاد السوري بمختلف مكوناته المصرفية والتجارية بعد ما فرضته دول الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية من عقوبات اقتصادية على سورية، إلا أن التقارير والنشرات تتحدث عن تراجع للناتج المحلي الإجمالي وارتفاع مستوى التضخم مع تزايد نسب البطالة والفقر..
وتوقعت الدراسة السنوية التي تجريها مؤسسة «ايكونوميست اينتليجنس يونيت»، الصادرة في تموز أن يتراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 8 % عام 2012، فيما توقعت دراسة معهد المالية الدولية انكماش النشاط الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 14 و20 % عام 2012.
احتياطي المصارف موضع جدل
وحسب تقديرات معهد «ايكونوميست اينتليجنس يونيت» فإن مجموع الاحتياطي في البنك المركزي السوري الذي كان يبلغ 19.5 مليار دولار، سيتراجع إلى 9.6 مليارات عام 2012، لكن الحديث من داخل المصارف السورية يشير إلى غير هذا الكلام، وعلمت (قاسيون) إن الاحتياطات لدى المصارف السورية في أحسن أحوالها، وأن الحكومة السورية قامت بفتح حسابات لها في مصارف روسية بتمويل سوري.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن قيمة التسليفات التي يمنحها المصرف التجاري السوري تبلغ 350 مليار ليرة سورية، وهذا المبلغ يشكل 10% من مجموع التسليف الذي يمنحه المصرف، مع العلم أن 90% مما يمنحه هو للقطاع العام لتمويل المستوردات أو لعملياته الداخلية.
واستطاعت المصارف السورية، بحسب مصادر، إيجاد أقنية بديلة لتسيير عملياتها رغم ما يترتب على ذلك من زيادة في النفقات والمخاطر، لكن علاقات هذه المصارف مع نظيرتها الأجنبية لعبت دوراً في استمرار التعامل، فضلاً عن الخبرة لدى المصارف السورية نتيجة العقوبات المتتالية التي فرضت على سورية عبر سنوات طويلة.
فقد كانت البداية عام 2005 حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات طلبت فيها من المصرف التجاري السوري عدم التعامل بالدولار الأمريكي وطلبت من المصارف الأخرى عدم التعامل مع التجاري السوري، تبعه الاتحاد الأوروبي عام 2011، ثم كان قرار جامعة الدول العربية الذي يعتبر أكثر القرارات والعقوبات ظلماً.
ويبدو حالياً أن التصدير شبه متوقف، وهناك صعوبات بعمليات التصدير، بالمقابل توجد بعض القنوات المساعدة لتسيير عمليات الاستيراد دون الوصول لمرحلة التوقف الكلي، ومعظم العمليات تتم باليورو، نتيجة قرار الحكومة سابقاً، دون إنكار ما تمارسه البنوك الأمريكية من ضغوطات على الدول الأخرى وبنوكها في سبيل إيقاف التعامل مع المصارف السورية، التي لجأت إلى بعض الأساليب الأخرى غير الجديدة عليها من مقايضات لتجاوز العقوبات.
وتوقع تقرير مصرفي صادر عن معهد التمويل الدولي تراجع الاقتصاد السوري بنسبة 14% هذا العام، معززاً بذلك التراجع بما نسبته 6% خلال العام الماضي، وذلك نظرا إلى التراجع الكبير في الإنتاج الزراعي واستمرار هبوط حركة الاستثمارات والتصدير، بسبب تزايد معدلات العنف والعقوبات الاقتصادية.
ولفت التقرير إلى تراجع حاد في حجم الاستثمارات الأجنبية الوافدة لتصل إلى حدود 100 مليون دولار فقط هذا العام، مقابل 600 مليون دولار في العام الماضي.
ويستمر الحديث والتكهنات عن مستويات التراجع في صادرات وواردات سورية من السلع والمواد المختلفة دون وجود تقييم حقيقي لهذه التكهنات، بل اعتماداً على مؤشرات وتقارير غير حكومية.
في الوقت الذي قدرت دراسة لهيئة تنمية وترويج الصادرات حجم الخسائر وفق سيناريو الأزمة التجارية بحسب المناطق بـ52% من الصادرات الممكنة للدول العربية المشتركة في العقوبات، وخسارة 93% من الصادرات الممكنة لأوربا والتي تعتبر من أهم الشركاء لسورية، و82% من الصادرات الممكنة لتركيا، بينما تقدر زيادة الصادرات للعراق بـ40% وللأردن بـ20% ولإيران بـ100%.
علاقات التجار تلعب دور المنقذ
ويشرح عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق إشكالية التعاملات التجارية في ظل الأزمة والعقوبات الاقتصادية بأنها «تكمن في تحويل الأموال إلى الخارج، فهي غير ممكنة بالدولار بل فقط باليورو، وبعض الشركات الأجنبية باتت ترفض تحويل الاعتمادات من سورية، ومع ذلك بعض التجار لديهم القدرة على تأمين القطع الأجنبي وتتقلص المشاكل في التعامل مع شركات تجمعنا بها علاقات قديمة، لكن حالياً يصعب بناء الثقة مع شركات جديدة، وكثيرون يطلبون التحويل النقدي».
وعن توقف المصرف المركزي عن تمويل المستوردات، قال الحلاق إن «المصرف المركزي وما يتبعه من سياسات صعب الأمور علينا فأضعنا البوصلة، لأن رفضه بيع القطع الأجنبي مباشرة للمستوردين وإدخال وسيط بينهما شركات الصرافة فتح الباب للاستغلال والابتزاز».
وعن تعامل الأسواق العربية والتقليدية مع التاجر السوري، بين الحلاق «أثق بأن المستهلك يبحث عن المنتج الكفء من حيث الجودة والسعر والتواجد، وهو لا يقاطع دولاً، وبالتالي في ظل العلاقات التي جمعتنا بالتجار في الدول العربية وغيرها والعلاقة بين المستهلك والمنتج، أصبحت هذه العلاقة تسهم في استقلالية التعامل التجاري عن الحكومات والسياسة».
غياب الرقم الدقيق عن التبادلات التجارية
وعن الأرقام الصادرة من هيئة تنمية وترويج الصادرات، لفت الحلاق إلى أنه «لم نكن نملك إحصائيات دقيقة في أي وقت سابق وقبل الأزمة، وبالتالي لا أثق بأي رقم يصدر في الفترة الحالية، لعدم توافر الأسس العلمية الصحيحة للخروج بأرقام تعكس الواقع، أنا لا أكذب ولا أصدق هذه الإحصائيات».
ويبدو أن غياب الرقم الإحصائي الدقيق قضية مطروحة من عدد من خبراء الاقتصاد الذين يعتبرون أن غياب الرقم يتخلله وجود مساحة عريضة لما يسمى اقتصاد الظل في سورية أو غير الرسمي، واقتصاد الظل هذا يترك مساحة كبيرة للتنبؤات والأقاويل بشكل خاص وحول رؤوس الأموال الخاصة وحركتها نحو الداخل أو الخارج.
وفيما يخص التوجه شرقاً، قال الحلاق «التعامل مع الدول الصديقة أو غير الصديقة ليس جوهر القضية، فكما قلت التعامل التجاري يتعلق بالأفراد وليس بالحكومات، والتاجر أو المصنع أو المصدر يبحث عن الفرصة الأنسب للحصول على المنتج الكفء».
انخفاض 40% في مستوردات العام الماضي
وكان مدير عام هيئة تنمية وترويج الصادرات «حسام يوسف قال لوسائل الإعلام إن «المستوردات السورية شهدت خلال العام 2011 انخفاضاً يتراوح بين 10 إلى 40% ، نظراً لزيادة وارتفاع كلف الاستيراد، فيما شهدت الصادرات نمواً في 2011 ، لأن سعر الصرف لليرة السورية انعكس بشكل إيجابي على نمو وزيادة الصادرات السورية».
وحسب مصادر إعلامية، قال مدير عام صندوق دعم الصادرات «إيهاب إسمندر» إن التقديرات الأولية تشير إلى أن حجم الصادرات السورية وصل خلال العام 2011 إلى 600 مليار ليرة سورية، كما نمت الصادرات السورية خلال الربع الأول من عام 2011 بمقدار 22 % مقارنة مع مؤشرات العام 2010 ، في حين انخفضت نحو 30% خلال الربع الثاني، لتتحسن في الربع الثالث وتعود إلى معدلاتها الطبيعية تقريباً بانخفاض 4%».
بينما أشار تقرير معهد التمويل الدولي إلى تقلص حاد في الصادرات النفطية وبعض الصادرات غير النفطية في عام 2012 بفعل العقوبات العربية والأوروبية والأمريكية، وبفعل تعطل الإنتاج أو تقلصه في الكثير من المصانع والإنتاج الزراعي بفعل الأحداث الجارية التي تشمل معظم المحافظات السورية.