العقلية الحكومية تعيق مواجهة الأزمات..دراسة آثار العقوبات ووضع البدائل ضرورة تجاهلتها الحكومات المتعاقبة ووزاراتها!
ليست الصحافة هي الجهة المعنية بالبحث في تفاصيل التأثيرات الجزئية للعقوبات الاقتصادية على وزارات الدولة وقطاعاتها، أو تقديم الدراسات على هذا الصعيد، كما أنها ليست المعنية بالبحث في حجم الأضرار التي ألحقتها العقوبات الاقتصادية بالاقتصاد الوطني، أو بتقصي الخيارات المتاحة والبدائل المتوفرة بتفصيلاتها الجزئية، بينما لم تحرك تلك الوزارات المعنية بالعقوبات على امتداد أكثر من عام ونصف ساكناً باتجاه تحديد تأثير العقوبات على كل وزارة بعينها، ولم تحدد ما تأثر، وما يمكن أن يتأثر من معاملها ومنشأتها أو من خطوط إنتاجها، أو في أدائها العملي حتى، ولم تكلف نفسها عناء البحث عن البدائل، وإنما اكتفى القائمون عليها بالحديث العام عن تكلفة أضرار هنا أو هناك، وعلى مستوى جزئي لم يشمل كل الوزارات المتضررة..
نفي التأثر بالعقوبات أضر بالاقتصاد
على الأقل، وعلى المستوى الإعلامي، لم نسمع أن الحكومة، أو أي من الوزارات أو الجهات التابعة لها قد وضعت سيناريوهات وحلولاً بديلة لتأمين احتياجاتها ومستلزماتها مع الجهات التابعة لها، للتخفيف من آثار العقوبات الأوروبية والأمريكية والعربية، وما جرى الإفصاح عنه إعلامياً، هو مجرد الحديث طبقاً لمصادر خاصة في شهر أيار من عام 2012 عن طلب الحكومة من جميع الوزارات اقتراح حلول للتخفيف من الأضرار الناجمة عن العقوبات، ولكن إلى اليوم لم تصدر دراسة واحدة من أية جهة حكومية تتحدث عن التأثر الفعلي للعقوبات، أو عن حجم التكلفة التي يدفعها الاقتصاد الوطني، أو طرح البدائل المقترحة من جانبهم على هذا الصعيد، فكل القطاعات تأثرت دون استثناء، حتى وإن كان بدرجات متفاوتة، فهل لأحد أن ينفي لنا عدم توقف بعض المعامل في القطاع العام أو بعض الخطوط الإنتاجية لأن تقنيتها غربية وتحتاج لخبراء غربيين لإصلاحها؟! وكم من المشاريع المقترحة لتطوير بعض المصانع جرى توقيفها للتعاقد مع شركات أجنبية في السابق؟! وهل جرى اقتراح البديل عنها؟! وما هي طبيعة التأثر التي طالت محطات التوليد الكهربائي ذات التقنية والمنشأ الأوروبي بأغلبها؟! وهل جرى تدريب كوادر محلية على إصلاحها بالحد الأدنى؟! وماذا عن تأثر القطاع الزراعي والدوائي والبيئي بهذه العقوبات؟! وهل لأحد أن يخبرنا عن المشروعات الصناعية التي توقفت بفعل العقوبات؟! وما هي بدائل الوزارة المعنية؟! وكيف تعاملت وزارة الصحة مع النقص الحاصل في بعض الأدوية بفعل العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ أكثر من عام ونصف؟! وكم من محطات الكهرباء والصرف الصحي مهددة بالتوقف بسبب حظر توريد قطع الغيار؟!.. وغيرها الكثير من القطاعات التي أثرت العقوبات سلباً على أدائها وعطلت بعض منشآتها..
منطق حكومي مقلوب
كل تلك التأثيرات لا تشير إليها التقارير الرسمية، وجل ما تتحدث عنه هو خسارة المليارات في القطاع النفطي، صاحب الحظ الأوفر بالعقوبات الاقتصادية، ليس لأهميته بل لأنه جرى تلزيمه خلال العقود الماضية للأوروبيين استخراجاً، وتنقيباً، وشراءً، وهذا ما جعل من خروج الشركات الأوروبية والأمريكية الأكثر تأثيراً على هذا القطاع، ولو جاء أحد ليدافع عن الحكومة ووزاراتها على مبدأ «أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً»، على اعتبار أن تقييماً ما قد جرى لتأثير العقوبات والبدائل المتاحة بالحد الأدنى بعد أكثر من عام على العقوبات، فإننا نقول له، إن استشراف حصول الأزمات هو جزء من المنطق الاقتصادي، وتوقعها بفعل ما كان يخطط من عقوبات منذ المراحل الأولى للأزمة، كان يفترض «تكويعة» وعملاً جدياً على المستوى الاقتصادي، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، وهذا برأينا لم يحدث لأن هناك من أصر على نفي تأثر سورية بالعقوبات الاقتصادية على المستوى الحكومي، وهذا لم يكن خافياً على أحد، وأخر من أعلن عنه هو وزير المالية في شهر أيار من عام 2012، عبر تأكيده على عدم التأثير المباشر للعقوبات الغربية على اقتصاد البلاد، فالمشكلة في ذهنية وعقلية العمل الحكومي التي تعيق مواجهة الأزمات، من خلال رفض الاعتراف بوجودها، فالمنطق العلمي يقوم على قاعدة أن «الاعتراف بالمرض هو الخطوة الأولى على طريق الحل»، بينما المنطق الحكومي يقوم على نفي وجود المشكلة عند نشأتها، والاعتراف بوجودها عند استعصاء إمكانية حلها..
انتظار مشبوه
ليس الآن، بل من اليوم الأول لبدء الأزمة السورية، وتلويح الأوروبيين والدول الأخرى بالعقوبات، كان على الحكومة ووزاراتها تقديم تقاريرها لنسبة اعتمادها على تلك الدول، وأماكن تأثيرهم على القطاع الاقتصادي، وتحديد بدائلهم من الدول المتاحة، وكما يعرف الجميع «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، فماذا كانوا ينتظرون؟! وهل يعولون على تغير في الموقف الأوروبي وتراجع عن العقوبات مما سيعفيهم من عناء بعض الأيام وحتى الأسابيع في البحث والدراسة بأسوأ الأحوال؟! أم أن القضية بعقلية القائمين والعاملين في القطاع العام بكل وزاراته، والذين لا يعتبرون انهيار القطاع العام بأكمله أو توقف جزء عن معامله عن الإنتاج بالأمر المهم، فالسرقة الهاجس الأول لبعض إداراته، ولا مكان لحاجات هذا القطاعات ومتطلباتها في دائرة اهتماماتهم، وهي العقلية ذاتها التي أوصلت هذا القطاع إلى الخسارة والخصخصة..
قد يبرر البعض، بالحديث عن وجود دراسة مقدمة على هذا الصعيد، والتي بقيت طي الكتمان، وعلى الرغم من أن هذا ليس بالوارد طبعاً، ولكن هذا الطرح قد يكون بوابة للحديث عن عملية تسريب تلك الدراسات والمشروعات لبعض المحظيين من الوسائل الإعلامية، ولكن من حقنا التساؤل: إلى متى ستبقى المعلومات حصرية لبعض هؤلاء؟! وأين المشكلة في تقديم المشاريع والدراسات الحكومية إلى الإعلام أو على موقع التشاركية؟! وخاصة أن وزارة الإعلام هي من تطالب الإعلاميين بالحديث وتقديم ما لديهم لتصويب الخطوات والسياسات الحكومية على الصعيد الاقتصادي، فكيف سيناقش مشروعاً أو توجهاً أو دراسة دون أن تكون لديه المعلومة التي توفر الأرضية للنقد أو التصويب، والتي يصعب الوصول إليها..