أسعار سورية عالمية.. والأعياد زادتها جنوناً

أسعار سورية عالمية.. والأعياد زادتها جنوناً

الأعياد، فرصة دسمة لا يفوتها التجار.. المحتكر الكبير منهم قبل البائع الصغير، لرفع أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية، حيث شهدت معظم أسعار المواد الغذائية خلال العيد والأيام القليلة التي سبقته ارتفاعاً بنسبة تتراوح بين 20 – 40%، حتى أن قطاع النقل لم يسلم هو الآخر من ارتفاع الأسعار، حيث ارتفعت التعرفة مزاجياً – وعلى أغلب الخطوط في المحافظات - بنحو 25% قبل العيد، لتصل هذه النسبة إلى 50% بعد انتهاء العيد، هذا المشهد المتكرر مع كل عيد بما يرافقه من وعيدٍ حكومي بضبط الأسواق والحفاظ على سوية الأسعار ولكن دون جدوى فعلية تذكر!..

 

ارتفاع غير مبرر

يصعب على الباحث في ارتفاع الأسعار في الأسواق قبيل الأعياد عن إيجاد مبرر واقعي لهذه الارتفاعات سوى غياب الرقابة، وافتقار صالات التوزيع العامة للفاعلية المرجوة، حيث تخلو هذه الصالات من بعض المواد الغذائية الأساسية كالسكر مثلاً، مما يجعل هذه المادة أكثر عرضة لسيطرة محتكري القلة الذين لا يفوتون أية فرصة سانحة لرفع الأسعار، كما أن لا تفسير أيضاً للارتفاع الذي طرأ على أسعار الخضار والفواكه نهاية الشهر الماضي، على الرغم من المبررات التي تسوقها بعض الجهات الحكومية بدءاً من التصدير وصولاً إلى العوامل المناخية .. إلخ، والتي تشكل إدانة لهذه الجهات دون أن تدري وبشكل غير مباشر، لأن تأثير هذه العوامل على أسواقنا وأسعارنا ما هو إلا دليل على تقصير هذه الجهات في أداء واجبها، حيث يفترض بها الحفاظ على استقرار الأسعار في الأسواق المحلية واتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة هذا الاستقرار بدلاً من جعله في آخر سلم أولوياتها كالسماح بتصدير مادة محلية تشتعل أسعارها في أسواقنا بدلاً من تقنين هذا التصدير كالبندورة مثلاً.. وغيرها من المواد الأخرى.

الخلل الأساسي

المشكلة الجزئية التي يتم الحديث عنها دائماً هي الارتفاعات التي تشهدها أسعار السلع المختلفة وخصوصاً الغذائية خلال أيام الأعياد، والتي هي في الواقع لا تشكل سوى مشكلة جزئية في مجال الأسعار لدينا، لأن المشكلة الأشمل (على المستوى الكلي) تكمن في واقع أسعار سلعنا الغذائية المرتفعة قياساً بنظيرتها العالمية أساساً، وهذه هي المشكلة الرئيسية التي تعاني منها أسواقنا، حيث إنه واستناداً إلى أسعار بعض السلع الغذائية عالمياً في 24 تشرين الأول من العام2010، نجد أن سعر طن الذرة بلغ 225.88دولاراً (10480ل. س)، مما يعني أن سعر الكيلو من هذه المادة عالمياً وصل إلى 10.48 ل.س.

وبالانتقال إلى سعر طن القمح العالمي نجد أنه بلغ 250.19دولاراً (11610 ل.س)، أي ما يعادل 11.6 ليرة سورية للكيلو، بينما بلغ سعر طن فول الصويا عالمياً 448.41 دولار (20810 ل.س)، مما يعني أن سعر الكيلو الواحد يساوي 20.8 ليرة سورية، أما بالنسبة لسعر طن الأرز التايلاندي عالمياً فإنه وصل إلى 500 دولار (23190 ل.س)، أي أن سعر الكيلو يساوي 23.19 ليرة، أما السكر فوصل سعر الطن الواحد منه عالمياً إلى 723.9 دولاراً (33610 ل.س)، ما يعني أن سعر الكيلو يعادل 33.61 ل.س.

وبالانتقال إلى أسعار السلع ذاتها في السوق المحلية - حسب معطيات أسعار المواد التي تقدمها صحيفة تشرين  السورية أسبوعياً في 25 تشرين الأول من العام 2010، فإن سعر الكيلو الواحد من الذرة محلياً بلغ 16.75 ليرة سورية، أي ما يعادل 16750 ليرة سورية (361 دولار) للطن الواحد محلياً، مما يعني أن أسعار هذه المادة محلياً فاقت نظيرتها العالمية بـ62%. وبالانتقال إلى مادة القمح نجد أن سعر الكيلو الواحد محلياً يتراوح بين 16.5 – 20 ل.س، أي أن سعر طن القمح محلياً يتراوح بين 16.5– 20 ألف ليرة سورية أي ما يعادل (355 – 428 دولار)، مما يعني أن أسعار هذه المادة محلياً فاقت أسعار نظيرتها العالمية بما يتراوح بين 30 – 63%.

أما بالنسبة لمادة فول الصويا، فإن سعر الكيلو الواحد منها محلياً تراوح بين 22 – 22.75 ل.س، أي أن سعر طن فول الصويا محلياً يتراوح ما بين 22 – 22.75 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 474 – 490 دولار، مما يعني أن أسعار هذه المادة محلياًَ فاقت نظيرتها العالمية بنحو 10%.

وبالنسبة لمادة الأرز، فإن سعر الكيلو الواحد منها تراوح بين 45 – 100 ليرة سورية محلياً، أي أن سعر الطن من الأرز محلياً يصل إلى 45 – 100 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 970 – 2141 دولار، مما يعني أن أسعار هذه المادة محلياً تفوق أسعار نظيرتها العالمية بما تتراوح نسبته 100 – 228%.

أما مادة السكر، فإن سعر الكيلو الواحد منها محلياً يتراوح بين 45 – 50 ليرة سورية، أي أن سعر الطن منه محلياً يتراوح بين 45 – 50 ألف ليرة سورية ما يعادل 965 – 1070.5 دولار، مما يعني أن أسعار هذه المادة محلياً تفوق نظيرتها العالمية 27 – 34%.

تفوقنا بنسبة 75%

هذه الشريحة المصغرة لأسعار السلع الغذائية تعكس دون شك حقيقة ارتفاع الأسعار في السوق المحلية التي تفوقت على نظيرتها العالمية بنسبة تصل وسطياً إلى 75% لصالح أسعارنا المحلية بالتأكيد، علماً أن أغلب هذه المواد يتم إنتاجها محلياً، وهذا يفترض عدم ربطها بالأسعار العالمية، لأن عملية الربط والمقارنة ليست صحيحة فعلياً، فتكلفة مدخلات عملية الإنتاج الزراعي والحيواني في العالم هي أعلى من تكلفة هذه المدخلات لدينا، والتسعير يجب أن يتحدد على أساس هذه المدخلات وليس على أساس الحسابات العالمية.

فالمعطيات السابقة تؤكد وجود خلل في نظام التسعير والرقابة لدينا، وهذا الخلل في أسعار المواد في السوق المحلية مقارنة بالعالمية يتطلب البحث عن الأسباب الكامنة خلفه، فالانفتاح والتحرير الاقتصادي للأسواق المحلية دوره الكبير في جعل أسعار هذه المواد الغذائية عرضة لتجاذب بين فكي العرض والطلب في ظل احتكار القلة من التجار لمعظم هذه السلع، مما يجعلهم المسيطرين في تحديد أسعارها في الأسواق دون منافس، هذا من جهة، وعجز وزارة الاقتصاد والتجارة والمديريات التابعة لها ليس عن تخفيض الأسعار بالشكل المطلوب في السوق المحلية بل التخفيف من حجم ارتفاع هذه الأسعار بالحد الأدنى، يضاف إلى هذا الإجراءات التي تتخذها وزارة الاقتصاد أحياناً بالسماح بتصدير بعض المنتجات رغم تحليق أسعارها في السوق المحلية، دون اللجوء مثلاً إلى التقنين في تصدير هذه المادة أو تلك لتخفيض اشتعال أسعارها، هذا من جهة أخرى، فالحل يبدأ عند تفادي هذه المشكلات وإلا ستبقى سوقنا المحلية عرضة لارتفاعات الأسعار غير المبررة!..