محاباة الأغنياء تنتج الفوضى!
الرؤية الأولية للوضع السوري تبين أن الفوضى هي السمة العامة، فتتنوع ظواهرها الاجتماعية، من أشدها كالمواجهات المسلحة في شوارع وأحياء مدننا الرئيسية، إلى أهونها وهي كميات القمامة المتروكة أيضاً في شوارع وأحياء المدن..
وما بين هذه وتلك تتنوع ظواهر الفوضى.. النزوح الجماعي، الشحن الطائفي، بيع وتوزيع السلاح، التجنيد المليشيوي، المخطوفين، وصولاً إلى الاستغلال والاحتكار الفاضح، طوابير المواطنين الذين ينتظرون المواد المفقودة، وفود المسرّحين والعاطلين عن العمل وغيرها..
أما بعد هذه الرؤية الأولية التي ترى الظواهر الاجتماعية الاقتصادية الطافية على السطح، من الضرورة التقدم نحو نظرة أكثر عمقاً تبحث عن المواضع التي كانت تكمن فيها بذور الأزمات والتي سمحت للمجتمع السوري والدولة السورية بالوصول إلى هذا الحجم من الفوضى و«الانحراف»..
فلا بد من التساؤل: كيف استطاع محرضو العنف أن يكسبوا بيئات اجتماعية سورية ويجندوا شبابها ويدفعوهم لمعركة من هذا النوع؟!..
وكيف استطاع المحتكرون وتجار الأزمات أن يمتلكوا كل هذه القدرة على التحكم؟!، وبالمقابل كيف وصلت الدولة السورية وجهازها الواسع للحد الذي نستطيع أن نقول إنها تفقد قدرتها على التعامل السريع والجريء مع أزمات تصل حتى لقمة المواطن وحقوقه الدنيا في تأمين قوت يومه، وهو الحد الذي يلغي كل خيوط الثقة والتفاعل ما بين السوريين وجهاز دولتهم..
كل هذه التساؤلات تفتح على البحث في واقع المجتمع السوري ما قبل الأزمة السياسية والتصعيد الكبير، منطلقين من ظواهر ذات طابع اقتصادي ولكن ببعد اجتماعي يربطها مباشرة مع مظاهر الفوضى الحالية، وأهمها البطالة والمهمشون، خزانات الاحتقان الاجتماعي التي تعتبر عشوائيات المدن السورية وأحزمة فقرها تعبيراً ملموساً لها.. مقابل الفساد والمستغلين، ومظاهر الريع الاقتصادي التي تعبر عنها فورة أبراج الترف العقاري السياحي الخدمي مقابل التراجع الكبير لعناصر ثقل الاقتصاد السوري في الزراعة والصناعة والخدمات المرتبطة بها.. وكل ما ذكر له علاقة وثيقة بدور جهاز الدولة المتراجع وانحيازه الأعمى اقتصادياً لمحاباة «الأغنياء»..