النفط بيضة القبّان الكبرى..!  سورية تكرر 46% من نفطها الخام فقط.. والباقي يُصدّر «بتراب المصاري»

النفط بيضة القبّان الكبرى..! سورية تكرر 46% من نفطها الخام فقط.. والباقي يُصدّر «بتراب المصاري»

إيرادات النفط، بقيت زماناً طويلاً مغرداً حراً خارج حسابات الموازنة العامة للدولة لاعتبارات «سيادية»، لتبقى أسئلة كثيرة لا إجابة عنها في هذا المجال، وقلائل كانوا العالمين بحقيقة إيرادات النفط السوري، ودوره الفعلي في ميزان الإيرادات الإجمالي. أما اليوم، فقد دخل النفط إلى الحسابات القومية «بس من الجمل أذنه»، فكل الدول تنتج النفط، وتتعامل مع إيراداته بشفافية مطلوبة، إلا عندنا، كما لو أن النفط خط أحمر، والحديث عن إيراداته «أبغض الحلال»، وكأنه ملك من امتلكوا سره، بينما الدستور يؤكد أن مالكيه الحقيقيين هم جميع السوريين بملايينهم، فالنفط ثروة الشعب، فهل هناك من مبررات حقيقية واعتبارات وطنية تتطلب التعتيم على إيراداتنا من النفط؟! أم أن القضية معاكسة تماماً، وهي أن الاعتبارات الوطنية تستلزم الشفافية في الحديث عن إيراداته وكيفية صرفها بالشكل الذي يخدم التنمية الاقتصادية والقضية الوطنية معاً؟

نكرر 46% من نفطنا فقط

إنتاج سورية من النفط ليس بالقليل، وهذا بلغة الأرقام، يقدر بنحو 386 ألف برميل يومياً، أي ما يعادل 140.931 مليون برميل من النفط الخفيف والثقيل حسب إحصاءات عام 2010، حيث يتم تصدير 75.358 مليون برميل سنوياً، بينما تكرر مصافينا ما يقارب 65,5 مليون برميل، أي أن 54% من النفط السوري يتم تصديره بشكل خام، بينما لا نكرر سوى 46% من نفطنا الوطني فقط، وعلى هذا، فإن من حقنا التساؤل عن أسباب التجاهل لثروتنا النفطية الآيلة للنضوب، وعدم استغلالها بالشكل الأمثل كغيرنا من الدول المجاورة، فكيف يمكن تفهم تصدير النفط الخام «بتراب المصاري» بينما نستورد استجداءً مشتقاتنا النفطية من الخارج بالعملة الصعبة؟!

لنستغنِ عن الشركات العالمية!

الأهم من هذا كله، وأمام العقوبات الدائمة والمتجددة المفروضة على سورية منذ سنوات، نسأل: هل من المنطقي الإبقاء على رقبتنا بأيدي شركات نفطية عالمية تهددنا في كل أزمة بالمقاطعة وبالحصار على صادراتنا من المشتقات النفطية، بينما نملك الإمكانية التي تسمح لنا بالاستغناء عنها، أو في أحسن الأحوال، إبقائها طرفاً وحاجة هامشية وليس العكس؟!

فالدعوة لاستخراج وإنتاج وتكرير نفطنا الوطني بشركاتنا الوطنية فقط دون غيرها، ليس ضرباً من الخيال، وإنما هناك من المؤشرات ما يدعم هذا التوجه، فهل تساءل أحد من مسؤولينا عن أسباب تربع دول مثل كوريا الجنوبية وهولندا في مقدمة الدول العالمية بتكرير النفط؟! والمتمثل بامتلاكها أهم وأكبر المصافي على المستوى العالمي، مما وضعهما ضمن قائمة العشر الأكبر في العالم، على الرغم من أنهما من الدول غير المنتجة للنفط أساساً، بل تستوردان النفط الخام من دول أخرى؟!.

اتفاقيات حبيسة الأدراج

من جهة أخرى، وللتأكيد على أن هذا ليس محض رغباتنا وأمنياتنا فقط، وإنما هناك من الوقائع ما يدعم توجهنا هذا، نبين أنه في عام 2007، تقدمت كل من فنزويلا وإيران بخطة ودعم مادي لإنشاء مصفاة للنفط في سورية، وطرحت فكرة تزويدها بالنفط الخام أيضاً، إلا أن هذا المشروع لم يلقَ أذناً صاغية لدى القائمين على القطاع النفطي، وبقيت هذه الاتفاقية حبيسة الأدراج لأربع سنوات دون أي مبرر، فقضية تمويل المصفاة (4 مليار دولار) كما طرحت، وضعت في عهدة كل من فنزويلا وإيران، وبالتالي، فإن الأعباء المادية التي يمكن أن تتحملها سورية قليلة جداً، وهذا ما يضع علامات استفهام حول العراقيل والمعرقلين على أكثر من مستوى في وجه تنفيذ هذا المشروع الوطني الضروري الذي يخسرنا جزءاً غير قليل من ثروتنا الوطنية، والتي نرميها في أحضان أعداء لنا، ونحن قادرون على استغلالها لحاجتنا لها أولاً، ولضرورة استغلالها كمطلب وطني ثانياً!..

المصفاة الجديدة باتت حاجة وطنية

مطلب إنشاء مصفاة للنفط، ورفعه لمستوى الحاجة الوطنية الماسة لم يأت من فراغ، وإنما هناك من المؤشرات ما يفترض ذلك، فنحن نستورد المشتقات النفطية، والتي تكلف الخزينة ما يقارب 4 مليارات دولار سنوياً، وذلك حسب ادعاءات الحكومات المتعاقبة، وهي كلفة الدعم الاجتماعي لهذه المادة، وهي تعادل تكلفة إنشاء مصفاة للنفط، بينما وفي المقابل، نصدر نفطنا الخام، ونخسر جراء ذلك مليارات الدولارات، كجزء من الخسارة الكلية بفعل تصدير منتجاتنا الخام عموماً، وبالتالي فالخسارة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني مزدوجة، يعني خسارة عالمنشار «عالطالع نخسر وعالنازل نخسر»، فهل هناك من يبرر هذه الخسارة السنوية التي يمكن أن تكفي شر استجداء الاستثمارات الأجنبية إذا ما تم توفيرها وضخها في شرايين الاقتصاد الوطني؟.

32 مليون برميل للشركات الأجنبية

هواجس الخسارة اليومية في القطاع النفطي لا تتوقف عند حد، فقد ذكر تقرير حكومي اعتمد على بيانات المؤسسة العامة للنفط أن حصة الشركات الوطنية (السورية للنفط، السورية للغاز) من الإنتاج الإجمالي للنفط بلغت 53%، بينما كانت النسبة الباقية للشركات العالمية العاملة في حقول النفط السورية، وهذه الشركات تحصل بفعل استغلالها لنفطنا الوطني (استثماراً واستخراجاً) ما نسبته 47% من الإنتاج الإجمالي لها..

وإذا ما أردنا «تقريشها»، سنصل إلى أن هناك نحو 72,5 مليون برميل تنتجه شركاتنا الوطنية سنوياً، بينما تنتج شركات النفط العالمية العاملة 67,5 مليون برميل سنوياً، وهي تحصل بالتالي على ما يقارب 32 مليون برميل سنوياً من النفط السوري الخام، وإذا ما افترضنا أن سعر البرميل عالمياً نحو 50 دولار فقط، فإن ذلك يعني أن هذه الشركات تحصل سنوياً على 1,6 مليار دولار كحصيلة إجمالية لما تستخرجه من النفط السوري، وهي للمصادفة تعادل تقريباً المبلغ الذي يساهم فيه النفط في رفد الموازنة العامة للدولة، وهذه التكلفة الكلية يدفعها الاقتصاد الوطني لهذه الاحتكارات النفطية العالمية، وتذهب بدورها هدراً من قنواته إلى جيوب شركات النفط العملاقة..

موازنة خاصة للنفط

أمام هذا التعتيم على حقيقة إيراداتنا النفطية الحقيقية، بات ملحاً الآن أكثر من أي وقت مضى اعتماد موازنة خاصة للنفط، وذلك بهدف ضمان الشفافة في تبيان الإيرادات التي يحققها قطاع النفط، لأنه بالمحصلة هو ملكية الشعب التي يجب أن يعرف الجميع قدر مساهمتها الفعلية في الموازنة، وكيف يتم صرفها، لا أن تبقى كما هي الحالة الآن، وهذا التقسيم للموازنة العامة معمول بها في العديد من البلدان، فلقطاع النفط موازنته الخاصة، وكذلك للقطاع العام كذلك الأمر أيضاً، بهدف تحقيق أعلى شفافية ممكنة في حساب الإيرادات والنفقات عند إعداد وختام الموازنات العامة..

«شراكة في النهب»

بدأت سورية بإنتاج النفط في عام 1968 عبر الشركة السورية للنفط، وهي الشركة الوطنية الصافية الوحيدة، وقد تبعها تأسيس شركة الفرات للنفط في عام 1985، وهي شركة مشتركة بين الشركة السورية للنفط بنسبة 50%، وشركة شل بنسبة 33%، وبيروجومو القابضة بنسبة 17%، والتي يصل إنتاجها إلى نحو 187 ألف برميل يومياً..

شهد إنتاجنا تدنياً في مستوياته، من 600 ألف برميل في عقد التسعينيات من القرن الماضي إلى نحو 385 ألف برميل يومياً في عام 2011، وذلك على الرغم من الاكتشافات النفطية الكبيرة والجديدة التي شهدتها سورية في العامين الماضيين، إلا أن المصادر الرسمية تصر على التأكيد الدائم على تحول سورية إلى مستورد صاف للنفط خلال السنوات القليلة القادمة.

وبالانتقال إلى الاستثمارات الأجنبية، نجد أنها دخلت منذ زمن بعيد، فاستثمار الشركات النفطية في سورية ليس بالجديد، حيث بدأت عمليات  البحث عن النفط في البلاد للمرة الأولى في عام 1933 أثناء وجود الاحتلال الفرنسي، وتسارع وتيرته على يد شركة «توتال» الفرنسية في عام 1949، وكانت تنتج ما يقارب مائة ألف برميل،  كما قامت سورية بتجديد عقد قديم في عام 2008، مما منحها حق استخراج 27 ألف برميل يومياً مؤقتاً من حقول دير الزور على أن تتم زيادتها بعد ذلك..

كما باشرت شركة شل الأمريكية أعمال الاستكشاف في النفط السوري في عام 1949، ثم  جرى التخلي عن جهودها عدة مرات، ومن ثم إعادتها للإنتاج مجدداً، وهي تعتبر أكبر الشركات الاستثمارية النفطية الأجنبية في سورية، وفي عام 1983 انضمت شركة ديمينكس الألمانية (فيبا) للاستخراج النفط السوري..

كما حصلت «شركة غولف ساند» البريطانية على عقد لإنتاج 20 ألف برميل من النفط السوري الخام يومياً.

أما الشركات الأجنبية التي تعمل بصورة مباشرة في سورية فهي، شركة دبلن، وشركة بتر وكندا، وشركة IPR الأمريكية، وشركة تات نفت الروسية، وشركة ستراتيك انرجي الكندية، وشركة دوف إنرجي، وشركة H.B.S التونسية..

وللاستثمارات الأسيوية في النفط السوري نصيب، فشركة «الوطنية الصينية» تملك حصصاً في 40 حقلاً نفطياً، بينما تستحوذ شركة «النفط والغاز الطبيعي الهندية» على حصة في 36 حقلاً نفطياً سورياً..