والبطالة تتضاعف والفقر يتزايد
كثيرة هي الانتقادات التي وُجّهت للخطة الخمسية العاشرة (2006 – 2010)، حيث أجمع الاقتصاديون على أن هذه الخطة لم تستطع تحقيق أهدافها الكمية والنوعية، كعجزها عن تخفيض معدلات البطالة والفقر بالدرجة الأولى, إلا أن الأزمات التي يعيشها السوريون منذ عام ونصف تقريباً، تشير إلى انسحاب آثار الخطتين الخمسيتين التاسعة والعاشرة على تأزيم المشكلات الحالية، فالاقتصاد الرخو الذي وجد بفعل هذه السياسات الاقتصادية السابقة، هو ما ساهم في تأزيم وتعظيم آثار هذه الأزمات، التي لا ندعي عدم حصولها، لو أن السياسات السابقة خلال العقد الماضي سارت بالاتجاه الصحيح، ولكننا بالدرجة الأولى نعتقد جازمين أن آثارها ستكون أقل شدة على المواطن والاقتصاد الوطني دون شك..
مستوى أعلى من الأزمة
الأزمة الحالية انعكست على حياة السوريين بمستويين، ويتمثل المستوى الأول بجملة الأزمات التي يعانيها السوريون اليوم، من ارتفاع أسعار المواد الأساسية والكمالية على حدٍ سواء، وفقدان لمواد أخرى من الأسواق، وتراجع للقدرة الشرائية، وتسريح ما يتعدى 100 ألف من عمال القطاع الخاص المسجلين في التأمينات الاجتماعية خلال 16 شهراً الماضية، ولكن الغموض وشح الأرقام يكتنف الأرقام الحقيقية للعمالة المسرحة بشقيها المسجل وغير المسجل، فالصحافة تتحدث عن هذه الأزمات الناشئة كمفرد، دون الحديث عن ما يترتب عن هذه الأزمات من تراجع في مؤشرات التنمية الاجتماعية الأساسية، والتي تمثل مستوىً أعلى من الأزمة الاقتصادية الحالية..
رجوع للوراء قليلاً
في الوضع الاقتصادي الطبيعي، عجزت الخطة الخمسية العاشرة عن تحقيق أهدافها لوجود خلل في السياسات الاقتصادية التي لا تناسب الخصوصية السورية، حيث فشلت في تخفيض معدل البطالة إلى %8، ليستقر رسمياً عند %8.6 في عام 2010، ولم تنجح على الضفة الأخرى في تخفيض معدل الفقر من 11.4 إلى 7.5 %، بل تركت نسبة الفقر عند مستوى %12 رسمياً، فكيف سيكون حال هذين المؤشرين في ظل الواقع الحالي الذي يعاني فيه الاقتصاد الوطني من أزمات إذاً؟! وفي ظل تراجع القدرة الشرائية للسوريين، وتسريح جزء من العمالة لدى القطاع الخاص!..
تضاعف نسبة البطالة
في مؤشر البطالة، تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع معدل البطالة من %8.6 في عام 2010 إلى %14.9 في نهاية عام 2011، وهذا يعني ارتفاع معدل البطالة مقارنة بالعام السابق بنسبة %73 خلال عام واحد من الأزمة، ولكن الرقم غير للبطالة كان يقدره الاقتصاديون قبل الأزمة بنحو %20، وهذا يعني أن الرقم لا يقل عن %30 حالياً، وارتفاع نسبة البطالة بهذا الحجم، كان نتيجة مباشرة لرخاوة صيغة التشاركية بين القطاعين العام والخاص التي بنيت عليها السياسات الاقتصادية خلال عقد من التخطيط الاقتصادي، فالقطاع الخاص في المجتمعات المتطورة يلعب القطاع الخاص دوراً اقتصادياً واجتماعياً مرافقاً، بينما القطاع الخاص لدينا لم يكن يلعب دوره الاجتماعي في الأوقات الطبيعية، من خلال تجاهله التأمين على عماله، وفي الشهور الماضية، أظهر هذا القطاع تجاهلاً كاملاً لدوره الاجتماعي، بتسريحه جزء من عماله بدواعي الركود في البلاد، وخاصة في القطاع السياحي لكي يحافظ على أرباحه، أي أنه لم يكن عاجزاً عن استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل فقط، بل إنه سرّح جزءاً غير قليل من عمالته الفعلية...
%40 معدل الفقر
لم تكن معدلات الفقر أفضل حالاً من سابقاتها، حيث كشف تقرير رسمي صادر عن الاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية في نيسان 2012 عن ارتفاع نسبة الفقراء إلى 41 % من عدد السكان، وهذا هو الحال الطبيعي، لأن متوسط الأجر الشهري في عام 2010 كان بحدود 11300 ل.س، بينما بلغ متوسط الأجر الشهري 2011 نحو 13800 ل.س، أي أن متوسط نسبة الزيادة على الرواتب بلغت %22، وهذا بفضل الزيادة على رواتب العاملين في القطاع العام منتصف عام 2011، ولكن في المقابل خسرت الليرة %39 من قيمتها، وارتفعت الأسعار خلال عام من الازمة بنسبة %63، وهذا يعني أن زيادة تكاليف المعيشة، الناتجة عن تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار في المحصلة، هو أضعاف الزيادة الاسمية المفترضة على الرواتب، وهذا يعني منطقياً الزيادة الكبيرة في أعداد السوريين الذين تراجعوا إلى مستوى تحت خط الفقر أو إلى مستوى الفقر الأعلى..
الهجرة هي الحل
ظهرت منعكسات ونتائج هذين المؤشرين في ازدياد أرقام الباحثين عن فرصة السفر إلى خارج البلاد، ففي الماضي كانت تنعكس ظواهر الفقر والبطالة التي يعانيها السوريون في عدد من المحافظات والمناطق، بالهجرة من الريف إلى المدينة لتدني الارباح التي يمكن أن يحققها العمل في القطاع الزراعي بالدرجة الأساسية، إلا أن هذا النوع من الهجرة لم يعد يضمن الآن مستوى حياة أفضل، لذلك وجد السوريون أن الهجرة إلى خارج البلاد هي الحل الأفضل، ونسب المهاجرين تضاعفت حالياً بالتأكيد، على الرغم من عدم وجود أرقام رسمية عن أعداد المهاجرين منذ عام ونصف تقريباً، وهي الناتجة عن بعدين الأول ذو طابع أمني، نتيجة التوترات التي تعيشها المناطق والمدن السورية، والآخر اقتصادي، لتوقف أعمال القائمين على رأس عملهم، فكيف سيكون الحال بالنسبة للداخلين الجدد إلى سوق العمل..