تعرفه كهربائية عالمية تنتج بأسعارٍ وأجور محلية

تعرفه كهربائية عالمية تنتج بأسعارٍ وأجور محلية

القطاع المأزوم، هي الكلمة الأصدق تعبيراً عن واقع القطاع الكهربائي في سورية، لأن أزمته متكررة وشبه دورية، ومشكلاته مستمرة، والتبريرات حول سوء واقعه متشابهة دائماً على اختلاف المقطع الزمني الذي يحتضن التصريحات، وقد لا تكون المشكلة بإداراته المتعاقبة ونوايا القيمين عليه فقط، وإنما بالتخطيط الاستراتيجي له، وبالتمويل الفعلي المقدم العاجز عن حل معضلات القطاع الكهربائي في سورية، فالمسؤوليات متشعبة، والتكلفة كبيرة، والمواطن كما في باقي الأزمات، هو من يتحمل تبعية كل تلك الإخفاقات والمعضلات المتواترة.

 

أرقام التكلفة مجرد اجتهادات

أرقام التكلفة المعلنة للكيلو الواط الساعي في سورية لا تستند إلى دراسات دقيقة، بل هي مجرد اجتهادات فردية لا أكثر ولا أقل، لأن المسؤولين المعنيين في القطاع الكهربائي لم يحددوا حجم التكلفة الفعلية بصورة أقرب إلى الدقة والمنهجية، والتي تراوحت حسب تقديراتهم – على اختلاف تصريحاتهم الكثيرة والمتباينة- بين 5 -  10 ليرات سورية لكل ك.و.س، أي أن الدعم الذي تقدمه الحكومة وفق هذه التكلفة، يتراوح بين 2-7 ليرات سورية لكل كيلو واط ساعي واحد، وهذا فارق كبير بالتأكيد!.

لكن النظر لتفاصيل التعرفة الكهربائية المعتمدة في سورية، ومقارنتها مع دول أخرى، يبدد خديعة التكلفة المعلنة، والمستندة لأسعار بيع الكهرباء في أرقى الدول عالمياً، وليس بتكلفتها الحقيقية علينا! فمتوسط سعر ك.و.س للاستهلاك المنزلي يبلغ نحو 2,17 ل.س، ويصل متوسط سعر ك.و.س لاستخدامات التجار والحرفيين إلى 3,33 ليرة سورية، ويبلغ سعر ك.و.س للاستخدامات الزراعية 2,48 ليرة سورية، وبالنسبة لأغراض الصناعة والتجارة،‏‏‏ فإن متوسط سعر ك.و.س هو 2,82 ليرة سورية، هذا حسب تعرفة نظام الشرائح المعتمد حالياً في بلادنا.

وبالانتقال إلى مصر التي تعتمد نظام الشرائح الست، نجد أن متوسط سعر ك.و.س للاستهلاك المنزلي، يقدر بـنحو 23,83 قرش مصري لكل ك.و.س، أي ما يعادل 2,1 ل.س، ومتوسط التعرفة التجارية 40 قرشاً لكل ك.و.س، أي ما يعادل نحو 3,6 ل.س، وفى مجال الصناعة فإن متوسط أسعار بيع الطاقة فتحاسب بـ20.2 قرش لكل ك.و.س، أي ما يعادل نحو 1.8 ل.س.

إذاً، فالتعرفه الكهربائية في مصر بشكل عام، أقل من التعرفة المعتمدة لدينا، أو متقاربة معها في أحسن الأحوال، ولهذا عبرتان، الأولى، أننا لسنا وحدنا المدعومين حكومياً في كهربائنا، بل إن هناك دولاً تمتلك اقتصادات أفقر من اقتصادنا تدعم مواطنيها أيضاً وربما بصورة أكبر وأوسع رغم تبنيها الاقتصاد الحر قبلنا بعقود، لكن الأهم، هو ما كشفه د.حسن يونس، وزير الكهرباء والطاقة المصري في نهاية العام 2009 قائلاً: أسعار الكهرباء- لأغراض الاستهلاك المنزلي- في مصر مدعمة للشرائح الثلاث الأولى حتى 350 كيلو وات ساعة شهرياً (الشريحة الأولى: 1–50 ك.و.س بـ5 قروش، الشريحة الثانية: 51-200 ك. و. س بـ8,3 قرش، الشريحة الثالثة: 201-350 ك.و.س بـ11 قرشاً)، أي أن متوسط هذه التعرفة هو 8.1 قرش مصري لكل ك. و. س، ما يعادل 1,2 ليرة سورية، أي أن التكلفة الكفيلة بإنتاج ك.و.س هي بحدود 1.2 ليرة سورية، ومصر نتشابه معها في ضعف الرواتب، ورخص الأيدي العاملة، وتوفر المواد الأولية لإنتاج الطاقة الكهربائية (الغاز)، لذلك يبدو أن البعض -الحكومي- بات يبحث عن تعرفه كهربائية عالمية، تنتج بأسعارٍ وأجور ووقود محلي، بينما يريد حسابها وفق أسعار الوقود عالمياً.

 

الفاقد الكهربائي هو المشكلة

استلمت الخطة الخمسية العاشرة من زميلتها الخمسية التاسعة نسبة مرتفعة من الفاقد الكهربائي (الفني والتجاري)، تصل إلى 26%، ووعدت الخمسية العاشرة حينها بتخفيض هذا الفاقد بنسبة 1% سنوياً، والوصول به في نهاية الخطة إلى نحو 20%، فما الذي تحقق على هذا الصعيد خلال السنوات الخمس السابقة؟!، وهل انخفض الفاقد الكهربائي بالنسبة الموضوعة سابقاً؟!

إن نسبة الفاقد بقيت اليوم عند حدود 25%، وتتعدى نسبة الفاقد الفني 17%، أي أن الفاقد الكهربائي لم ينخفض إلا بنسبة 1%، على الرغم من كثرة ما يحكى عن الجهود الوزارية، والمعدات الجديدة التي استوردتها الوزارة لقياس الفاقد، وتخفيضه، وذلك مقارنة مع فاقد كهربائي لا يتجاوز 13% في الأردن بالعام 2009، وفق أرقام هيئة تنظيم قطاع الكهرباء الأردنية، وفاقد عالمي لا تتعدى نسبته 8%، كفاقد مسموح.

ولتوضيح مشكلة الفاقد وتأثيره الحقيقي على القطاع الكهربائي ككل، فإننا نقول إن سورية أنتجت نظرياً نحو 38.727 مليار ك.و.س في العام 2009، بينما كان مجموع الاستهلاك 28.803 مليار ك.و.س فقط، أي أن الفاقد الكهربائي بلغ ما يقارب 10 مليارات ك.و.س لعام 2009، وانطلاقا من متوسط أسعار بيع الكيلو واط الساعي للمستهلك السوري -لمختلف الاستخدامات- والمقدر بـ2.7 ل.س، نجد أن تكلفة الفاقد الكهربائي تصل لـ27 مليار ليرة سورية في العام 2009، أي أن كل 1% من الفاقد الكهربائي يكلف الدولة سنوياً أكثر من مليار ليرة.

فالفاقد الكهربائي، هو المعضلة الأساسية التي تواجه القطاع الكهربائي اليوم، بعد عجز الحكومة عن تخفيضه في السنوات السابقة، وليس الدعم المقدم لبعض الشرائح من المستهلكين بالتأكيد.

 

خلاصة

من كل ما سبق، وأمام استحقاقات المرحلة القادمة، وخاصة شهور الشتاء التي بدأت تطرق الأبواب، يمكن افتراض حدوث ما يلي:

- إن المعطيات تشير إلى استمرار الأزمة الكهربائية في سورية خلال السنوات القادمة، حيث تبيّن تقارير وزارة الكهرباء أن أرقام عجزنا الكهربائي تصل اليوم إلى 1000 ميغا واط ساعي، وهو مرشح للازدياد إلى 1400 ميغا واط في العام 2011، وإلى 1800 ميغا واط في العام 2012.

- العجز يمكن ردمه الآن، إذا ما خفضنا الفاقد الكهربائي بنسبة 9% فقط، أي إذا ما  أوصلنا الفاقد الإجمالي إلى 16%، وهذا استناداً إلى أن إجمالي التوليد الاسمي في سورية حسب مصادر وزارة الكهرباء، يبلغ نحو 7188 ميغا واط، بينما لا يتجاوز الاستهلاك في ساعات الذروة أكثر من 6500 ميغا واط.

- إن عدم حل أزمة الكهرباء اليوم ينذر بسنوات قادمة من الانقطاعات الكهربائية صيفاً وشتاءً، وفي أول اختبار مناخي أو غير مناخي!.

- إن حل أية مشكلة اليوم، هو أكثر جدوى وأقل تكلفة من محاولة حلها بعد عشر سنوات، أي أن تأجيل حل الأزمة الكهربائية اليوم سيؤدي لاستعصاء عملية الحل في المستقبل، وبالتالي سينتقل الخلل الحاصل اليوم في القطاع الكهربائي إلى أزمة بنيوية تستعصي على الحل في المستقبل القريب.

آخر تعديل على الإثنين, 07 نيسان/أبريل 2014 22:29