توسع المبادرة الشعبية حاسم لتوسيع الاستجابة الحكومية
نقاش رفع سعر المازوت، وعلاقته بإيرادات الحكومة، وتكاليف الدعم، وتأمين المادة وجميع جوانب هذه الأزمة تلتقي في مفصل وحيد ورئيسي أن حصة الفساد في هذا القطاع حصة ثابتة ولا تتغير ولم تتأثر إلا إيجاباً خلال الأزمة.
بينما بقيت جميع الحلول والأدوات تلتف حول هذا المفصل باعتباره أمراً واقعاً وتجاوزه من الصعوبة ما يضاهي كل النتائج المترتبة من انقطاع المادة وارتفاع سعرها لأضعاف مضاعفة وتأثير ذلك على أزمات التدفئة، النقل، سلسلة الأسعار المرتبطة، وإيرادات الدولة ..
كل المشاكل المترتبة عن أزمة المازوت لم تشكل حتى اليوم قوة ضغط كافية تدفع الفساد إلى التراجع، وتمكن الراغبين بمواجهته من مواجهته او حتى مواجهة أزلامه..
فمن هم الراغبون بمواجهته ومن هم القادرون..
الراغبون هم أصحاب المصالح المتضررة أي من حرموا من مازوت التدفئة، من توقفت أعمالهم، وكل من يدفع أتاوات الفساد لمحتكري المادة. أما القادرون فمن المفترض أن يتواجدوا في جهاز الدولة، المسؤول عن إنتاج واستيراد وتوزيع المادة، وصاحب المسؤولية في إيصال هذه المادة الحيوية إلى المواطنين أولاً، وحماية موارده من الهدر والنهب ثانياً.. وتبقى المواجهة بتكامل عمل الطرفين.
لا يغيب عن أحد أن « الفاعلية الشعبية « في مواجهة الفساد كانت معدومة مع انعدام كل أدواتها، من أكثرها تطوراً أي السياسية إلى أقلها أي المبادرات المحلية المتعلقة بأمور مطلبية، ولكن واقع الأزمة وشدتها والفراغ الذي تتركه الجهات المسؤولة يدفع اليوم السوريين إلى المبادرة والعمل، ليتحقق الشرط الضروري والأولي وهو الضغط الشعبي الذي يتحول لمبادرات من أصحاب المصلحة الحقيقية بضرب الفساد، وعمل القطاع بشكل منتظم.
ليبقى الشرط اللازم وهو استجابة من جهاز الدولة لتطبيق القانون..
لكن هل جهاز الدولة راغب أو قادر على التصدي لهذه المهمة. حتى اليوم وبالنتائج فإن جهاز الدولة غير قادر على السير بخطوات فعلية نحو موقف حاسم من هذه المشكلة، فهو قادر على محاسبة المخالفات الكبرى بشكل حاسم، وقادر على تغيير قنوات التوزيع وآلياته ومتعهديه، وكان قادراً قبل تناقص الكميات من إلغاء كل المسببات الموضوعية للتهريب بتغيير آليات الدعم ورفعه للسعر العالمي، وبالتالي حماية موارده وإيصال الدعم بشكل مباشر..
كل هذا لم يتم لتأتي الحكومة في لحظة الأزمة وتقوم بإجراءات تحت ذرائع متعددة، يطال تأثيرها موارد الدولة، والمواطنين والقطاعات، ولا يطال المحتكرين القادرين على تحصيل الفرق المدفوع للدولة برفع السعر الاحتكاري.. لتعمل الحكومة بمنطق الطرف الذي يحاول تحصيل موارد كيفما اتفق وبشكل عشوائي..
وهذا يدل على ما يراه الجميع بالممارسة العملية من ترابط وثيق بين مفاصل في جهاز الدولة، ومحتكري المادة ليلغي حتى اليوم رغبة وقدرة الحكومات المتتالية من المواجهة الجدية مع هؤلاء.
استجابة جهاز الدولة تتوسع مع توسع الضغط والمبادرة الشعبية وإيجاد حلفاء حقيقيين لها، وتظهر اليوم مؤشرات للسير بهذا الاتجاه حيث يتم من جهة خلق أدوات للمشاركة الشعبية بالتوزيع والضبط، ومن جهة أخرى تغيير في التشريعات المتعلقة بالمخالفات الاقتصادية..
إلا أن كلا المؤشرين على أهميتهما يعبران عن استجابة حكومية، ليبقى توسعها وانتقال التشريعات إلى التنفيذ والمصادرة وتحول ذلك لضربات حقيقية لقوى الفساد في القطاع يعتمد بشكل أساسي على توسع الضغط والمبادرة الشعبية وانتزاع الصلاحيات في إدارة ما تفشل الدولة في إدارته..