الدين وخدمته من وحي بعض التجارب.. الاقتراض الخارجي يرهق الاقتصاد، ويعرقل التنمية، ويؤدى للانهيار!

الدين وخدمته من وحي بعض التجارب.. الاقتراض الخارجي يرهق الاقتصاد، ويعرقل التنمية، ويؤدى للانهيار!

تعد الاستدانة من المشكلات التي قد تكبح النمو المستقبلي لأي اقتصاد في العالم، ولكن أخطرها وصول هذا الدين العام لدرجة تؤدي لانهيار الاقتصاد، وهناك نماذج وأمثلة مختلفة، فقد انهار الاقتصاد الأرجنتيني في العام 2000 على نسبة من الدين العام تصل لـ55% من الناتج الإجمالي، بينما انهار الاقتصاد اليوناني في العام 2010 على نسبة من الدين العام تصل إلى 105% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يبين أن النسب المؤدية للانهيار تختلف باختلاف قوة الاقتصاد المستدين.

لكن، وقبل الحديث عن انهيار الاقتصاد بفعل الاستدانة، كدرجة متقدمة، لا بد من تحديد المخاطر المباشرة للاقتراض التي تظهر بعد آجال زمنية قصيرة، كتسديد خدمة الدين العام التي تسلب الاقتصادات الوطنية جزءاً من إيراداتها، مما يؤدي لتخفيض الإنفاق العام، وتقليص الجانب الاستثماري في الموازنات العامة القادمة، فبدلاً من ذهاب هذه الأموال لخدمة عملية التنمية الاقتصادية، فإنها ستوضع بخدمة الدين العام داخلياً كان أم خارجياً، كما أنه من الضروري السؤال: كيف سيتم استخدام هذه الديون، بالاستثمار، أم بالتمويل الجاري؟! وخير مثال على ذلك لبنان الذي لم يستخدم سوى 12% من ديونه بالاستثمار، مما أوقعه بعجز لاحق في تسديد هذا الدين وأقساطه.

الاقتصاد السوري.. والدين العام:

يشكل الدين العام في سورية بحدود 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك حسب تأكيد وزير المالية د. محمد الحسين مؤخراً، بينما لا تتجاوز خدمة هذا الدين 2.5% من الناتج الإجمالي حالياً، أي أنه وباللغة النقدية، نجد أن الدين العام في سورية وصل إلى نحو 600 مليار ليرة سورية، وخدمته (أقساطه وفوائده) تصل إلى60 مليار ليرة سورية سنوياً، والسؤال: كم ستكون تكلفة خدمة هذا الدين إذا تضاعفت المديونية السورية في الخطة الخمسية القادمة.. كما يرغب البعض؟!..

الدين اللبناني

بلغ حجم الدين المعلن في لبنان نحو 48 مليار دولار حتى نيسان 2009، بينما لم يتعدَّ حجم الناتج القومي 27 مليار دولار، أي أن نسبة الدين العام وصلت إلى نحو 180% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة الفوائد منذ العام 1993 حتى نهاية العام 2008 نحو 40 مليار دولار.

وبحسب أرقام موازنة العام 2009، فإن خدمة الدين العام في لبنان ارتفعت لتصل إلى 6440 مليار ليرة (4،2 مليار دولار) أي ما يعادل 15،5% من حجم الناتج المحلي للبنان، مقابل 4650 ملياراً (3 مليار دولار) في موازنة 2008، أي أن خدمة الدين ارتفعت بما قيمته 1790 مليار ليرة (1،2 مليار دولار)، أي ما نسبته 38.49 المئة من حجم خدمة الدين.

وفي قراءة لمكوّنات الدين العام في لبنان، نجد أن لبنان أنفق بين 1992 و2008 نحو 102 مليار دولار، منها 32 ملياراً (37%) على الفوائد، 31 ملياراً (30%) على الرواتب والأجور، و21 ملياراً (21%) عل النفقات الاستهلاكية والتحويلات، فيما لم تتعدّ النفقات الاستثمارية 12 مليار دولار (12%).

الدين الأردني

أكدت بيانات وزارة المالية الأردنية أن الدين العام قفز من 8.551 مليار دينار (نحو 12 مليار دولار) نهاية 2008، ليصل إلى 9.660 مليار  دينار (13.6 مليار دولار) ما نسبته 54.2 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009، وأظهرت بيانات وزارة المالية - في نشرتها الشهرية - أن صافي الدين العام على الأردن حتى نهاية تموز الماضي، ارتفع بنسبة 7 % ليصل إلى 10.33 مليار دينار (14،5 مليار دولار)، أي ما نسبته 53.3 % من الناتج المحلي الإجمالي المعاد تقديره لعام 2010. 

من جانب آخر، توقعت مصادر دائرة الموازنة العامة الأردنية أن ترتفع المدفوعات النقدية لتغطية تكاليف خدمة الدين العام الداخلي والخارجي من الأقساط والفوائد المترتبة التسديد خلال العام الحالي 2010 إلى نحو 887 مليون دينار (1،25 مليار دولار)، أي ما يشكل ما يزيد عن 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبحسب البيانات ذاتها، اشتملت تكاليف عبء المديونية العامة في العام 2010 على ما قيمته نحو 470 مليون دينار (658 مليون دولار)، تمثل المدفوعات النقدية المقدرة لتغطية فوائد الاقتراض المحلي والخارجي، مقابل نحو 403 مليون دينار (564 مليون دولار) قيمة فوائد تم تسديدها خلال عام 2009، لترتفع فوائد الدين خلال عام واحد بنسبة 17% فقط.

 وبالتفصيل، تتوزع فوائد وأقساط المديونية (1،25 مليار دولار)، والتي تعد عبئاً على الموازنة العامة في الأردن على الشكل التالي: الفوائد المقدرة بـ470 مليون دينار (658 مليون دولار)، موزعة على 100 مليون دينار (140 مليون دولار) فوائد الاقتراض الخارجي، ونحو 370 مليون دينار (518 مليون دولار) فوائد الاقتراض المحلي، بالإضافة إلى نحو 337 مليون دينار (472 مليون دولار) أقساط القروض المحلية والخارجية الواجبة السداد خلال العام الحالي 2010، إلى جانب ما قيمته نحو 80 مليون دينار (112 مليون دولار) تمثل قيمة المبالغ المترتبة لإطفاء سندات الدين المترتبة على الخزينة العامة للبنك المركزي الأردني.

الدين المصري.. والسعودي

وبالانتقال إلى المديونية العامة، وتكلفتها (خدمة الدين) على الاقتصاد المصري، نجد أنه، استناداً إلى التقرير المركزي لجهاز المحاسبات في نهاية العام 2009 – الذي تم عرضه أمام مجلس الشعب - أن صافي رصيد الدين العام بلغ نحو 90.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وأشار التقرير إلى أن نسبة هذا الدين في العام 2008 كانت بحدود 74.2%، ووفقاً للتقرير الاقتصادي العربي، والرصد الصادر من صندوق النقد الدولي، فإن ربع موارد مصر يتم إنفاقها على أقساط وفوائد هذا الدين.

أما بالنسبة للسعودية، فتشير تقارير وزارة المالية ومؤسسة النقد إلى أن حجم الدين العام في السعودية وصل إلى 225 مليار ريال (58 مليار دولار)، وتحتاج السعودية بذلك لعشرين عاماً كي تقفل جدول ديونها إذا ما استمرت بهذه النسبة المئوية من تآكل الدين.