بما يخالف الدستور.. الإعفاء من ضريبة الأرباح تنازل حكومي لأصحاب الياقات الزرقاء
القرارات الحكومية الساعية لإرضاء التجار وكبار المكلفين لا تتوقف عند أي تنازل، حتى ولو خالفوا في سبيل ذلك الدستور، تحت مسميات ومبررات مفضوحة وغير ذات جدوى مع هذه الطبقة من ناهبي الاقتصاد الوطني، وأخر هذه التنازلات، إقرار الحكومة مشروع قانون إعفاء المكلفين من ضريبة دخل الأرباح الحقيقية،
وكذلك المكلفين بالضرائب والرسوم المالية المباشرة الأخرى، وإعفاء المكلفين في المنشآت السياحية ومكلفي ضريبة البيوع العقارية من جميع الفوائد والجزاءات والغرامات على اختلاف أنواعها، وإضافاتها العائدة لعام 2011 وما قبل إذا ما سددوا الضريبة أو الرسم حتى 31-12-2011، هذا الإقرار الذي أتى بعد إلغاء قرار تعليق الاستيراد تحت ضغط التجار الساعين لتمرير مصالحهم عبر الحكومة السابقة أو الحالية، فمصالحهم فوق مصلحة الوطن، والتجاوب الحكومي معهم في أحسن أحواله، حتى يخيل لبعض المتابعين أنها حكومة التجار ورجال الأعمال المدافعة عنهم عبر قراراتها وإجراءاتها، وليست حكومة لكل السوريين!..
القرار الحكومي الحالي القاضي بالإعفاء من ضريبة الأرباح يخالف الدستور السوري المعمول به اليوم، فلا يحق لرئيس الحكومة إعفاء المكلفين من ضريبة دخل الأرباح من الغرامات المترتبة عليهم، وإذا أعفاهم رئيس الجمهورية بمرسوم لابد من مصادقة مجلس الشعب عليه، وإذا ما أقرته الحكومة ستخالف في إقرارها وقرارها المتخذ الدستور، هذا من جهة..
ومن جهة أخرى، فإننا لا نجد من حكومتنا إلا تغذية في اتجاه واحد، وهو سعيها الدائم لتقديم الإعفاءات على مختلف الاتجاهات للتجار والمكلفين الكبار، فتخلف المكلفين عن سداد رسومهم يخالف القانون أولاً، وبالتالي يجب أن يعاملوا من الحكومة على قياس مخالفتهم تلك، لا أن يتم إعفاؤهم وتقديم التنازلات واحدة تلو الأخرى لهم، وذلك أملاً في استجابتهم المحدودة التي يعرفها، ولا أمل بسواها حتى أشد المتفائلين على المستوى الحكومي..
هؤلاء المكلفون يخالفون المادة 41 التي تنص على أن «أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقا للقانون»، فلماذا التنازل الحكومي للتجار وكبار المكلفين عن أداء واجباتهم التي كفلها الدستور بدلاً من إلزامهم؟! وهل من حقهم كحكومة التراجع عن مكتسبات هي من حق كل السوريين؟!.
إذا ما اعتبر البعض أن هذه الإعفاءات ستشجعهم على السداد، سنقول لهم، إنهم حالمون، فالإعفاءات السابقة، والجناح الخاص بكبار المكلفين في وزارة المالية، فشل في إقناعهم بسداد رسومهم ومستحقاتهم الضريبية، وكذلك عجز تخفيض الرسوم على الأرباح من 66% كما كان في السابق إلى ما يتراوح بيّن 14 – 28% على اختلاف نوع الشركات في إقناعهم بسداد التزاماتهم للخزينة العامة، وهذا يعني أن المشكلة مع هذه الطبقة من الناهبين تتعدى كونها سلوكاً مخالفاً يمكن تبريره بمسوغات مهما كان نوعها، بل القضية ترتقي لمرتبة الثقافة الجمعية التي يمارسها كبار المكلفين، والمتمثلة بتهربهم الضريبي المتستر بحجج لا يمكن تقبلها، وهذه تحتاج لثقافة معارضة لها في الاتجاه ومعادلة لها في القوة تستطيع إجبارهم على أداء التزاماتهم..
كل هذه الإعفاءات لم تأت بثمارها على الحصيلة الضريبية الإجمالية المدفوعة من التجار، فنحن على قناعة بأنهم لن يدفعوا حتى لو باتت ضريبتهم صفراً، بل إنهم عندها سيطالبون بدعمهم من الحكومة على اعتبارهم «معتّرين»، وهم بأمسّ الحاجة لدعمها..
الإعفاءات من الضريبة على الأرباح تخالف مبادئ العدالة الضريبية المفتقدة أساساً في بلدنا، والتي يفضحها رقم التهرب الضريبي المقدر في عام 02010 حسب المصادر الرسمية بـ 200 مليار ليرة، هذه العدالة التي كفلتها المادة 19 من الدستور، والتي تنص على ضرورة «فرض الضرائب على أسس عادلة وتصاعدية تحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية»، وبالتالي فإن هذه الإعفاءات ستساهم في تعزيز فجوة عدم العدالة في سداد الضرائب على المستوى الكلي، وستؤدي لتمركز ثروات غير مشروعة بيّن أيدي قلة من كبار المتهربين على امتداد السنوات، إن لم نقل إنها ساهمت في تكوين ثروات كهذه في الماضي القريب..