د. غسان إبراهيم لقاسيون: الاقتصاد السوري لا يعاني من نقص الموارد.. وإنما من سوء استخدامها
النموذج الاقتصادي المطلوب، مثّل محور الصفحة الاقتصادية لأعداد سابقة، لما يمثله هذا النموذج المأمول من بديل للنموذج الاقتصادي المتبع حالياً، وهو الذي أثبت فشله تخطيطاً وتنفيذاً على حدٍ سواء، وقد أكد ذلك مؤخراً وزير المالية د. محمد الحسين عندما اعتبر أن الانجراف الكبير في تحقيق بعض النسب والمؤشرات التي وضعتها الخطة الخمسية العاشرة يعود لعدم الدقة في التخطيط، وعدم دراسة البيانات التي بنيت عليها الخطة الحالية، بالإضافة إلى عدم الحديث عن محور الموارد الضرورية اللازمة لتطوير الاقتصاد السوري، وأين يمكن إيجادها؟!
في محاولة الاستفسار عن ذلك التقينا د. غسان إبراهيم أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وطرحنا عليه هذا السؤال، فأجاب بما يلي:
د. غسان إبراهيم: يجب تصنيع الموارد الطبيعية
يقول د. غسان:
«تتمثل الموارد الوطنية لأي اقتصاد، وضمناً الاقتصاد السوري بـ: الموارد الطبيعية، والموارد المالية، والموارد البشرية، ولا يعاني الاقتصاد السوري من نقص في أي من تلك الموارد، وإنما، ربما يعاني من سوء استخدام هذه الموارد، لذلك تغدو المسالة الأساسية بالنسبة إلى تطوير الاقتصاد الوطني، ممثلة بالجانب الكيفي أو النوعي، أكثر منها بالجانب الكمي أو المادي، فالموارد بحد ذاتها لا تمثل ثروة اقتصادية متنامية، وإنما كيفية استثمارها لتحويلها إلى مصدر دائم لثروة متجددة، فالموارد الطبيعية الزراعية، والخام، والمعدنية، والاستخراجية، وغيرها من الموارد تتطلب تكامل السلسلة الإنتاجية محلياً عبر استكمال سلسلة القيمة المضافة، أي بدءاً من معالجة المادة الأولية، وانتهاء بتحويلها إلى سلعة جاهزة مصنعة، وذلك يستدعي تغيير الذهنية الاقتصادية الريعية قبل إقامة السلاسل الإنتاجية المتكاملة، إذ إن الإيمان بفاعلية الاقتصاد الإنتاجي والحقيقي يسبق الإنفاق الإنمائي بفاعلية الاقتصاد الإنتاجي والحقيقي، وكذلك يسبق الإنفاق الإنمائي أو الإنتاجي مهما بلغ حجم هذا الإنفاق أو الاستثمار.
من جهة أخرى، كفّت الموارد الطبيعية، منذ زمن بعيد، عن كونها مصدر غنى أو ثروة، وأسعارها في السوق الخارجية لا يمكن مقارنتها موضوعياً، مع أسعار السلع الصناعية المتزايدة باستمرار، وهذا يتطلب بشكل ملح وسريع، ضرورة التصنيع المتكامل لكل الموارد الطبيعية، أو على الأقل، تبعاً لدرجة أهميتها بالنسبة إلى الاقتصاد، والتنمية الاجتماعية.
بالمقابل، قد يؤخذ على مسألة تصنيع الموارد الطبيعية بأنها مرتبطة، موضوعياً وعملياً، بالموردين الآخرين، المالي والبشري، وبالتالي تصعب عملية الاستثمار المتكامل لتلك الموارد. ذلك يقود للحديث عن الموارد المالية أولاً، وهنا، يطرح السؤال المركزي نفسه، لماذا خفّضت الحكومة الإنفاق الاستثماري الإنمائي مقابل زيادة الإنفاق الجاري؟! ولماذا تتمحور برامج تحديث الصناعة السورية، المقترحة من منظمات دولية، حول الصناعات القائمة، وفي أحسن الأحوال إقامة بعض الصناعات الحديثة كالالكترونيات، وبغض النظر عن العناقيد الصناعية وصناعات السلاسل الإنتاجية المتكاملة؟!.
إذا كان هناك نقص في الموارد المالية، فهذا يمكن تلافيه عن طريق جذب استثمارات المغتربين السوريين أو الاستثمارات العربية، أو بتفضيل العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول الصديقة، كإيران أو تركيا، هنا، المسألة المركزية تتعلق بكيفية تحسين المناخ الاستثماري بعوامله غير الاقتصادية، في المقام الأول.
مكامن تطوير الاقتصاد نابعة من داخله
أما بخصوص الموارد البشرية، فلا يعاني الاقتصادي السوري من نقص في قوة العمل المؤهلة، بل من نقص في قوة العمل المستخدمة، إذ أن بنية قوة العمل المستخدمة لا تعبر إطلاقاً عن مخرجات العملية التعليمية، إذا كان نحو /85%/ من قوة العمل المستخدمة تحمل شهادة البكالوريا فما دون، مقارنة بعشرات وربما مئات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة خارج العمل، فهذه مسألة تحسب على الفعاليات الاقتصادية، الحكومية والخاصة، وليس على قوة العمل المؤهلة بحد ذاتها.
بشكل آخر، ليس هناك من عدم توافق بين مخرجات نظام التعليم واحتياجات سوق العمل، بل العكس، فسوق العمل في سورية تعتبر مشوهة أو منحازة لقوة العمل الرخيصة، وغير مؤهلة لأسباب متعددة.
يستخلص مما تقدم أن مكامن تطوير الاقتصاد السوري نابعة من داخله، لحسن الحظ وليس من خارجه، ولكن ذلك على أهميته، لا يكفي، ومسألة التطوير تقبع في مكانٍ آخر، فالتطوير الاقتصادي قبل أن يتجسد في استثمارات مادية أو في عمليات تأهيل وتدريب، يجب أولاً، وبشكل بديهي، أن يُعتمد كقناعات، ورؤى وتطورات، أي كعقلية جديدة لإعادة تشكيل الاقتصاد الوطني بما يحقق نقلة نوعية أو انعطافة جذرية للأمام.
بمعنى آخر، يشترط التطوير الاقتصادي عقلية متطورة ومسكونة بتغيير الذهنية الاجتماعية القائمة أو السائدة، وإصلاح القديم لا يتحقق بأدوات القديم نفسه، بل بأدوات جديدة تتمثل بالضبط برجالات إصلاح عظام.