ثقوب في «بالون الاختبار» الحكومي..!

ثقوب في «بالون الاختبار» الحكومي..!

«سُرّب» مشروع مقترح مقدم من هيئة التخطيط إلى الحكومة، في واحدة من تكتيكات «جس النبض» المتعارف عليها مع كل اقتراب حكومي من «خطوط الدعم الحمراء»..

رفع الدعم هو حجر الأساسي في المشروع الليبرالي السابق لما قبل الأزمة، وهو نهج فريق عمل متكامل كان يعمل بانسجام لتحويل دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي في سورية إلى دور أقل تأثيراً، ومفصلية في سياق «تركيبة» المؤسسات الاقتصادية الدولية التي توصي بداية «بتخفيف الإنفاق الحكومي» و«عدم تشويه السوق» أي رفع الدعم..

يقول عراب الليبرالية النائب الاقتصادي السابق عبد الله الدردري «متشفياً» :

»عملياً خسرت سورية مواصفات كانت تمتلكها، فكان لديها أقل مديونية بالعالم لكن هذه الأمور انتهت، وعجز الموازنة 1،7 % سيقفز الى 16% أما العملات الأجنبية فانتهت أو ذهب ثلاثة أرباعها، كيف سنقوم بالإعمار إن لم نستدن؟! في النهاية فإن الكثيرين يخافون من شروط البنك الدولي لكن الواقع يقول إننا لانستطيع الإعمار دون قروض«.

ترى هل خسرت سورية هذه الميزات الاقتصادية إلى المستوى الذي يجبرها على تطبيق السياسات الاقتصادية الدولية التي تستهدف جهاز الدولة، وما الذرائع التي تلتقي بها جهات حكومية تسعى جاهدة لرفع الدعم مع سياسات المؤسسات الاقتصادية الدولية، ومع نهج الدردري.. سنحاول أن نوفر على الحكومة وعلى أصحاب مقترح رفع الدعم عناء «جس النبض» واضعين تساؤلات ومواقف الأطراف المتعددة..

المواطن السوري

لا بد أن القلق الشديد والغضب هو ردة الفعل الأولى لدى أغلب السوريين عند تداول خبر ومعلومة أن الحكومة تستهدف ما تبقى من دعم يقدم للمواطنين، فأسطوانة الغاز وليتر المازوت والبنزين وأسعار الكهرباء وكميات السكر والرز المقدمة بسعر مخفض استمرت سنداً للسوريين الذين قدموا الكثير من «التنازلات والساعات» في انتظار الحصول عليها.. ويحاول آخرون أن يقدروا ما السعر الذي قد تصل إليه هذه المواد الأساسية  وهم قد خبروا ارتفاع أسعار السوق السوداء بما يزيد عن 300 % للغاز، 100% لليتر للمازوت، 300 % للسكر بين السعر الرسمي وفق الكوبونات،والسعر الخاص المستورد، على الرغم من وجود جزء هام مسعر بسعر الحكومة.. فإلى أين ستصل الأسعار؟ وعن أي الأساسيات ستتخلى أسرهم بعد الرفع الجديد..!!

بينما بعض السوريين يتساءل تساؤلاً مشروعاً، تتخلى الدولة عن دعم جزئي لعدة مواد في الوقت الذي تسوى بيوتنا بالأرض ونفقد أعمالنا ومصادر رزقنا، ونحتاج إلى الإغاثة الكاملة.. فما دلالة ذلك؟ أما آخرون فيستاءلون إن وصل الخبر مسامعهم: وهل كانت الدولة تقدم دعماً؟؟

المستفيدون الكبار من الدعم

ماذا عن أصحاب الفائدة الكبرى من الدعم المقدم، أي مافيات نهب الدعم المنظمة وتحديداً مافيات تهريب المازوت قبل الأزمة، ومافيات احتكاره وبيعه بأسعار عالية بعدها، حيث قدر على سبيل المثال لا الحصر حصة ناهبي المازوت في محافظة ريف دمشق فقط، وخلال ستة أيام فقط من عمر الأزمة بمقدار 90 مليون ل.س، وقدر الريع الذي حصل عليه سماسرة أسطوانات الغاز المنهوبة والمحتكرة بمقدار30 مليار خلال عام.

أمام هذه العينة من الأرقام وهذه الحصة الهامة، لا بد من التساؤل  ما المشروع البديل لهؤلاء، وأي مكسب سيتحقق من رفع الدعم لمن هم في مستوى أعلى على سلم الفساد..

أكاديميون وذرائع نظرية

الـ «بروباغندا» الحكومية لطرح رفع الدعم تترافق مع وضع ذرائع تتعلق بالدرحة الأولى بتراجع الموارد الحكومية وضرورة تخفيف عجز الموازنة لتخفيف التضخم وبالتالي حماية الليرة السورية من التدهور، مرفقين هذه الذرائع بمحاولات «ترقيعية» تعتمد على توزيع جزء من الدعم نقداً، وهو ما يتناقض مع الذريعة الأولى أي كبح جماح التضخم، حيث أن تحويل الدعم من عيني إلى نقدي خطوة إلى الوراء تؤدي إلى زيادة النقد وتراجع الإنتاج، وتخلص الأسواق من عبء نسبي لسعر الأساس المنخفض الذي يمثله الدعم، والذي يشكل قاعدة منافسة نسبية لا تسمح بالكثير من التجاوزات. أي أن رفع الدعم في ظروف تراجع وتوقف الإنتاج لن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة وهي رفع التضخم بشكل حتمي، وتراجع القوة الشرائية وتآكل كل التعويضات المقدمة.

إذاً لمن..؟

إذا كان رفع الدعم لا يحقق فائدة للمواطن، أو لموارد الدولة، أو للاقتصاد الكلي بتخفيف التضخم، ويتناقض حتى مع فئة هامة من الفساد المستفيد من تواجد الدعم والأزمة معاً.. فلماذا الرفع؟؟ .. لن يبقى سوى هدف وحيد يتسق مع هدف المؤسسات الدولية وهو إزالة الدور الاقتصادي – الاجتماعي الأخير المتبقي لجهاز الدولة، وإزالته في اللحظة الحاسمة التي تحقق مستوى نوعياً من التوتر السياسي الناتج عن تراكم الاحتقان الاقتصادي الاجتماعي الناتج بعد الأزمة..

فمن يرفع الدعم إذاً.. هو من يرفع شعار إسقاط جهاز الدولة، ويقدم خدمة كبرى لكل محاصري الشعب السوري اقتصادياً واجتماعياً.. فحذار.