بعدعرقلة مقابلته..ميالة يطالب بالشعور الوطني «لحماية الليرة السورية»
كيف نواجه التضخم ونحافظ على قيمة الليرة السورية، في مواجهة السياسات النقدية المتبعة من المعنيين في هذا الشأن وعلى رأسهم مصرف سورية المركزي، التي تصب في اتجاه آخر، على الرغم من محاولة العديد من وسائل الإعلام والاقتصاديين لإيضاح الآليات والأسس التي يعتمدها المصرف لحماية العملة الوطنية، لما لها من أثر مباشر ومتبادل على النشاط الاقتصادي وأسعار السلع وبالتالي المستوى المعيشي للمواطن السوري..
التواصل مع حاكم المصرف المركزي أديب ميالة يعترضه الكثير من العقبات البيرقرواطية، هذه العقبات تتلاشى أمام الإعلام الذي يومئ برأسه موافقاً مع الحاكم وتصريحاته، وهو ما كان جلياً في آخر ظهور تلفزيوني له، كان من المفترض أن يقدم خلاله إجابات علمية ودقيقة عن وضع الليرة السورية وسياسات المصرف في ظل الأزمة الراهنة...
احتياطي النقد « سر» حمايةً من التشويش
حاكم المصرف استهل حديثه «بممارسات وسائل الإعلام الخارجية من تضخيم وتهويل لحجم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سورية»، موضحاً أن «المصرف لا يدخل في صنع السياسات وعمله محصور في قطاع المال»، منتقلاً إلى مديح نفسه وزملائه على ما أنجزوه من إجراءات إسعافية رغم الحصار والعقوبات وصعوبة إيجاد البدائل»، وفي الوقت نفسه يكشف عن «وجود احتياطي منفصل عن الاحتياطي الرسمي، مخصص لمواجهة تذبذبات سعر الصرف»، ومؤكداً أن «قيمة الاحتياطي الرسمي مماثل لقيمته في عام 2005 عند استلامه منصب الحاكم دون الكشف عنه لحمايته من «التشويش».
أي أنه ورغم وجود احتياطي لمواجهة التذبذب في سعر الصرف، وصل الهبوط في قيمة الليرة السورية حسب التصريحات الرسمية إلى 39% من قيمتها.
أما شركات الصرافة والدور الذي لعبته في الفترة الأخيرة سواء كان إيجابياً أم سلبياً، فقد لقيت محاولة الحديث عنها صدىً من الحاكم بعبارة « أتمنى أن نكون منصفين بأحكامنا ولا نتكلم دون دليل».
إلا أن الدليل الذي طالب به الدكتور ميالة كان حاضراً لفترة طويلة لدى العديد من المواطنين الذين خسروا الكثير جراء عدم توفير الدولار من المصرف المركزي أو المصارف الأخرى، ما أنعش «السوق السوداء»،
والدليل يكمن في الأرباح الكبيرة التي حصلت عليها هذه الشركات جراء فرق السعر، وكونها بوابة العبور الرئيسية للسوق السوداء، قبل أن يتدخل المركزي ويلجم هذه العملية، متباهياً بالتثبيت النسبي للسعر، متجاهلاً التدهور الكبير في قيمة الليرة الحقيقية.
طباعة العملة «حق» للمركزي !
وحول موضوع طباعة العملة في روسيا وما أحدثته من جدل، بدت المتابعة الدقيقة من الحاكم شخصياً لما ينشر في وسائل الإعلام المحلية والعالمية على حد سواء، فكان دليله على «فبركات الإعلام»، وثائق مراسلات الرد على الشائعات لتوضيح سبب طباعة العملة «بتبديل العملة المهترئة» وتساؤل طرحه على من يقول بوجود عملة جديدة «هل قمنا بتجريب العملة في مناطق معينة عند طباعتها؟»، دون التطرق إلى أي توضيح عن حجم العملة المطبوعة، وأثرها على الكتلة النقدية المتداولة وقيمتها، وأثرها بالتالي على التضخم، أو ذكر المعادلة المتبعة في ضخ العملة وعلاقتها بالكتلة السلعية...
ومن المعلوم أن الكتلة النقدية تعتبر من أهم العوامل المؤثرة على مستوى النشاط الاقتصادي في بلد ما، حيث إن الإفراط في إصدار النقد دون وجود مقابل مادي له من السلع و الخدمات سوف يؤدي إلى مشكلة التضخم إضافة إلى انخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية، مقارنة بالعملات الأخرى.
ظهور حاكم مصرف سورية المركزي الأخير لم يكن خالياً من دعائم تمثلت بمداخلات من اقتصاديين ومدراء وصحفيين، أقروا بحكمة الإجراءات وحق المصرف بطباعة عملة جديدة متى شعر بضرورة ذلك! ، كل ذلك والجميع يعلم مدى ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة الذي يقدر بـ63%.
لكن مراجعة تصريحات الحاكم ومدير المصرف العقاري عابد فضلية تظهر نوعاً من التناقض، فقد قال حاكم المصرف المركزي لوسائل الإعلام إن «استبدال الأوراق النقدية التالفة والمهترئة ليس له أي أثر على التضخم أو على غلاء المعيشة»، في الوقت الذي قال فيه مدير المصرف العقاري لوسائل إعلام محلية إنه «لو تم طرح كميات من البنكنوت السوري أكثر مما هو تالف فذلك مبرر اقتصادياً بسبب التضخم، لأن قيمة السلع والخدمات بالليرة السورية أصبحت في الاقتصاد أكثر بنحو 20 بالمئة مما كانت عليه قبل عام أو عامين، أي إننا نحتاج دوماً إلى زيادة البنكنوت السوري بنفس النسبة لتغطية السلع والخدمات نفسها في السوق».
وتؤدي زيادة حجم الكتلة النقدية في السوق، إذا كانت السلع والخدمات محدودة في كمياتها إلى ارتفاع الأسعار.
سعر الصرف «مناسب»
الدكتور أديب ميالة اعترف أن «الأزمات تفرض الحلول الإسعافية والقرارات الاستثنائية، التي تسوي وتصحح عند عودة الاستقرار»، ومضيفاً مرة أخرى أن «الوضع النقدي في سورية ليس سيئاً ولا يزال الاقتصاد صامداً، كما أن سعر صرف الدولار في ظل الظروف الحالية مناسب».
وفيما يخص الحلول لحماية الليرة السورية في المستقبل، يؤكد ميالة، بعيداً عن أية طروحات اقتصادية علمية، أن «الشعور بالانتماء والإيمان بقوة الليرة السورية هو أكثر ما نحتاجه لصمود الليرة» واصفاً «سعر الصرف بمرآة الاقتصاد الوطني، الذي لا يتخذ بقرار إلا من خلال المصرف المركزي بتثبيت السعر ودعمه بضخ القطع أو بسحبه من السوق».
ومن المتعارف عليه أن المصرف المركزي يمارس الرقابة على تطور الكتلة النقدية ومناسبتها للنشاط الاقتصادي، عن طريق أدوات السياسة النقدية التي تتضمن إجراءات خاصة بحالات التضخم وأخرى بحالات الانكماش.
المراهنة ضد العملة «خسارة»
الدكتور أديب اعتبر «المصدرين أكبر المستفيدين جراء تراجع سعر الصرف لما أدى إليه من زيادة الصادرات، وما له من أثر لمسناه بتدفق للقطع الأجنبي إلى السوق السورية مؤخراً، ومن ثم مساهمته في استقرار سعر الصرف»، داعياً إلى «عدم إبدال الليرة السورية بالذهب أو العقارات أو القطع الأجنبي والثقة بها وباقتصادنا المتنوع»، منوهاً إلى أن «من يراهن ضد العملة السورية هو الخاسر».
إلا أن نمو الناتج المحلي لوزارة الاقتصاد كحد أدنى، لا يبدو مشابهاً لحالة الاقتصاد التي وصفها الدكتور ميالة، فقد أظهر تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والتجارة (في الحكومة السابقة) أن الناتج المحلي للوزارة والجهات التابعة لها في العام الحالي حقق عجزاً بحوالي 10 مليارات ليرة، أي أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ حوالي 3 مليارات ليرة (بانخفاض عن العام السابق بمقدار 3 مليارات ليرة)..