بين التصدير واللا تصدير  سقوط جديد للحكومة بمحدودية الرؤية .. والاقتصاد والمواطن الخاسران دائماً

بين التصدير واللا تصدير سقوط جديد للحكومة بمحدودية الرؤية .. والاقتصاد والمواطن الخاسران دائماً

 يلحظ المتابع لأداء الحكومة السورية على مدى الشهور السبعة السابقة تخبطها الدائم، والذي يعكس على ما يبدو ضبابية الرؤية لديها، وغياب التخطيط الممنهج، ولا يصعب التدليل على تلك الضبابية، فجملة القرارات التي تم التراجع عنها بعد مدد زمنية قصيرة من اتخاذها خير شاهد، والتي يبررها البعض بالمرونة المطلوبة، أو بمقولة أن التراجع عن الخطأ فضيلة، والتي برأينا لا تعفي ببريقها وأهمية وجودها من المسؤولية مطلقاً تجاه سلبيات تلك القرارات على السوريين أو على الاقتصاد على حدٍ سواء، فبعد أن تقع  «الفأس بالرأس» ويتضرر الاقتصاد والمواطن معاً، ماذا ستنفع المرونة عندها؟!

إجراء متأخر

بعد إجماع اللجنة الفنية على ضرورة وقف التصدير حالياً، قررت الحكومة وقف تصدير ذكور الأغنام والماعز بعد شهرين من السماح بها بمطلع شهر تشرين الأول من عام 2011، ولكن هذا الإجراء الحكومي المتأخر، أتى بعد وصول الكميات المصدرة من الأغنام إلى500  ألف رأس!؟ والتي تعادل %50 من إجمالي الكميات المُصدّرة في الأعوام السابقة؟!أي أن مصدرينا وصلوا إلى رقم قياسي في أقصر الآجال الزمنية على قاعدة «أضرب واهرب» فهل من المنطقي تكليف وزارة الاقتصاد تحديد إمكانية تصدير الأغنام من عدمه؟! أم أن المنطق يفترض إيكاله إلى وزارة الزراعة المعني الأساس بالأمر، بالتنسيق مع الاتحاد العام للفلاحين!. والذي يجب أن يتم بناءً على إحصائيات واقعية للثروة الحيوانية، وعلىأولوية الحفاظ على قطيع الأغنام والماعز السوري، واعتبار الاكتفاء الذاتي، وتأمين حاجة السوق أولوية قبل سواها.

 «الاحتياط واجب»

لم يأت قرار السماح بتصدير نصف مليون رأس من ذكور الأغنام من صياغة الحكومة فقط، بل أتى استجابة لمقترحات 300 مصدر ومنتج حلبي، أوصوا السماح لهم بتصدير مليون رأس من الأغنام، و300 ألف رأس من جدايا الماعز الجبلي سنوياً، على أن يتم بعدها تخفيض أسعار هذه اللحوم والوصول بها إلى 250 ليرة لكل كغ واحد، ولكن السؤالالمطروح، هل تحققت هذه الوصفة كما حددها المصدرون في كتابهم لوزارة الاقتصاد والتجارة؟! أي هل تراجعت أسعار لحوم العواس في السوق المحلية؟! وهل كانت هذه الوصفة واقعية بالأساس؟!

منذ البداية لم نستطع تفهم القاعدة التي بنى عليها المنتجون والمصدرون الحلبيون مقترحاتهم التي تفترض تخفيض الأسعار إذا ما صدرنا الأغنام، فأبسط قوانين الاقتصاد الكلي، هو قانون العرض والطلب، والذي يلعب الدور الأساس بتحديد الأسعار في ظل الانفتاح الاقتصادي، وبالتالي، فإن استمرار الطلب على مادة الأغنام على حاله في السوق المحلية، إن لمنقل زيادته، مقابل التراجع المفترض في العرض، مع تنشيط قانون السماح بالتصدير، جعل السوق فعلاً أمام تراجع في العرض، وأدى لارتفاع أسعار لحوم العواس في السوق المحلية بما يقارب %70، غير منكرين في الوقت عينه، أن جزءاً من هذا الارتفاع كان بتأثير العامل النفسي، والذي يستغله التجار والمحتكرون لرفع الأسعار دون الأخذ بعين الاعتباردور قانون العرض والطلب، ولكن القرار هو ما ساهم بالمحصلة في رفع الأسعار، ولولاه لما ارتفعت أسعار اللحوم بهذا الشكل المخيف، وهذا ما كان يجب على الحكومة أخذه بعين الاعتبار، ووضعه في حساباتها، فـ«الاحتياط واجب»، ولكن هذا ما لم تفكر في فعله مطلقاً.. وألم يكن من المفترض على الحكومة دراسة انعكاس أي قرار على السوريين سلباً أمإيجاباً قبل اتخاذه؟! فدراسة الجدوى من أي قرار هي في صلب عمل وزارة الاقتصاد التي تبنى قراراتها على أرقام وحسابات سابقة لا على مشاعر أو تنبؤات افتراضية..

 معادلة غير منطقية

السوريون تلمسوا سلبيات القرار الحكومي السماح بتصدير الأغنام بعد فترات زمنية قصيرة، إذ ارتفع سعر كيلو لحم العواس من 500 إلى 800 ليرة سورية، وهذا أنتج معادلة غير منطقية، فليس من الطبيعي أن يأكل السوريون لحوم العواس بما يتراوح أسعاره بين 700 - 900 ليرة سورية للكيلو، بينما نجد أن أسعار لحوم العواس في السعودية تتراوح بين 35إلى 45 ريالا (420 - 540 ل.س)!.. ومن المستغرب تصدير الأغنام، وبيعها لدول الخليج مثلاً بسعر أرخص بكثير من أسعار مبيعها في السوق المحلية؟! والأهم من كل ذلك: هل ستعود الأسعار إلى سابق عهدها قبل اتخاذ قرار السماح بتصدير الأغنام منذ شهرين؟! أم أن الأسعار في الأسواق السورية لا تسير إلا صعوداً، لأنها لا تجد من يجبرها على ذلك!.وهل من المنطقي أن نصدر للسعودية أغنامنا من العواس ونحرم السوريين منها، وهي التي تمتلك ما يفوق 17 مليون رأس منه؟! بينما لا توحي خارطة ثروتنا الحيوانية من الأغنام بالكثير من التفاؤل، فالتراجع في أعدادها الإجمالية سيد الموقف، ومؤشر الأرقام الرسمية يؤكد ذلك، فأعداد الأغنام في عام 2009 كان أقل بنحو 1.2 مليون رأس مقارنة بعام2005، وبنحو 2،5 مليون رأس مقارنة بعام 2007، وهذا يعني أن ثروتنا الحيوانية في تراجع، وهذا التراجع ما هو إلا نتاج السماح بالتصدير أساساً، وهذا يحتم على الحكومة عند اتخاذها أي من قراراتها الانطلاق من اعتبارين أساسيين، الأول، هو حجم ثروتنا الحيوانية، فهل يسمح بالتصدير أم لا، والاعتبار الأخر، يحدد في ضوء السعي لتحقيق الاكتفاءالذاتي، وضمان حاجة السوق المحلية أولاً قبل سواها..

 استرضاء المصدرين

كل الظروف الملائمة لعدم تصدير الأغنام تقف إلى جانبنا، والتي أجبرتنا في الماضي القريب على تصديرها، ونحن لا نعاني اليوم من الجفاف، وتتوفر المراعي لدينا بكثرة، وثروتنا الحيوانية غير مهددة بالنفوق، وبالتالي لم يكن هناك ما يستدعي اتخاذ قرار تصدير الأغنام سوى السعي لاسترضاء المصدرين، وبما يخدم مصالحهم التي يعلو صوتها فوق مصالحالاقتصاد الوطني، وحاجات أغلب السوريين، هؤلاء المصدرون الذين في المحصلة «بياكلو البيضة والتقشيرة»، مثلهم مثل تجار سوق الهال، بينما لا يحصل المربون من الجمل  إلا أذنه»..