جماعة «المليارات» عندما يتلطون خلف جيوب المواطن
تصدر غلاف مجلة «سوريانا» العدد 161 الصادر بتاريخ 13-أيار-2013 عنوان عريض «15000 .. طب احلييف!!» في إشارة للمقال المنشور على صفحتين داخل المجلة الذي «يلقي الضوء» على محاضرة عقدت في جامعة دمشق بعنوان «الاحتياطات الأجنبية وسعر الصرف وأثرهما على السياستين المالية والنقدية..» والتي شارك فيها الدكتور قدري جميل مع مجموعة من المحاضرين بدعوة من جمعية العلوم الاقتصادية العربية وكلية الاقتصاد في جامعة دمشق
يقدم كاتب المادة الذي يوقع باسم «مواطن مرتبه 15 ألف ل.س» قراءة «درامية سوقية» لندوة أكاديمية اقتصادية حول إحدى أكثر القضايا الاقتصادية إشكالية، وهو أمر لا تستطيع صحافتنا الاقتصادية غير المختصة عموماً نقاشه وتحليله، ولن تستطيع على وجه الخصوص صحافة تتبع لقوى اقتصادية متضررة من طرح شديد الموضوعية والجرأة ناقشه أكاديميو الجلسة بطريقة حضارية وكانو مجمعين تقريباً عليه والذي لخصه الدكتور قدري جميل والتحليلات التي تضمنتها الدراسات المعدة، بأن جوهر مشكلة ارتفاع سعر الصرف تكمن في اختلال العلاقة بين الكتلة السلعية والكتلة النقدية، لتشير الأرقام بوضوح إلى العلاقة بين الجانبين حيث الفرق بين الكتلة السلعية المتراجعة والكتلة النقدية الفائضة خلال العامين الماضيين والبالغ نسبة 120% تقريباً، يساوي معدل تراجع سعر الصرف خلال نفس الفترة.. مايعني بأن اعتبار سعر الصرف أولوية هو خطأ منهجي، وهذا يقتضي إيقاف هدر الاحتياطي من القطع لحماية سعر الصرف بالطريقة التي تفيد بشكل أساسي قوى اقتصادية كبرى، ولا تحقق استخدام فعال للقطع ليؤثر على دخل المواطن وعلى الإنتاج الاقتصادي عموماً..
من الطبيعي أن ينشر على غلاف وفي متن مجلات تتبع لقوى اقتصادية تعمل في المجال التجاري (استيراد وتصدير وتمثيل شركات أجنبية ووكالات عالمية بالإضافة للأعمال الإعلانية وإصدار الصحف وغيرها..) آراء تعارض أي اتجاه أو طرح يركز على الحفاظ على الاحتياطي، ويقلل من شأن «التضخيم» غير الموضوعي لمسألة سعر الصرف والتي يقصد من ورائها استمرار سياسة الحماية التي مارسها المركزي ويستمر بضغط من كبار رجال المال المستفيدين من تمويل المستوردات التجارية بالقطع الأجنبي فهؤلاء يحققون أرباحاً سريعة حالياً من ضخ القطع الأجنبي في السوق السورية «لحماية الليرة»، ويستفيدون على المدى البعيد من خسارة الدولة لقطعها الأجنبي وانتقاله إلى قوى السوق الكبرى..
لا شك بأن موضوع سعر الصرف هو موضوع إشكالي ومعقد واستحقاق مهم جدير بالنقاش والتداول إلا أن الطرح الذي قدمته المادة المنشورة لم يقترب من هذا وإنما كان أقرب إلى «عرض درامي ذاتي» لمراقب غير موضوعي، اعتمد بشكل أساسي على اجتزاء لفكرة التخفيف من أثر سعر الصرف على المواطن الذي يبلغ دخله 15 ألف ليرة سورية على سبيل المثال.. نعود هنا إلى المحاضرة ونقتبس حرفياً ما قاله الدكتور قدري جميل حول هذه النقطة تحديداً:
«أنا لا أرى أن سعر الصرف هدف بحد ذاته، أنا أرى أن سعر الصرف هو مجرد أداة في النهاية، في الحقيقة المواطن العادي الذي دخله 15000 ليرة سورية، لا يهمه كثيراً سعر الصرف، من الممكن حتى أن لايرى الدولار ولا يتعامل به، ما يهمه كم يمكنه الشراء بـ 15000 ليرة سورية من مواد تموينية مدعومة أو غير مدعومة، وهو أمر ينبغي التفكير به بجدية مع توسع حجم الدعم ووجود 4 مليون شخص يحتاجون إغاثة بشكل كامل». إن اجتزاء الأفكار بهذا الشكل له هدف سيء وبأداة سيئة، حيث يستخدم بشكل انتهازي مصلحة المواطن وحاجاته بأخذ موقع المدافع عن دخله لا بل التعبير بلسانه، بينما الهدف من استخدام هذه الأداة هو حماية سعر الصرف بطريقة «هدر الاحتياطي» التي تفيد عملياً قوى السوق الريعية وفي مقدمتها بعض التجار والمرتبطين بالشركات الأجنبية ووكلائها..
عن صفحة «قاسيون»