هل أنجزت الثورة الزراعية لحل وتصفية المكننة الزراعية؟! مئات الملايين الخسارات السنوية والآليات لخدمة المسؤولين!!
تم حل فرع المكننة الزراعية منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن لم تتم الاستفادة من الأبنية والمقرات التي آلت إلى الاهتلاك، وفي فرع المكننة آلات يمكن الاستفادة منها في جهات أخرى، تساؤلات عدة طرحها إبراهيم عبيدو رئيس الاتحاد المهني لعمال الصناعات الغذائية والسياحة،
والمؤكد أن وزارة الشؤون الاجتماعية لن تجيب عن التساؤلات التي طرحها رئيس الاتحاد المهني، ولم يجب وزير الزراعة عن التساؤلات بشأن مؤسسة المكننة الزراعية وكوني عاصرت هذه المؤسسة منذ نشأتها إعلامياً أقدم مداخلتي التالية للسيد الوزير ولرئيس الاتحاد المهني لعل الذكرى تنفع.
بلا هوية
بموجب المرسوم التشريعي رقم 1627 لعام 1977 تم إحداث المؤسسة العامة للمكننة الزراعية في سورية، ومن خلال استعراض مرسوم الإحداث، يتبين أن هذه المؤسسة خدمية، أي أنه يتم تطوير مكننة المحاصيل الزراعية من خلال القيام بالتجارب والأبحاث الزراعية لتطوير الواقع الزراعي، وتحديث وسائلها، وصولاً إلى زيادة مردودية الإنتاج الزراعي وتحسين نوعيته والإقلال من الهدر، هذا يعني بشكل واضح أن هذه المؤسسة بفروعها في المحافظات هي مركز أبحاث بكل ما تعنيه الكلمة.
لم نقل إن المؤسسة فشلت في أن تكون مركز أبحاث، وسورية بشكل عام فشلت في إيلاء قضية البحث العلمي الاهتمام الكامل رغم قرارات وتوصيات، وخصوصاً في مؤتمر الإبداع الوطني الذي عقد عام 1985، وبحضور جميع المؤسسات والخبرات والجهات الوصائية حيث أكد المؤتمر على إحداث هيئة عامة عليا تهتم بالبحث العلمي، وتقوم بمهمة التخطيط والتنسيق لمختلف البرامج، ورصد موازنة خاصة بالبحث العلمي لدى كل جهة عامة تخدم هدفها الذي أنشئت من أجله، وإيجاد مركز توثيق وطني للبحث العلمي ورعاية الباحثين وفتح الفرص أمامهم وعشرات التوصيات والقرارات الأخرى، ولكن لم ينفذ شيء.
دور مغيب
الإدارة العامة لمؤسسة المكننة كانت في حلب، وكانت تضم فروعاً لها في حماة وحلب والحسكة والقامشلي، وكان فرع القامشلي يقوم بمهمة استثمار الأراضي الزراعية. وهناك فرع في اللاذقية كانت مهمته الخدمة الآلية. أحداث هذه المؤسسة كان إنجازاً مهماً، وذلك من خلال ربط الزراعة بالتصنيع ودعم المزارع وتقديم الخبرات له، ولكن ما حدث؟! منذ إنشاء هذه المؤسسة وهي تتخبط بحثاً عن هويتها، انحرفت مهمات المؤسسة، وأصبحت فروعها تقوم بمهمة المزارع والفلاح الذي يملك الجرار والحصادة ويقوم بعملية الفلاحة والحصاد بالأجرة بدلاً من إجراء البحوث وبدلاً من الدور الإرشادي في تطوير زراعات استراتيجية مهمة كالقطن والشوندر. اصبح دور المؤسسة إنتاجاً وخاضعاً للربح والخسارة دون أن يكون لها موازنة خاصة لأن الوزارة لا تستطيع تمويلها، وتحولت إلى تصنيع التريلات والصهاريج والكرفانات وسلاسل الأفران ومن ثم مقاعد مدرسية وأبواب.
واقع محزن
أخفقت المؤسسة في أن تعمل وفق أسلوب الربح والخسارة، ولم تقم بمهمتها البحثية والتطويرية، وأخفقت في مهمتها الخدمية حاولت فروع المؤسسة أن تقوم بالتجارب الزراعية، وأخفقت في ذلك لكبر النفقات دون وجود ميزانية لذلك، وحاولت المؤسسة وفروعها التصنيع، واصطدمت بمسألة العرض والطلب، وعدم توفر السيولة، واستمالة المنافسة مع القطاع الخاص بوجود قوانين، وأنظمة تحد من حركتها، وتقيدها بأنظمة تقول أن سقف الشراء 50 ألف ل.س فقط والمناقصات تستغرق أشهراً والطلبية يجب أن تسلم في أسبوع واحد.
عجز وخسارة
وقعت المؤسسة في عجز مالي وديون تراكمت على فروعها وبات العمال يقبضون رواتبهم كل عدة أشهر بألف واسطة ومذكرة واحتجاج، وزارة الزراعة تتفرج على هذه المؤسسة وهي تحتضر دون أي إجراء، ونأخذ نموذجاً واحداً من فرع حماة لعام واحد، وعلى مستوى الخدمة الآلية:
الإيراد مليونان وستمائة ألف ليرة سورية، والإنفاق أربعة ملايين ليرة سورية، والخسارة مليونان وأربعمائة ألف ليرة سورية..
أما الإنتاج النباتي، فالإيراد مليون ومائة ألف ليرة سورية، والإنفاق مليونا ليرة سورية، والخسارة تسعمائة ألف ليرة سورية..، وفي المحصلة، يبلغ مجموع الإيراد خمسة عشر مليوناً، والإنفاق سبعة عشر مليوناً.
بقرة حلوب
خلال أكثر من 20 عاماً والمؤسسة تتخبط في واقع مأساوي، ووزارة الزراعة تتفرج عليها دون اتخاذ أي قرار أو إجراء، بل ُجيرت آليات المؤسسة لخدمة أراضي ومزارع المسؤولين الكبار مجاناً «وربما تكون قد أنشئت لأجلهم» وإذا كان رئيس الاتحاد المهني يدعو الآن للاستفادة من أبنية المؤسسة الخاوية على عروشها، وأفيده علماً، بأنني زرت المؤسسة في السبعينيات من القرن الماضي ورأيت مقبرة للآليات الزراعية والملحقات في فرع حماة مرمية في مقر الفرع بالمليارات، وقد جاءت هدايا من الاتحاد السوفييتي وبلدان أخرى وقال لي المدير آنذاك: لا توجد خبرات بالتعامل مع هذه الآليات قلاعات بطاطا، جرارات، رافعات، قلاعات شوندر، وآليات أخرى عديدة.
العمال يتسربون
تم قبر الآليات وبدأ العمال يتسربون كان عدد عمال فرع حماة 180 عاملاً وبعد سنوات من العجز وحرمان العمال من أي تعويض أو حتى الصعوبة في قبض الراتب 40 عاملاً كانوا يعيشون في توتر دائم وقلقه مزمن على حاضرهم ومستقبلهم، وطرح آنذاك من قبل من لا يسمع صوتهم المطلوب عمل دائم ومستقر وواضح وإعطاء مرونة لفروع المؤسسة في الشراء وفي البيع أو ضم المؤسسة لهيئة البحوث العلمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة من أجل أن تقوم بالأبحاث والتجارب على الآليات الزراعية واستخدامها واستثمارها في مكننة المحاصيل، وقالوا لتعطنا وزارة الزراعة رواتب وتأخذ أرباحنا بعد أن تعطينا عملاً من مديرياتها بدلاً من التعامل مع التجار والسماسرة.
في المحصلة
سنوات طويلة ووزارة الزراعة تتفرج على هذه المؤسسة وهي تحتضر دون أي إجراء، وأخيراً تمخض الجبل شكلت الوزارة لجنة من وزارة الصناعة والزراعة وهيئة تخطيط الدولة وأعدت مذكرة حول واقع محطات الصيانة الثلاث التابعة للمؤسسة لإلحاقها بمعمل الجرارات لاستفادة منها في التوسع المستقبلي لمعمل الجرارات ورفض معمل الجرارات استقبال محطات الصيانة، واتخذ القرار بحل المؤسسة وأصبحت مرتعاً للكلاب لأننا نفذنا الثورة الزراعية بالكامل، ولم نعد بحاجة إلى هذه المؤسسة.