إصرار حكومي على تضخيم فاتورة الدعم... ومؤشرات السعر العالمي تفضح المزاودين الأرقام الكبيرة تضليل مقصود لتبرير سياسات خاطئة
يجمع العديد من السياسيين على أن الولايات المتحدة الأمريكية تستبق أي هجوم عسكري على من افترضتهم »أعداءها« بتضخيم أحجامهم، وإلباسهم ما لا يأتي على مقاسهم، فهي من أوهمت العالم بامتلاك العراق للأسلحة النووية والكيميائية لتبرير احتلالها له، وإعطاء انتصارها حجماً أكبر عبر تضخيم قدراته العسكرية،
بينما أثبتت الوقائع زيف الادعاءات بعد احتلال العراق، أي بعد أن وقع »الفأس بالرأس«، فالقاعدة «اكذب حتى تصدق نفسك»، وما يهمنا من إيراد هذا المثال، هو اعتماد الأسلوب ذاته من جانب بعض الوزارات الساعية إلى تحرير أسعار الطاقة بتضخيمها حجم الدعم على اعتباره عدوها المفترض، لتبرير رفع أسعار المواد المدعومة بالسوق المحلية، كما تستبق سلوكها هذا بضخ إعلامي كبير عن حجم الدعم، وبتسرب مشاريعها تلك عبر الصحافة، لجس نبض الشارع السوري، واختبار ردات فعله...
تضليل متعمد
لم نعد نعرف رقم الدعم الحقيقي المقدم للسوريين على مشتقاتهم النفطية، فأرقام الوزارات بتناقضها واختلافها، تعكس حالة من التضليل المتعمد بحق السوريين، ففي عام 2008، خرج علينا الفريق الاقتصادي في حكومة العطري حينها ليقول، إن الدولة تقدم 385 مليار ليرة كدعم على المشتقات النفطية، وكان سعر ليتر المازوت عندها 7 ليرات سورية، بينما كان السعر العالمي للنفط يعيش حالة من الارتفاع المتواصل، حيث وصل سعر برميل النفط إلى ما يقارب 150 دولاراً، وفي الوقت ذاته، خرجت وزارة الكهرباء لتقول، إن تكلفة إنتاج الكيلو واط الساعي تقدر بنحو 5.3 ليرة سورية، بينما يباع بنحو 1.6 ليرة للكيلو واط الساعي، وهذه الأرقام هي التي تم الاستناد عليها لتضليل الرأي العام، وتبرير رفع أسعار الليتر الواحد من المازوت إلى 25 ليرة سورية، أي ما يقارب 3 أضعاف، وكذلك تم رفع سعر مبيع الكيلو واط الساعي من الكهرباء، بنسب كبيرة أيضاً، ولكن ما هو جديد الأرقام الحكومية في هذا المجال؟! وهل من فوارق في تحديد التكلفة بين الأمس القريب واليوم؟! وهل هناك ما يبرر هذا الفارق الحاصل واقعياً؟!
الدعم على لسان المصادر الرسمية
منذ أسابيع عدة، خرج وزير النفط ليقول، إن الحكومة تدعم مادة المازوت بنحو 250 مليار ليرة، أي أن الليتر الواحد يُدعم بنحو 33 ليرة سورية حسب الادعاءات الحكومية، وهذا يعني أن السعر المفترض له عالمياً يقارب 50 ليرة سورية، بينما أطل وزير الكهرباء بدوره، ليعّلمنا أن الدعم الحكومي للكهرباء بلغ في عام 2011 نحو 282 مليار ليرة، على أساس سعر صرف الدولار 48 ليرة، فكيف لو جرى حسابه على أساس سعر صرف 70 ليرة للدولار الواحد كما هو السعر الحالي له في السوق السوداء؟! يعني «الله لطف وقدر»، لأن الدعم كان سيزيد 100 مليار ليرة على حسابات الوزير بأقل تقدير، حيث يبلغ متوسط تكلفة إنتاج الكيلو الواط الواحد 15 ليرة سورية على الحسابات الحكومية..
وفي التفصيلات الجزئية للحسابات الحكومية، فقد ارتفعت تكلفة إنتاج الكيلو واط الساعي بنحو 200%، وصعد سعر إنتاج الليتر الواحد من المازوت 15 ليرة، أي بنسبة ارتفاع تصل إلى 50%، وذلك على لسان الوزراء المختصين، واستناداً للسعر العالمي لهاتين المادتين، فما هي الحقيقة إذاً؟! وما هو الهدف من وراء تلك المقارنة في الأسعار؟!
لم تحدث فورة بالاستهلاك
الأرقام الحكومية تشير إلى ارتفاع أرقام الدعم على المستوى الكلي، والتي ترتبط بشكل أساسي، إما بفورة في الطلب على مكونات الطاقة من مازوت وكهرباء، أو على المستوى الجزئي، بارتفاع تكلفة الانتاج، والتي ترتبط بالسعر العالمي للنفط، على اعتبار رقم الدعم الحكومي ينطلق دائماً من حسابات السعر العالمي، وليس من تكلفة الإنتاج المحلية، فهل حدثت طفرة في استهلاك السوريين من المازوت أو الكهرباء بعد رفع أسعارها؟! بعكس المنطق الذي يفترض تراجعها، وهل حدث ارتفاع عالمي في سعر النفط بين عام 2008 و2012؟!
الحكومة، ومنذ رفعها لأسعار المازوت في عام 2008، أبدت سعادتها لدور هذا الرفع في إجبار السوريين على توفير مشتقات الطاقة، وفي سياق حديثها قدمت جملة من الأرقام، تؤشر إلى تراجع استهلاك السوريين من مادة المازوت، وهذا ما شكل «انتصاراً» للسيناريو الذي نفذته حسب اعتقادها، كما لم يحدث عند السوريين فورة في استهلاك مادة الكهرباء أيضاً، فالاستهلاك عند مستوياته ذاتها، وقد يكون قد شهد شيئاً من الارتفاع، ولكن ليس بالشكل الكبير، وهذا يسقط مبرر ارتفاع أرقام الدعم الكلية بفعل زيادة الاستهلاك..
تراجع الدعم 100 مليار
بالإضافة إلى كل ذلك، فإن تخفيض سعر الليتر إلى 15 ليرة في عام 2011 مقارنة بالسعر في عام 2008، يعني توفير 56 مليار ليرة، على اعتبار أن استهلاك سورية من تلك المادة يقارب 7 مليار ليتر، وإذا ما تم حساب التوفير على اساس 20 ليرة سورية لليتر الواحد، كما هو السعر الحالي، فهذا يعني أنه جرى توفير 90 مليار ليرة نظرياً، ومن جهة اخرى، نجد أنه تم رفع سعر ليتر البنزين 10 ليرات منذ عام 2008 حتى الآن، مما يعني أنه تم توفير 20 مليار ليرة أيضاً، لأن سورية تستهلك 2 مليار ليتر من البنزين سنوياً، كما تم رفع سعر مادة الفيول منذ أربع سنوات حتى الآن، أي أن رفع أسعار المشتقات النفطية بغالبيتها، يفترض تراجع حجم الدعم الكلي لها بما يقارب 100 مليار بالحد الأدنى، أي أن كامل الدعم المقدم من جانب الحكومة على المشتقات النفطية يجب أن لا يتجاوز 250 مليار ليرة، وليس على المازوت وحده، وهذا إذا لم يكن هناك زيادة واضحة في الطلب، وهذا ما اثبتنا استقراره، أو حدوث صعود عالمي في سعر برميل النفط، فكيف إذ كان هناك تراجع في السعر العالمي للنفط إذاً؟!..
انخفاض السعر العالمي 30%
بالانتقال إلى المؤشر الجزئي، نجد أن السعر العالمي لبرميل النفط، هو المحدد لتكلفة الإنتاج العالمي لكل من المازوت والكهرباء بشكل أساسي، وهذا السعر اليوم يقارب 105 دولارات للبرميل الواحد، بينما كان السعر العالمي في عام 2008 يقارب 147 دولار للبرميل، أي أن السعر العالمي للنفط قد انخفض عالمياً بنحو 30%، وهذا يفترض انخفاض السعر العالمي لهاتين المادتين لتراجع أسعار المكون الأساس في عملية إنتاجهم، بينما التصريحات الرسمية، تؤكد ارتفاع السعر العالمي لهاتين المادتين، وبنسب كبيرة، والتي يبنى عليها سيناريوهات ارتفاع تكلفة إنتاج المازوت والكهرباء لدينا، بينما تفترض المؤشرات العالمية تراجع تكلفة إنتاج هاتين المادتين، والتي تنطلق من السعر العالمي لبرميل النفط، فمبرر ارتفاع السعر العالمي للنفط قد سقط أيضاً..
فاتورة الدعم بحاجة للتدقيق
بين الاصرار الحكومي على ارتفاع فاتورة الدعم، بفعل ارتفاع تكاليف إنتاج الكهرباء، وفاتورة استيراد المازوت، وبين المؤشرات التي تنفي مرتكزات ارتفاع فاتورة الدعم عملياً، تناقض واضح، وهو خير شاهد على اعتماد بعض الوزارات التضليل في سياساتها لتبرير إجراءاتها اللاحقة، وفضح فاتورة الدعم على المشتقات النفطية هو من أهم دلائلها، لأن هذه الفاتورة المفترضة نظرياً تصل إلى 600 مليار على الكهرباء والمشتقات النفطية وحدها، وهو ما يعادل 70% من موازنة عام 2011، وهو ما يعادل 22% من الناتج المحلي لسورية في عام 2011!.. وهذا ما يعجز الاقتصاد الوطني عن سداده..
وفي حديثنا عن الدعم لم نتطرق إلى سورية دولة منتجة للنفط، وللمشتقات النفطية أيضاً، حيث تكرر مصافينا 250 ألف برميل يومياً، والتي يفترض بها أن تغطي 70% من حاجتنا للمشتقات النفطية، كما لم نتطرق إلى إنتاج سورية لأغلب حاجتها من الكهرباء، وهذا يعني أن الحسابات يجب أن لا تبنى على أساس السعر العالمي لهاتين المادتين بالأساس، بل على أرضية تكلفة إنتاج برميل النفط وتكريره وفق الأسعار المحلية، ووفق التكلفة المحلية لإنتاج الكيلو واط الساعي من الكهرباء، والذي يفترض بهما أن يكونا أقل من التكلفة العالمية حتماً، وإلا لما لجأت دول كهولندا وكوريا الجنوبية إلى استيراد النفط الخام من دول العالم المنتجة له، وتكريره في مصافيها العملاقة، وإعادة تصديره كمشتقات نفطية، وهذا المعطى يدعم قولنا، بأن ما تسربه الأوساط الرسمية عن حجم فاتورة الدعم ليس حقيقياً، وهذا ما يحيله مراقبون لضرورات التدقيق والتمحيص، والبحث عن موجبات التضخيم