رفع سعر الفيول يهدد ما تبقى من المصانع في سورية
ترك قرار رفع سعر طن الفيول من 13500 ليرة إلى 50 ألف ليرة آثاراً «سلبية» في أوساط المتابعين والصناعيين السوريين، والذين أكدوا أنه سيكون للقرار منعكسات «خطيرة» على الصناعة السورية وخاصة تلك القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الفيول، والتي لا تمر هذه الأيام بأحسن حالاتها نتيجة للظروف التي تمر بها البلاد، فقد حددت وزارة النفط سعر طن الفيول بـ 50 ألف ل.س للطن بدلاً من 13500 ل.س المعمول بها منذ عام ونصف، بعد رفعه من 7500 ل.س إلى 13500 ل.س للطن
وأشارت إلى أن السعر الجديد أقل من السعر العالمي الذي يتراوح اليوم ما بين 570 - 580 دولاراً للطن الواحد، ولو تم احتساب المبلغ على سعر صرف الدولار بـ 125 ل.س، فإن سعر الطن سيتجاوز 70 ألف ل.س.
وأكد مصدر حكومي، أن سعر طن الفيول في الأسواق العالمية يصل إلى 60 ألف ليرة، وبحسب المصدر فإنه وفي مقارنة بسيطة لأسعار المشتقات النفطية يتضح أن سورية لا تزال أرخص من دول الجوار، وأضاف أنه «بناء عليه اتخذ قرار بضرورة رفع سعر مادتي الفيول والبنزين من أجل تغطية تكاليف شرائه من الأسواق الخارجية».
الاستهلاك بالأرقام
رئيس غرفة صناعة حلب فارس الشهابي، يرى بأن زيادة أسعار الفيول «قرار خاطئ وكارثي، وخطوة نحو إنهاء الصناعة الوطنية». مبيناً في تصريح صحفي، أن هناك نحو 40% من المعامل ما زالت قيد العمل، وهذا القرار يضر معامل الصباغة والسيراميك والألمنيوم والورق وغيرها، وكل المعامل التي لجأت لاستخدام الفيول بعد ارتفاع سعر المازوت وعدم توافره، مبيناً في تصريح لصحيفة محلية، أن غرفة الصناعة راسلت الجهات المعنية حول أضرار هذا القرار ولكن لا فائدة.
وتستهلك سورية ما معدله 4 ملايين طن فيول سنوياً، ويستخدم 90% من الفيول في محطات توليد الكهرباء ومعامل الأسمنت، ويبلغ سعر طن الفيول في الأردن ولبنان 75 ألف ليرة ويتجاوز 100 ألف ليرة في تركيا، ويستهلك الفيول بشكل كبير لإنتاج الطاقة الكهربائية والأسمنت، ويبلغ استهلاك القطاع الخاص السوري نحو 10% من حجم استهلاك المادة، في حين تعتمد شركات القطاع العام الصناعية بشكل كبير على المادة ويشكل استهلاكها نحو 90% من حجم الاستهلاك العام.
منشآت بصدد الإغلاق
عضو غرفة صناعة دمشق الصناعي بدر الناطور، قال لقاسيون: نتيجة الظروف التي نمر بها، هناك انخفاض في الطاقة الانتاجية للمعامل، ونتيجة قرار رفع أسعار الفيول ستتضرر الكثير من المصانع ومنها من سيتوقف تماماً» مشيرا إلى انعكاسات سلبية ستواجه الصناعة السورية في المرحلة القادمة.
وأوضح الناطور في تصريحه، أن الفيول يشكل 30% من قيمة المنتج، وبالتالي أمام هذا الارتفاع سيرتفع سعر المنتج الصناعي، وتساءل قائلاً: هل يحتمل المواطن المزيد من الارتفاع في الأسعار، وأضاف: نعاني من مشكلة تذبذب سعر الصرف، والآن سنعاني من مشكلة رفع سعر الفيول.
الناطور الذي يملك منشأة متخصصة في صناعية النسيج، أكد أنه يوجد في دمشق 14 مصبغة نسيج لا يعمل منها حالياً سوى ثلاث، وبمجرد رفع سعر الفيول فإن هذه المصابغ ستسير في طريقها للإغلاق.
وحول رأيه بأن تبرير رفع سعر الفيول ناتج عن توقف الإنتاج في المصافي، وارتفاع تكاليف شرائه من الخارج وتأمينه للصناعيين، أكد الناطور أن سعر المنتجات سيرتفع بشكل لافت وستصل نسبة الارتفاع إلى 30% وبالتالي المتضرر من القرار هو المستهلك والصناعي معاً.
الصناعة النسيجية تعاني
تأثير «سلبي» سيتركه القرار على الصناعة بحسب الصناعيين وخاصة العاملين في مجال النسيج، فمن المعروف أن صناعة النسيج في سورية تعتبر ثاني أكبر مصدر بالنسبة للاقتصاد السوري وهي القطاع الرئيسي في الصناعة السورية من حيث القيمة الإنتاجية والحرفية، وتسهم بنحو 4,5% من العوائد التصديرية، و25% من إجمالي الصادرات السورية، ويشكل إنتاج القطن السوري 7% من الإنتاج العالمي، كما تمتص هذه الصناعة عمالة كبيرة وتمتاز بنسب التشغيل المرتفعة، ومن هنا يمكن تلمس خطورة القرار.
يذكر أن قراراً حكومياً صدر مؤخراً برفع سعر البنزين، ونص القرار رقم 746 على أن «تحديد سعر مبيع صفيحة البنزين 20 ليتراً لجهات القطاع العام متضمناً السعر وأعباء نقل وتوزيع وجميع الرسوم والضرائب المفروضة عند تجديد الترخيص السنوي للمركبات العاملة على البنزين والدراجات الآلية كما يلي: 1500+ 3+ 80= 1583 ل.س».
كما حدد سعر مبيع المستهلك لجهات القطاع الخاص والأخرى متضمناً السعر ورسم الإدارة المحلية وأعباء نقل وتوزيع وجميع الرسوم والضرائب المفروضة عند تجديد الترخيص السنوي للمركبات العاملة على البنزين والدراجات الآلية كما يلي: 1504+16+80= 1600 ل.س.
صعوبات كبيرة
ورغم الصعوبات التي تواجه قاطرة النمو وعصب الاقتصاد السوري، إلا أننا لا نزال نلحظ في الأسواق منتجات سورية مصنعة محلياً وتلقى إقبالاً من قبل المواطنين لسببين رئيسيين الأول الثقة بالمنتج الوطني، والثاني السعر المقبول أمام بورصة الأسعار التي ترتفع وتهبط على وتيرة سعر الصرف، إلا أن ما تمر به البلاد وظروف العمل الصعبة وتضرر الكثير من المعامل حال دون استمرار عجلة الإنتاج لكثير من المعامل السورية وخرجت من الخدمة والحال ينطبق على القطاعين العام والخاص لجهة الأضرار وحجمها، وبحسب وزير الصناعة عدنان السخني فإن قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بمعامل القطاع العام خلال الأزمة بلغت أكثر من 60 مليار ليرة سورية، ووصل عدد من تقدم من الصناعيين بطلبات نقل لمصانعهم خارج سورية إلى 121، في حين بلغ عدد من نقل منهم إلى خارج سورية 8 منشآت.
رفع الفيول.. مقتل ما تبقى..!
رفعت الحكومة سعر الفيول من 13500 ل.س/ طن إلى 50000 ل.س/طن أي بمقدار 270% ضمن سلسلة رفع الدعم عن المشتقات النفطية.. تحاول الحكومة ومقترحو القرار أن يتذرعوا بأن الدعم لايزال موجوداً على اعتبار أن الدعم يقاس بمقدار ما تتكلفه الحكومة من خسائر لقاء تخفيضها للسعر..
لا بد بأن كلفة استيراد المحروقات قد ازدادت بشكل كبير وازداد حجم رقم الدعم الذي تقدمه الحكومة وبالتالي خسائرها، إلا أن لحظة الأزمات تختلف فيها الحسابات والأولويات الاقتصادية، ويختلف فيها مفهوم الدعم والخسارة الحكومية.. فإذا ما كان رفع أسعار الفيول يخفف من الخسائر الحكومية، فهو يؤدي بالمقابل إلى خسائر تقاس بمقياس الخسائر الوطنية، كخسارة ما تبقى من صناعات سورية جاهدت للاستمرار في ظروف الأزمة القاسية..
ويستمر مسلسل الوهن الحكومي في إدارة اقتصاد البلاد في لحظة الأزمة برؤية ضعيفة ومحدودة، وكأنها مدروسة للقضاء على ما تبقى..