تعطي السوق.. لتردعها!؟

تعطي السوق.. لتردعها!؟

يبدو أن مسألة حماية الليرة وارتفاع سعر الصرف لم تزل الشغل الشاغل للحكومة، ولكنها لم تزل أيضاً بعيدة عن تداولها جدياً من حيث علاقتها بحجم  الاحتياطي والدليل هو إعلان المركزي قبل فترة قريبة عن نيته بيع  حوالي 100 مليون يورو مقابل الليرة وذلك للتأثير على سعر الصرف الذي يرتفع يومياً في السوق السوداء..

هذه العملية التي لم تتم حتى الآن، كشفت بمجرد الإعلان عنها عن حجم المضاربة في رفع سعر الصرف، حيث انتقل الدولار من سعر 150 ل.س/$ إلى سعر 130 ل.س/$ بعد الإعلان، وهذا يدل فعلياً على جدوى هذه العملية في التأثير على السعر السوقي، ولكن هذا التأثير لا يقارن بخسارة هذا الكم من القطع الأجنبي، وتحديداً إذا ما علمنا أن هذا الانخفاض مؤقت، وأن ضخ القطع للسوق يؤدي موضوعياً إلى زيادة قدرة السوق السوداء على التحكم بسعر الصرف عموماً، لأن كل دفعة جديدة من القطع تنتقل إلى السوق تزيد من قدرتها على التحكم وتنقل الوزن الرئيسي للاحتياطي إليها ساحبة ورقة هامة من الدولة في التحكم بالسوق أولاً وفي تأمين المواد الأساسية وتقديم الدعم للصناعات المتبقية والقادرة على الاستمرار وغيرها من التوظيفات الهامة التي تقع على عاتق الحكومة والتي يعتبر احتياطي العملات الصعبة أداتها الوحيدة فيها..
لم تتم عملية البيع حتى اليوم ولكن مجرد الإعلان عنها يدل على أن هذه السياسة مستمرة بينما الواقع والاستحقاقات تقول بضرورة جعل الاحتياطي خطاً أحمر..

«المصرف المركزي» يصرُّ على تجريب المُجرّب رغم فشله!..

جدد مصرف سورية المركزي إعلانه بنية بيع  شرائح من القطع الأجنبي لشركات ومكاتب الصرافة على شكل مزادات، وبقيمة 3.6 ملايين يورو كدفعة أولى، وهذه خطوة سبقتها خطوات عدة، بدءها المركزي منذ نهاية شهر تشرين الأول من عام 2011، عندما بيعت أول دفعة من الدولارات في المزاد بسعر 52 ل.س عندما كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء بحدود 53 ل.س، ليقع «المركزي» في حفرة المتاجرين والمضاربين بالعملة من جديد، لأن المتابعين للشأن الاقتصادي يجمعون على فشل تلك المزادات في حماية الليرة السورية والحفاظ عليها، مقابل دورها في هدر الاحتياطي السوري من القطع الأجنبي، ومع ذلك يجدد المركزي إصراره على تجريب المجرب، لينطبق عليه المثل القائل: «من جرب المجرب عقله مخرّب»..

«باب رزق» للمضاربين

إذا كان هناك من مدافع عن أداء المركزي على هذا الصعيد، سنحيل له جملة من التساؤلات عله يجيبنا عليها: فهل هذا الشكل من التدخل عبر المزادات أنقذ الليرة السورية؟ّ وهل ساهم في انحسار السوق السوداء والمضاربة بالعملة الصعبة؟! أم أن العملية شكلت باب رزق جديد للمتاجرين بالعملات الأجنبية في السوق السوداء من جانب المصارف وشركات الصرافة؟! ليخسر المركزي على كل يورو يبيعه أكثر من عشرين ليرة، لأن وسطي سعر طلبات الشراء تتراوح بين 168 – 170 ل.س لليورو الواحد، بينما وصلت أسعاره إلى 190 ل.س في السوق السوداء، ألا تعد تلك الاجراءات عملية استنزاف ممنهجة وتفريط واضح بالقطع الأجنبي والاحتياطي النقدي دون طائل أو مبرر؟! والتي تتطلب المسائلة والتدقيق بدلاً من تضخيم النتائج المتواضعة التي أحدثها هذا التدخل في انخفاض أسعار الدولار واليورو على أرض الواقع قياساً بالمبالغ المهدورة!.. أو على أقل الاعتبارات، السعي لتوجيه هذا النقد الأجنبي بما هو أجدى، عبر تمويل استيراد بعض المواد الأساسية بدلاً من وضعه في جيوب المتاجرين به..

«الأمور تُقرأ بخواتمها»

تُقرأ الأمور بخواتمها، هكذا يفترض المنطق، فاعتبار تلك المزادات هدراً للقطع الأجنبي يأتي انطلاقاً من ربطه بالنتائج، وهي من وضعت القطع الأجنبي المباع في تلك المزادات بخانة المهدور، فالنتيجة المباشرة والوحيدة لهذه المزادات المتقطعة التي بدأت قبل 19 شهراً، هو أن سعر صرف الدولار ارتفع من 53 ل.س إلى 150 ل.س في السوق السوداء، أي أن تلك الاجراءات لم تكن بالفاعلة والمؤثرة إيجابياً على أسعار الصرف، فلماذا الاستمرار بها؟!.. فسقف ما أحدثته تلك المزادات على واقع أسعار الصرف، هو تخفيضها أسعار الدولار واليورو أمام الليرة بما لا يتجاوز حاجز الـ 10%، وبشكل مؤقت، ولبضعة أيام وفقط، دون الحفاظ على هذه النسبة من التراجع، ومن ينكر ذلك، سنسأله: هل أوقف هذا التدخل هبوط سعر صرف الدولار واليورو أمام الليرة السورية؟! وهل منع انهيار قيمة الليرة منذ 19 شهر حتى الآن؟! ولهذا نقول: ما هو مبرر العودة إلى فكرة المزادات المخصصة لبيع القطع الأجنبي طالما أن هذه الخطوة أثبتت فشلها في السابق؟! والتي أعقبها ارتفاع كبير في أسعار الصرف لاحقاً؟!