الاحتياطي النقدي السوري خلال الأزمة 2/2 سياسة «وهب» القطع الأجنبي.. بجانبيها

الاحتياطي النقدي السوري خلال الأزمة 2/2 سياسة «وهب» القطع الأجنبي.. بجانبيها

نشرنا في عدد قاسيون السابق رقم «643» الجزء الأول من ملف الاحتياطي النقدي في سورية، وذلك بناء على أهمية الاحتياطي النقدي، وعدم إصدار أي معلومة إحصائية حول تراجع قيمته، بعد أن أصبح المورد الرئيسي لإنفاق الحكومة خلال فترة الأزمة

وقد أشرنا في العدد الماضي إلى جانب إنفاق الاحتياطي الأوسع وهو تمويل الموازنة الحكومية، والتي أدت وفق تقديراتنا الأولية (إذا ما صحت أرقام الإنفاق الحكومي أو نفذت) إلى  تراجع الاحتياطي النقدي من حوالي 19 مليار دولار في عام 2010 (بناء على رقم البنك الدولي حول الاحتياطيات النقدية السورية الإجمالية باستثناء الذهب) إلى حوالي 4 مليارات دولار في بداية عام 2014، وهذا التراجع الكبير هو نتيجة لتقدير ما صرفته الحكومة من الاحتياطي النقدي في جانب واحد فقط من استخدامات الاحتياطي..

جرى خلال الأزمة انتقال جزء هام من الاحتياطي الأجنبي الموجود لدى مصرف سورية المركزي، إلى قوى السوق الكبرى، التي لا تنفصل كثيراً عن قوى السوق السوداء، وتم ذلك من خلال جانبين من إنفاق احتياطي القطع الأجنبي، وهما: تمويل المستوردات، وضخ القطع في سوق الصرافة.

تمويل المستوردات.. السكر مثلاً

سياسة تمويل المستوردات القائمة على أساس فكرة إعطاء المصرف المركزي القطع الأجنبي للتجار المستوردين بسعر صرف منخفض، ليستوردوا به المنتجات والبضائع، وبالتالي فإن هذه المستوردات لا ترتفع تكاليفها بارتفاع سعر الصرف، ولا يقوم التجار برفع أسعارها في السوق، فإذا ما أخذ تاجر مستورد للسكر دولاراً من المصرف المركزي بسعر صرف 100 ل.س/$، بينما سعر صرف السوق150 ل.س/$  وبفرض أن تكلفة الطن المستورد 450$ (250$ وسطي سعر الطن عالمياً في عام 2013+ 200$ تكاليف نقل) فإن كغ السكر الممول بالقطع الأجنبي يفترض أن يبلغ 45 ل.س/للكغ، بينما غير الممول يصل إلى 67 ل.س/للكغ، أما تجار السوق  فقد سعروا بمستويات أعلى من السعرين وبوسطي 100 ل.س/للكغ خلال 2013، بينما يحصل التاجر الذي يستورد كمية 100 طن من السكر مثلاً على 45 ألف $ تقريباً من المصرف المركزي، لعملية استيراد واحدة!

اعتراف حكومي.. غير هام!

تحول تمويل المستوردات إلى المنفذ الرئيسي لانتقال القطع الأجنبي للسوق السوداء بحسب وزير الاقتصاد السابق محمد ظافر المحبك، وبناء عليه أخذ قرار ترشيد الاستيراد، ليخفف من حجم المستوردات الممولة، التي يبدو أنها حصرت بمواد محددة، وتجار محددين لاحقاً. في الشهر التاسع من عام 2013 اعترفت الحكومة ومصرف سورية المركزي تحديداً، بأن هذه العملية لا تفلح، وقدم «المركزي» قوائم تضم حوالي 400 شركة تجارية ومستورد ممن قدموا بيانات وهمية للحصول على القطع الأجنبي، وبحسب صحيفة تشرين فإن قيمة القطع التي حصل عليه 225 تاجراً منهم فقط، قد بلغت 78 مليون يورو تقريباً، وينبغي الإشارة إلى أن الإجراءات ضد هؤلاء كانت إيقاف براءات الذمة حتى إعادة القطع الأجنبي، وأما وزارة الاقتصاد فقد ارتأت أن منعهم من الحصول على إجازات استيراد هو معاقبة لأنفسنا!! بحسب معلومات نشرتها صحيفة تشرين بتاريخ 10/9/2013..
لم تحقق سياسة تمويل المستوردات هدفها المعلن بتخفيف مستوى الأسعار عن طريق تخفيف أثر ارتفاع سعر الصرف، بل نجحت تماماً في تحقيق هدف آخر وهو انتقال جزء هام من احتياطي القطع الأجنبي الموجود ، وسنحاول في ضوء شح المعطيات وانعدامها رسمياً أن نقدر ما حصل عليه هؤلاء، وهدره «المركزي» خلال الأزمة..

الاحتياطي للصرافين.. «لحماية الليرة»!!

 تعتبر عملية ضخ المصرف المركزي للقطع الأجنبي في سوق الصرافة (شركات ومكاتب الصرافة) هي الجانب الثاني من إنفاق احتياطي القطع الأجنبي بعد تمويل المستوردات، هذه العملية التي بدأت بقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 84  بتاريخ 2-11-2010 الذي سمح للمصارف العاملة وشركات الصرافة ببيع مبلغ 10 آلاف دولار لمن هم فوق 18 عاماً على أن يأخذوها مرة واحدة شهرياً، وخفض إلى مبلغ 5000 دولار شهرياً في الشهر الخامس من عام 2011، واستكملت بان أعلن مصرف سورية المركزي أن سياسته الوحيدة لحماية قيمة الليرة السورية من التراجع، هي ضخ القطع الأجنبي في السوق عن طريق البيع لمكاتب وشركات الصرافة، ما نجم عنه انتقال جزء هام من القطع الأجنبي الذي يدور في السوق إلى السوق السوداء التي امتلكت القدرة على التحكم بسعر الصرف عن طريق احتكار جزء هام من القطع لرفع السعر، كما أصبح سعر المصرف المركزي يقدر وفقاً لتغيرات هذه السوق ويتحرك بناء عليها، فإذا ما رفعت قوى السوق السوداء السعر، قام المركزي بتزويدها بالقطع الأجنبي لتعيده إلى  الاستقرار، وترفع معها السعر الرسمي.
كميات القطع الأجنبي التي أنفقت بهدف «حماية الليرة» لم تحقق هدفها، بينما كان صرف هذه المبالغ على رفع الأجور الحقيقية وتقديم سلات غذائية مدعومة لكل المواطنين كفيلاً بحماية قيمة الليرة السورية بشكل حقيقي، وإنفاق احتياطي القطع الأجنبي على مستحقيه، عوضاً عن رفع الدعم عنهم وتحصيل الموارد منهم، مقابل تقديم القطع الأجنبي لمضاربي السوق بأسهل الطرق..!
*كنا قد قدرنا سابقاً أن تكلفة تقديم سلة غذائية مدعومة لكل الأسرة السورية تبلغ 9,8 مليار ل.س خلال عام، وهي حوالي 65 مليون $، ويشار إلى أن واحدة من جلسات بيع القطع الأجنبي التي عقدها مصرف سورية المركزي عرضت شريحة بلغت 100 مليون يورو (حوالي 75 مليون $) للبيع..!!

تقديرات: (البيع المباشر) وتمويل المستوردات

لدينا معطيان لتقدير مجمل تمويل المستوردات هما:
• 69,6 مليون يورو وسطي تمويل خلال 7 أشهر -2013: بناء على بيانات حصلت عليها قاسيون تشير إلى المستوردات الممولة من المصرف المركزي خلال سبعة أشهر فقط من عام 2013.       
• 58,4  مليون يورو وسطي تمويل خلال 3 أشهر الأخيرة من  2013، وشهر 1- 2014: بناء على تصريحات لمصرف سورية المركزي إلى إحدى الصحف المحلية التي أشارت إلى قيمة مبيعات المصرف المركزي من القطع الأجنبي لتمويل المستوردات خلال الفترة من 9/9/2013 إلى 19/2/2014.

2013 ......................................................128 مليون يورو (حوالي 166 مليون دولار)
مجموع ما أنفق على تمويل المستوردات للتجار خلال عام 2013 تقريباً، مع العلم أنه في هذا العام انخفضت المستوردات بنسبة 88% عن عام 2011، وأعلنت فيه عملية ترشيد الاستيراد وحصر التمويل بمواد محددة!!
2012 ......................................................
(330 مليون $ تقريباً)
بفرض أن مبالغ التمويل في عام 2012 ضعف 2013 فقط.
2011 ......................................................
(630 مليون $ تقريبا)
انطلاقاً من بيانات لغرف التجارة أشارت أن حجم تمويل المستوردات في عام 2012 هو أقل من 2011 بنسبة 78% .
تمويل المستوردات خلال ثلاث سنوات الأزمة يزيد على: 1,1 مليار $
 
الأرقام المحسوبة هي أرقام تقديرية منطلقة من افتراضات مبنية على معطيات معلنة لعام 2013، ولكنها أرقام تأشيرية تؤكد أن حجم تمويل المستوردات خلال الأزمة فاق مليار دولار.

تقدير حجم بيع القطع المباشر

لن نعتمد في التقدير على عمليات الضخ للسوق والبيع للمكاتب التي تباينت ولم تكن معلنة دائماً وإنما سنقدر احتياطي القطع الاجنبي المهدور في عمليات البيع للأغراض غير التجارية، حيث سمح القرار رقم 48 لعام 2010 للمصرف المركزي ببيع القطع الأجنبي للمواطنين بحد لا يتجاوز 10 آلاف $ شهرياً، استمر هذا الحد 5 أشهر من عام 2011، وهي المرحلة الأولى للتقدير، وخفض إلى 5000 $ شهرياً ليستمر هذا السقف لمدة 17 شهراً (حتى شهر 10-2012) وهي المرحلة الثانية من التقدير.

فرضية: المشترين 50 ألف شخص!

مشترو مبلغ 10 آلاف دولار شهرياً، أو 5000 $ هم قلة، ومن المقتدرين مالياً حصراً، ولتقديرهم سنفترض بأنهم من أصحاب الأعمال (وهم من يملكون منشآتهم التجارية أو الصناعية أو الخدمية ولا يعملون بها، وتعدادهم حوالي 200 ألف وفق تعداد القوى العاملة لعام 2010)، وسنفترض ان ربعهم فقط قام بعمليات الشراء أي خمسين ألفاً.

الفرضية: 50 ألف صاحب عمل فقط استفادوا من شراء مبالغ من القطع شهرياً.
• كم الدولارات المشتراة في المرحلة الأولى: 50 ألف شخص × 10000$ × 5 أشهر= 2,5 مليار $
• كم الدولارات المشتراة في المرحلة الثانية: 50 ألف شخص × 5000 $ × 17 شهر = 4,2 مليار $
بالتالي فإن عمليات بيع الدولار الرسمية قد هدرت حوالي: 6,7 مليار $. وفق فرضيات الحد الادنى التي وضعناها.