نعمة أم نقمة؟!.. الفلاح يدفع ثمن فائض الحمضيات
على الرغم من حديث وزارة الزراعة واتحاد غرف الزراعة عن استنفار استثنائي لتسويق الفائض من إنتاج الحمضيات في العام الزرعي 2013 - 2014، إلا أن ذلك الاستنفار «لم يؤت أكله»
فالعديد من مزارعي الحمضيات فضلوا عدم قطاف إنتاجهم، وسعر الكيلو الواحد من الحمضيات في أسواق الهال بقي ضمن وسطي 30-50 ل.س/للكغ، بينما مرت فترة انخفض فيها السعر إلى 25 ل.س/للكغ، وينخفض السعر في بعض الأنواع كالكريفون إلى 15 ل.س فقط، وهذه الأسعار لا تكفل استرداد ما وضعه هؤلاء من نفقات لجني إنتاجهم فقط (أجور النقل، أجور القطاف، العبوات البلاستيكية أو الفلين، والنقل)، وهذا سيدخلهم في خسارة بالغالب، وبربح ضئيل في أحسن الأحوال لن تعوضهم عنها الحكومة بطبيعة الحال، وهو ما يهدد بخروج البعض من دائرة الإنتاج قسرياً في المحصلة النهائية، وخسارة الاقتصاد الوطني لعشرات أو مئات آلاف الأطنان من إنتاج الحمضيات سنوياً!!.
لِمَ يخسر الفلاح السوري؟! إلى متى سيبقى المُنتِجُ هو الخاسر الاكبر؟! وهل هذا هو المصير المحتّم عليهم مع قدوم كل موسم جديد؟! أم أن بأيدي الإدارة الاقتصادية والحكومة مفاتيح الحل؟! إلا أن إهمالها هو من أوصلهم لذاك الواقع الرديء؟! فالبحث عن أسواق تصديرية جديدة مخرج ينّقذ الفائض من إنتاج الحمضيات، وكذلك يعتبر إنشاء العديد من مصانع إنتاج العصائر الطبيعية في محافظتي طرطوس واللاذقية، وبما سيكفل استيعاب الجزء الأكبر من فائض الإنتاج الحالي، وهو المشروع الذي طال الحديث عنه منذ أكثر من عقد من الزمن، إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن، على الرغم من أن تكلفته لا تتجاوز عشرات الملايين من الليرات السورية، وهو مبلغ زهيد قياساً بكميات الحمضيات التي يتلفها الفلاحون سنوياً لانخفاض الأسعار، وبما سيتركه هذا من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني في المحصلة النهائية، فالمخارج متعددة، إلا أن الثابت الوحيد، هو أن الحكومة ليست على القدر الكافي من الجدية والفاعلية لخدمة مصالح الفلاحين والمزارعين ليس اليوم فقط بل على امتداد عقود ماضية من السياسات الاقتصادية التي أخرجت الفلاح من أرضه مرغماً لفقدانه حقه في تحقيق حد أدنى من الأرباح لا يتجاوز حاجز الـ 25%..
القرارات الحكومية استثنت خلال الأزمة منتجي البيض والفروج والأغنام والبطاطا وسواها من قرارات منع التصدير، بحجة تأثيرها السلبي على المنتجين، على الرغم من ارتفاع أسعار تلك المواد في الأسواق المحلية، مما يستدعي إيقاف تصديرها رأفةً بالمستهلكين، إلا أننا لم نرَ «اللهفة» من جانب الجهات التنفيذية ذاتها على منتجي الحمضيات الذين أدمت قلوبهم وجيوبهم الخسائر المتكررة التي يتعرضون لها في أغلب المواسم!..
فائض الإنتاج متوقع
لم يكن فائض الإنتاج بالمفاجئ لراسمي خطط التصدير في وزارة الزراعة أو الاقتصاد، إن لم نقل على المستوى الحكومي ككل، فوزارة الزراعة هي من قدّرت الفائض عن الاستهلاك المحلي من الحمضيات بحدود 400 ـ 450 ألف طن، ولهذا فقد كان من واجبها البحث عن أسواق خارجية لتسويق هذا الفائض الذي كان ولا يزال المعضلة القديمة الجديدة التي تنهك مزارعي الحمضيات، وتكبدهم الخسائر المتجددة مع قدوم كل موسم جديد، إلا أن وزارة الزراعة استكانت لأسواق التصدير التقليدية، حيث تم تصدير الجزء الأكبر من الحمضيات إلى العراق، وبكميات أقل إلى الأردن، وهذا ما اعترف به مدير اتحاد غرف الزراعة السورية، دون أن تكلّف نفسها عناء البحث عن أسواق جديدة للحمضيات السورية، وهذا يؤشر إلى فشلها في فتح أسواق تصديرية جديدة أمام الحمضيات السورية، لا بل إن الحمضيات خسرت السوق الإيرانية، والتي استوردت في العام الماضي 60 ألف طن من الحمضيات، فهل لأحدٍ أن يخبرنا عن أسباب اعتكاف الإيرانيين عن استيراد الحمضيات السورية؟! وهل سيمتد هذا إلى زيت الزيتون السوري؟! وهل تلاعب بعض المصدّرين هو من أخرج الحمضيات السورية من السوق الإيرانية؟! كما حصل مع زيت الزيتون في بعض الأسواق العربية خلال العقد الماضي؟!.
تكلفة الإنتاج مقابل الأسعار
بلغت كلفة إنتاج الكغ للحمضيات حدود 22 ل.س وذلك وفق تصريح لمديرية زراعة اللاذقية في موسم 2013، ووفق معطيات لتكاليف الإنتاج قدرتها قاسيون، فسعر الكيلو الواحد من الحمضيات في أسواق الهال اليوم يبلغ 30-50 ل.س/للكغ، أما مديرية الزراعة في طرطوس فقد قدرت أن تصل تكلفة إنتاج الكيلو من الحمضيات إلى 29,5 ليرة سورية، وإذا أضفنا إليها أجور النقل والعبوات، فإن التكلفة النهائية على الفلاح لن تقل عن الـ 35 ل.س في أحسن الأحوال، فسعر عبوة التعبئة يصل إلى 100 ل.س، وأجرة النقل تقدر بليرتين على الكيلو الواحد، وبالتالي فإن سعر 25 ل.س للكغ، هو خسارة ..
«مداح نفسه..»
انخفاض الأسعار يؤكد الكساد الحاصل في مادة الحمضيات بالأسواق المحلية، ويؤشر إلى فشل السياسة التسويقية لوزارة الزراعة في إقناع أسواق جديدة بشراء الحمضيات السورية، هذا إن جربوا أساساً في اختراق أسواق جديدة لم تصلها الحمضيات السورية بعد، مهما ادعى القائمون عليها عكس ذلك، فالأمور تُقرأ بخواتمها مهما كانت الصعاب والعقبات، والمقدمات الصحيحة ستفضي إلى نتائج صحيحة ومرضية ليس لأصحاب القرار كما يقيمونها هم أنفسهم بل بانعكاسها الإيجابي على الفلاحين والمنتجين، أو بتأثير الإيجابي على المستهلكين في أماكن أخرى، لا أن يكونوا مداحين لأنفسهم وقراراتهم دون نتائج جدية على الشرائح المفترضة، لأن «مداح نفسه..» على حد قول المثل الشعبي..