قانون التموين و«الجودة».. «الحبس» خطوته الوحيدة إلى الأمام!

قانون التموين و«الجودة».. «الحبس» خطوته الوحيدة إلى الأمام!

يناقش حالياً قانون «التموين والجودة» بحسب تصريحات وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وليس قانون «التموين والتسعير» في أروقة الوزارة ذاتها مع باقي الفعاليات الاقتصادية التجارية والصناعية والسياحية وغيرها

حيث ترافق تغييب موضوع التسعير مع خفوت الضجة التي أثيرت حول موضوع «التسعير الإداري» التي أتت مع الحديث عن قانون التموين الجديد المنتظر منذ صيف عام 2013 في الفترة التي ارتفعت فيها الأسعار إلى أعلى مستوياتها، ليختصر قانون التموين إلى قانون لمراقبة الجودة مع عقوبات أشد للمخالفات، ويقتصر التسعير بتشكيل لجان تحدد هوامش ربح لبعض المواد فقط. يضاف إلى ذلك تدقيق الوزير في تصريح إعلامي له بأن مسألة التسعير الإداري قد فهمت بشكل خاطئ! وهي لا تتعدى «إيجاد سلع معينة ضرورية وهي المواد الأساسية المعروفة تضاف إليها مواد أخرى كالأجبان والألبان وغيرها لتقوم الحكومة بفرض الأسعار عليها بعد أن يتم استيرادها عبر الخط الائتماني الإيراني وبيعها عبر المنافذ الحكومية » أي الحكومة لن تسعر إدارياً إلا المواد التي ستستوردها من الخط الائتماني الإيراني.

(قاسيون) تواصلت مع جمعية حماية المستهلك، باعتبارها من الحاضرين في كل الاجتماعات التي تناقش القانون بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والفعاليات المختلفة.

قانون إضافي.. يوحد القوانين!

قال رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني إن «إصدار قانون للتموين يأتي بهدف توحيد القوانين المتعددة التي تتناول موضوع الغش ومراقبة الأسواق، من قانون الغش والتدليس وقانون التموين السابق، تحت مسمى مقترح بقانون التموين وضبط الجودة»، لافتاً إلى أن «الاسم ما زال مقترحاً وليس معتمداً نهائياً». بينما يشير اطلاعنا على القانون إلى أن مشروع القانون الجديد لا يلغي أي قانون سابق له، ما يتناقض تماماً مع فكرة توحيد القوانين والتشريعات بل يضيف تشريعاً جديداً يزيد من تعدد المصادر التشريعية بما يتعلق بالمخالفات، وبالتالي يخفف من العقوبات الشديدة المتوقعة.

تخفيف العقوبات.. والأمر للقاضي!

تناقش الوزارة حالياً غرف التجارة حيث تجري مناقشات لعقوبات وبنود نص عليها القانون بين التجار ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وحول الخلافات بيّن دخاخني أن «الخلاف كان يدور على بعض العقوبات المتشددة التي يتضمنها القانون، إزاء بعض المخالفات، التي وجدها التجار غير مستوجبة لهذا النوع من العقوبات، حيث يعاقب القانون مثلاً مخالفة عدم تداول الفواتير والبيع بسعر زائد أو عدم الإعلان عن السعر بالحبس والغرامة معاً، في حين يرى التجار أنها عقوبة مبالغ بها، ومن العادل أن تكون الغرامة فقط». وأضاف دخاخني إن «النقاشات أفضت إلى عدم حصر العقوبة بالحبس والغرامة معاً، بل بمنح القاضي دوراً فاعلاً في الحكم على ظروف كل مخالفة، واستبدلت العقوبة بالحبس أو الغرامة بدلاً من الاثنتين معاً».

الحبس.. للغش والاحتكار

وعن أبرز المخالفات التي نص القانون بمعاقبة مرتكبها بالحبس، قال دخاخني إن «عقوبة الحبس تم فرضها على ممارسي الغش والاحتكار، لما لممارساتهم من أثر ضار على المواطن والسوق». مع أن القانون لا ينص على الحالة التي تصنف احتكار، والتي تتبع لقانون آخر هو قانون المنافسة ومنع الاحتكار.

القانون مطلبنا القديم

وحول رأي جمعية حماية المستهلك بمواد القانون، أكد دخاخني أن «توحيد التشريعات كان مطلباً ملحاً منذ زمن، وتم تأجيله فترة من الوقت، قبل أن تفرض الظروف الحالية وارتفاع الأسعار الكبير مع انتشار الغش والسلبيات المتعددة في الأسواق، الحاجة مجدداً وبشكل ملح لإعادة النظر بالقوانين السابقة، لردع المخالفين والمتعدين على لقمة المواطن، خاصة مع ضعف القدرة على تأمين مستلزمات المستهلك»، لافتاً إلى ضرورة هذا الإجراء، نتيجة تكرار المخالفات في القوانين المعنية مع تعدد العقوبات المفروضة بموجبها، وضرورة توحيد الجهة الرقابية. ويبقى التساؤل كيف يحقق القانون الجديد هذه العملية وهو لم ينص في أي مادة ضمنه على إلغاء القوانين والقرارات السابقة؟!

القرار القضائي تفادياً للتشهير

وحول تضمن مشروع القانون للقوائم البيضاء والسوداء للتجار، أكد دخاخني أن «القانون الجديد يلحظ إصدار قوائم بيضاء وسوداء، تفصل بين التجار ممن يمارسون الغش أو يبيعون بسعر زائد، وبين التجار الملتزمين بالأسعار وبالمواصفات، بحيث تعطي كل فئة حقها، في الوقت الذي يحتاج فيه إصدار مثل هذه القوائم إلى قرار قضائي منعاً للفوضى والظلم والتشهير الذي قد يحصل»
وأوضح دخاخني أن «اللجنة التي تجتمع حالياً وبشكل متكرر تتخذ قراراتها بالأغلبية بعد التصويت على كل ما يتم طرحه في اجتماعاتها».
ونشرت وزارة العدل على موقعها الالكتروني بالتنسيق مع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مشروع قانون التموين والجودة، في كانون الأول الماضي، ولكنك لا تستطيع ان تجده اليوم في الوقت الذي يحتدم النقاش حول الموضوع.

ملاحظات الصناعة على القانون
وأرسلت وزارة الصناعة كتاباً إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وضعت بموجبه عدة نقاط على مشروع قانون التموين وضبط الجودة، بينت فيه أن مشروع القانون يشهد تكراراً لعقوبات المخالفات التموينية. وركزت أغلب الفعاليات الصناعية على موضوع الجودة والرقابة والمعايير، وعلاقتها مع المعايير الدولية، حيث تضمنت المادة 49 من مشروع القانون مطابقة المنتج للمواصفة من دون بيان المواصفات المقصودة هل هي سورية أم دولية أم أوروبية أم متوائمة أم قرارات صادرة عن الوزارة أو غيرها من الجهات المعنية، وحذفت تعاريف المواصفات مما يتطلب ذكرها، كما اعترضت الصناعة أن اتفاقيات تحرير التجارة وبناء على متطلبات اتفاقيات منظمة التجارة الدولية تنص على التوجه نحو التطبيق الطوعي للمواصفات وارتأت أن الإلزام بها في القانون هو مخالفة للاتفاقيات التي تسعى سورية للانضمام إليها بحسب الصناعة!

القانون في مراحلة النهائية
وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك سمير قاضي أمين، أكد مؤخراً أن مشروع قانون التموين الجديد في مراحله الأخيرة، وأشارت معلومات لقاسيون أن النقاش حول التعديلات انتهى وانتقل القانون إلى رئاسة مجلس الوزراء لإحالته لمجلس الشعب، ومن ثم إقراره.

الدولة لا تمتلك أدوات فعلية لقانون فعال..

ألغيت خلال مرحلة ما قبل الأزمة قوانين مراقبة السوق والأسعار، واقتصرت التشريعات على قانون «حماية المستهلك» الذي يسمح للدولة بمراقبة الجودة، وليس السعر، وقد أتى هذا متسقاً مع سياسة الخطة الخمسية العاشرة بتحرير الأسعار في السوق. خلال الأزمة استطاعت قوى السوق التي أصبحت تتحكم بعرض السلع مع تراجع دور الدولة الإنتاجي أن تتمادى كثيراً في فرض أسعار احتكارية مستفيدة من الفوضى التي تخلقها الأزمة، ولم تستطع الدولة أن تقف في وجه هذه العملية، وهي لا تملك أدوات حقيقية تشريعية أو اقتصادية، فهي لا تستطيع أن تعاقب المخالفين، بظل وجود قانون سابق يعطيها دور الإشراف على الجودة لا أكثر، ولا تستطيع تأمين بديل جدي ومنافس عن السوق، إذا بقيت مؤسسات التدخل الإيجابي تعمل بمنطق التاجر والمستورد والمستثمر، ولا تقوم على أساس تصريف إنتاج القطاع العام.
تمادي قوى السوق خلال الأزمة جعل طروحات التسعير الإداري وتعديل قانون التموين باتجاه توسيع العقوبات والمخالفات وتشديدها، وتحويله إلى قانون «تموين وتسعير» والاتجاه نحو، تأخذ مداها وتطرح للنقاش، ولكن المماطلة هي إحدى أهم أدوات تفريغ كل اتجاه إيجابي من مضمونه! فمنذ الشهر الثامن من عام 2013 أعلن أن رئاسة مجلس الوزراء كلفت وزيري التجارة الداخلية والاقتصاد خلال أسبوعين بوضع قوائم التسعير الإداري لحل قضية التسعير الإداري أي سيتم وضع تسعيرة من الدولة لأكثر من 80% من البضائع وعلى أساسها يفترض أن توضع قوانين التموين والعقوبات، ولكن هذا لم يتم حتى اليوم، حيث تختزل كل الطروحات الإيجابية التي قدمتها الأزمة مع اقتراب انتهائها، بحيث يماطل «رجال السوق» في جهاز الدولة وخارجه للمحافظة على النهج الليبرالي وصيانته في وجه ضغط الأزمة الوطنية التي كشفت كارثية نتائجه..!