نهاية عقد.. بمزيد من «الجشع»

نهاية عقد.. بمزيد من «الجشع»

أعلن في رئاسة مجلس الوزراء عن تشكيل لجنة مصغرة للاطلاع على إمكانية تحويل شركتي الخليوي العاملتين في سورية من عقود «بي أو تي» إلى عقود ترخيص، وهو ما يعني خصخصة الشركتين بالكامل، وإلغاء حصة الدولة التي يجب أن تصل إلى 60% في عام 2016 في حال تمديد عقد «بي أو تي»، وإنهاء ملكيتها القانونية للتجهيزات التي يجب أن تعود لها بعد انتهاء مدة العقد، مقابل عقود الترخيص التي تنص على أن تعطي الشركتان للدولة نسبة سنوية ثابتة أقل ومبلغاً مالياً غير محدد بعد، بينما تصبح شركتا الاتصالات الخليوية بتجهيزاتها وإيراداتها عائدة بالكامل إلى «مالكي» الشركتين، فإلى متى تقدم الدولة التنازلات عن الحقوق العامة، مقابل المزيد والمزيد للبعض، وهل الخصخصة ستكون مصير كل عقود «بي أو تي» تحت شعار «التشاركية»؟!

من مشروع برنامج الإرادة الشعبية


ورد في الجانب الاقتصادي الاجتماعي من مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية:
«وضع يد الدولة على شركات القطاع الخاص ذات الريعية العالية وبشكل خاص شركات الاتصال الخليوي، وطرد الاستثمارات الخاصة من القطاعات السيادية كالمرافئ وتأميم شركات النفط، لتشكل مداخيلها داعماً أساسياً في عملية إعادة الإعمار والاستثمار اللاحق..»
ويأتي السياق الوارد أعلاه بالإضافة إلى أموال الفساد كأحد أهم مصادر الموارد الحكومية اللازمة لعمليات الاستثمار، بهدف بناء النموذج الاقتصادي الجديد المطلوب وشعاره الأول بحسب رؤية حزب الإرادة الشعبية هو: »أعمق عدالة اجتماعية لأعلى نمو اقتصادي «حيث يستكمل مشروع البرنامج في شرح الشعار السابق وهو نقطة انطلاق النموذج الاقتصادي المطلوب: «إن أي نمو لاحق لم يعد ممكناً دون إعادة توزيع جدية للثروة الوطنية لمصلحة القوى المنتجة بالتحديد. حيث تتوزع الثروة (الدخل الوطني) حالياً على شكل (80% لأصحاب الأرباح الذين لا يتجاوزون 10% من السكان، و20% لأصحاب الأجور الذين يشكلون حوالي 90% من السكان) وكسر هذا الشكل من التوزيع وتصحيحه ليصبح كخطوة أولى بحدود (50%، 50%) يحتاج زمناً بين 5 و7 سنوات ضمن دور قوي ذكي ومرن للدولة مضبوط بأعلى درجات الرقابة الشعبية..»
إن السير الذي تدفع باتجاهه بعض القوى الاقتصادية الكبرى، ينسجم معه أصحاب القرار السياسي في الاقتصاد السوري بدليل تسارع القرارات التي تؤدي إلى مزيد من التوزيع الجائر للثروة، والذي تسرعه إلى الحد الأقصى عملية خصخصة قطاعات الدولة الكبرى، مقابل حصولها على مبالغ سنوية فقط، وخروجها من العملية الإنتاجية والاقتصادية المباشرة في قطاعات سيادية ورابحة. حيث يؤدي هذا كله، إلى خسارة آخر نقاط القوة الاقتصادية للدولة بعد أن أفقدتها الأزمة كثيراً منها، فاحتياطي العملات الصعبة مثلاً يعتبر نتيجة وتجلي لدور الدولة الاقتصادي وقدرتها على التحكم، والذي خسرته الدولة السورية بسبب الإدارة السيئة وعدم المحاسبة وسياسات التحرير ودعم التجار والسوق، وربحته قوى السوق، ودفع السوريين خلال الأزمة ثمنه، وقد يدفعونه بعدها إذا لم يعملوا لحماية جهاز الدولة ودوره الاقتصادي واستعادته ممن استلبوه..

«ترخيص» الخليوي: خصخصة كاملة في «بدل الضائع»..!

تشير التصريحات الحالية بأن الحكومة - وبدفع من القوى التي تريد أن تستفيد من ظرف الفوضى الحالي وتلعب في الوقت «بدل الضائع»، محاولة تثبيت هيمنتها على موارد الدولة السورية-، تسعى إلى اتخاذ الخيار الأسوأ بالخصخصة الكاملة للشركتين، و«بيع» ملكيتها من التجهيزات التي تقدر بين /75-100/ مليار ل.س وحصتها المتزايدة من الإيرادات (التي تبلغ اليوم 50% وستتزايد إلى 60%)، وهذا إثبات على أن سياسة الحكومة خلال الأزمة برفع الدعم وتخفيض الإنفاق القائمة على فكرة «ضرورة البحث عن الموادر في ظل تراجعها» ليست سوى ذريعة، حيث تتخلى الحكومة عن مورد هام، بتسليم قطاع عالي الإيرادات كالاتصالات الخليوية «لأشخاص»، بينما الخيار مفتوح أمامها بمصادرة هذه الإيرادات ككل، وتحويلها إلى مال عام ومصدر للموارد..!

عيوب «B.O.T» ترسخها الخصخصة

ناقشت قاسيون في العدد رقم «616» بتاريخ 25/8/2013 في مادة بعنوان «الجدل المؤجل يعود: الاتصالات بعد 2014 لمن..؟»، حيث وضحنا مشاكل العقود الحالية «B.O.T» وعيوبها التي تترسخ في عقود الترخيص حيث تأتي سورية في المرتبة الثالثة بين الدول العربية التي يستحوذ فيها القطاع الخاص على أعلى إيرادات الاتصالات الخليوية، وأوسع مستوى لخصخصة القطاع، وتتبوأ شركات الاتصالات المراكز الأخيرة من حيث التنافسية (17 من أصل 19)، ومراكز متقدمة من حيث ارتفاع الأسعار (المرتبة الثالثة في سعر الرسائل النصية ومسبق الدفع) وهذا بحسب تقرير لمجموعة المرشدين العرب في عام 2012 بعنوان «مستوى الخصخصة في أسواق الاتصالات الخليوية العربية»، يضاف إلى ذلك أن أعضاء مجلس الإدارة في البالغين 10 أعضاء حصتهم 91% من الموجودات على الرغم من أن عدد المساهمين يبلغ 6600 مساهم في شركة «سيرتيل» على سبيل المثال. كل هذه العيوب ستترسخ بمجرد تراجع حصة الدولة وملكيتها للتجهيزات وفق ما تنص عليه عقود الترخيص، مع العلم أن الدولة لم تحصل على حصتها كاملة في عدة سنوات من العقد، ففي كل من أعوام 2009-2010-2011 من المفترض أن تبلغ حصة الدولة 50% بينما لم تحصل إلا على نسب: 46.9%-47%-47.5% على التتالي، مع العلم أن فارق 1% يعني بالمحصلة النهائية 775 مليون ل.س وسطياً، فكيف إذا ما كان الفارق في النسبة بحدود 3-4%؟!
عوضاً عن السؤال عن هذه المبالغ المنقوصة من المال العام، فإن الحكومة تشيد بأداء الشركتين وتؤكد على إيجاد صيغة تعاقدية تعبر عن «حرص الحكومة على الوقوف إلى جانب شركتي الاتصالات الخلوية ومساعدتهما على الاستمرارية» وفق ما ورد في الخبر الرسمي من وكالة سانا، وبأن الصيغة العقدية الجديدة يجب أن «تحقق استثمارات إضافية تعزز الاستمرارية وتحقق أفضل الخدمات للمواطنين وعدم تحميلهما (الشركتين) أعباء مالية جديدة » مع العلم أن الحكومة قد وافقت على رفع أسعار الاتصالات بمتوسط 45% على مجمل الخدمات، وتصل إلى 100% في بعضها كما في خطوط الجيل الثالث، وقد قدرنا ارتفاع إيرادات الشركتين من هذا الرفع في الأسعار لتبلغ 129 مليار تقريباً، وذلك في مادة بعنوان «الاتصالات أكبر الرابحين.. يحمل المواطن خسائر الأزمة» الصادرة في العدد رقم «618» بتاريخ 7/9/2013.

ثلاثة احتمالات.. والحكومة تختار الأسوأ

ناقشت قاسيون سابقاً الاحتمالات المطروحة للتعامل مع الشركتين بعد صدور قانون الاتصالات رقم /18/ لعام 2010، الذي نص على ضرورة إعادة هيكلة قطاع الاتصالات ولكنه لم ينص على شكل محدد لعقود الدولة مع شركات الاتصال الخليوية وترك الاحتمالات مفتوحة، وقدرت إيرادات الدولة في كل احتمال من عام 2013 وحتى عام 2016 العام الذي ينتهي عقد «B.O.T» فيه كما في الصيغة الأولى، وكانت النتائج التالية:
• استمرار عقد «B.O.T» حتى عام 2016: أي استمرار عقد «B.O.T» حتى نهايته وفق الصيغة الاولى للعقد، وهذا الخيار يحقق عائد للدولة حتى عام 2016: 200 مليار ل.س تسير باتجاه التزايد.
• الترخيص للشركتين: أي ملكية كاملة للقطاع الخاص، وهذا الخيار يحقق عائد للدولة حتى عام 2016: 300 مليار ل.س تسير باتجاه التناقص.
• التأميم: أي أن تنهي الدولة عقد «B.O.T» وتستلم التجهيزات وعملية التشغيل كما ينص العقد وتعود لها كامل الإيرادات، وهذا الخيار يحقق عائد للدولة حتى عام 2016: 400 مليار ل.س تسير باتجاه التزايد المتسارع.
* حسبت الأرقام بالافتراضات التالية: أولاً: الإيرادات السنوية ثابتة لكلا الشركتين وتبلغ 100 مليار ل.س بأخذ وسطي إيرادات سنة 2012 أساس، ثانياً: في حال الترخيص قدر المبلغ الذي ستدفعه الشركتان للدولة مليار دولار وهو ما تم تداوله إعلامياً سابقاً، والنسبة الثابتة 25%، ثالثاً: في حال التأميم قدرت قيمة تجهيزات الشركتين بمليار ل.س.
مصير الخيارات الثلاثة بعد عشر سنوات وبافتراض نمو الإيرادات بنسبة 3% فقط:
• استمرار عقد «B.O.T»: يبلغ عائد الدولة: 512 مليار ل.س.
• الترخيص للشركتين: يبلغ عائد الدولة: 465 مليار ل.س.
• التأميم: يبلغ عائد الدولة: 1060 مليار ل.س.

من «الضعفاء» إلى «الأقوياء»

تميل الحكومة اليوم إلى خيار الخصخصة الكاملة وترخيص الشركتين، وفي ذلك إساءة لإدارة المال العام وهدر له، وتناقض كبير بين سياسات تأخذ من جيوب المواطنين جراء ارتفاع أسعار المازوت والبنزين والغاز وغيرها من المواد المدعومة بحجة تراجع الموارد، وتقدم لكبار أصحاب الربح كامل الحق في استثمار قطاعات سيادية عالية الربح كالاتصالات.