جمعية الصاغة:لا تزوير.. و(ليرة الذهب) منعاً للدولار!
في الوقت الذي بات الادخار بالعملة السورية أمراً غير مضمون بالنسبة للكثير من السوريين، بسبب تدني قيمتها وسعر صرفها أمام الدولار الأمريكي، وجد الناس في الذهب ملاذاً آمناً يحفظ لهم قيمة أموالهم، بينما وجد آخرون الاستقرار في الدولار الأمريكي نفسه
إلا أن التقلبات الكبيرة لسعر الصرف وتأثره بالأحداث السياسية المتعلقة بالأزمة السورية، أثبت أن الذهب أكثر استقراراً وأماناً من الدولار، ما شجع الناس على شرائه، وخاصة الليرات والأونصات الذهبية الأقل خسارة من المشغولات الأخرى، التي تخسر أجرة تصنيعها عند البيع، ويشكل فارقاً كبيراً بين سعر الشراء وسعر المبيع.
واقتصرت حركة البيع والشراء في سوق الذهب في فترات سابقة على الليرات والأونصات الذهبية، نظراً للارتفاع الكبير في سعر الغرام، متأثراً بارتفاع أسعار الذهب عالمياً، وبارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي محلياً، إذ يسعر الذهب بالدولار، ثم يتم احتسابه بالليرة السورية استناداً لسعر صرف الدولار لحظة البيع.
الليرة السورية في السوق منذ مطلع العام الحالي
ومن جهتها الجمعية الحرفية للذهب والمجوهرات، طرحت منذ عام 2013 فكرة تصنيع ليرة ذهبية سورية، ولاقت الفكرة ردود أفعال متباينة، بين المواطنين، متساءلين عن شكل الليرة والهدف من طرحها، وتأثيرها على العملة السورية.
ووافق مجلس الوزراء في شهر تشرين الأول 2013، على تصنيع ليرات ذهبية سورية بوزن 8 غرام حصرا وعيار 21، إضافة إلى تصنيع مخمسات ذهبية بوزن 40 غراماً وعيار 21, كما وافق على تصنيع نصف ليرة ذهبية بوزن 4 غرامات حصرا وعيار 21، وفق الشروط المتضمنة أن يتم التصنيع ضمن ورشات مرخصة، وأن يكون صاحب المنشأة منتسباً للجمعية الحرفية وبريء الذمة تجاهها وتجاه الدوائر المالية ومسددا لرسم الإنفاق الاستهلاكي.
وتم طرح الليرة الذهبية السورية في أسواق دمشق بداية، في نهاية كانون الثاني الماضي.
بعض الورشات اشتهرت بالتزوير
وحول موضوع الليرة الذهبية والقطع المزورة التي وجدت في أسواق الذهب مؤخراً وحال ورشات تصنيع الذهب، توجهت (قاسيون) إلى رئيس الجمعية الحرفية للذهب والمجوهرات غسان جزماتي، حيث قال إنه «تم ضبط القسم الأكبر من الليرات الذهبية المزورة في دمشق، ويمكن القول إن السوق حالياً شبه خال منها».
وأوضح جزماتي إن «بعض المواطنين جاؤوا إلى الجمعية مشتكين شرائهم ليرات مزورة من ورشات معينة باتت معروفة بتزوير الليرات الذهبية، فقمنا بالتواصل مع الورشات، حيث قبل بعضهم تبديل تلك الليرات بأخرى مضبوطة الوزن والعيار، بينما رفضت ورشات أخرى متنكرة للتهمة»، لافتاً إلى أن الجمعية ليس لها صلاحية إغلاق الورشات، إلا عن طريق الاتحاد العام للحرفيين واتحاد حرفيي دمشق.
وعن الخسارة التي سببتها القطع المزورة للمواطنين، قال جزماتي إن «ارتفاع سعر الذهب بين فترة شراء الليرات ومبيعها بالنسبة للبعض، شكل نوعاً من التعويض لهم».
وأكد رئيس الجمعية إن الورشات التي تمارس تزوير الذهب، باتت مشهورة ومن الممكن التعرف عليها من الدمغة الموجودة على القطعة، حيث يكون التزوير بالعيار والوزن فقط، بينما شاع مؤخراً قيام بعض المواطنين ببيع قطع نحاسية بفواتير مزورة، مستغلين تساهل بعض الصاغة في التدقيق بالقطعة عند شرائها، والاكتفاء بوزنها، ما استوجب التعميم على كافة محلات الصاغة بضرورة التقيد بالتدقيق في كل المعروضات قبل اقتنائها والتأكد من أنها ذهب خالص.
قوالب تصنيع الليرة السورية من دمشق إلى حلب
وعن الليرة الذهبية السورية، قال جزماتي إنه «تم بيع 8 آلاف ليرة ذهبية سورية في دمشق وحدها منذ طرح الليرة، بينما تم مؤخراً طرحها في حلب بعد إرسال القوالب إليها»، متوقعاً إقبالاً متزايداً مع الأيام لشرائها.
وكان رئيس الجمعية الحرفية للصياغة والمجوهرات في حلب عبدو موصللي، أكد البدء بطرح الليرة الذهبية السورية في أسواق المحافظة، حيث تم تصنيع 200 ليرة ذهبية وطرحها في أسواق حلب، عقب دمغها بخاتم الجمعية على أن يتم خلال الأيام القليلة القادمة طرح كميات اخرى بما يلبي رغبة المواطنين لاقتنائها.
ولفت موصللي إلى أن أسباب تأخر طرح الليرة الذهبية السورية في أسواق حلب مقارنة بأسواق دمشق، يعود إلى قيام الاتحاد العام للحرفيين بحصر تصنيع قالب الليرة الذهبية بدمشق.
توجيه الناس للذهب السوري بدل الدولار
وعن الهدف من طرح الليرة، بين جزماتي إن «طرح ليرة ذهبية سورية، ساعد بتنشيط حركة البيع والشراء في سوق الذهب، فضلاً عن أنه يقلل من توجه المواطنين لشراء الدولار الأمريكي، ويدفعهم لشراء الليرة السورية بدلاً عنه، كما تهدف جمعية الصاغة من وراء هذا الاقتراح الى جعل الليرة الذهبية منافسا حقيقيا في رواجها وقيمتها الادخارية والمعنوية لليرات الذهبية».
وفيما يتعلق باحتمالات التزوير، نفى جزماتي إمكانية تزوير الليرة الذهبية السورية، نظراً للتدقيق والمتابعة الشديدة من قبل الجمعية لكافة الورشات التي تم بيعها قالب صب الليرة.
كما أكد جزماتي إن الحكومة لم تقم بوضع شروط لتحديد عدد الليرات الذهبية المقرر تصنيعها على الإطلاق، بل منحت للجمعية موافقتها على التصنيع وفق مواصفات معينة.
وتم توحيد صانع القالب اتقاءً لاختلاف الرسمة الموضوعة على الليرة السورية الذهبية، ويبلغ سعر القالب الواحد 40 ألف ل.س، ويباع للحرفيّ بـ45 ألف ل.س، ويدخل منها 5 آلاف ل.س لصندوق الجمعيّة بموجب ايصالات رسميّة.
وتم اعتماد قلعة دمشق وسوق الحميدية وقلعة حلب كنقشة على الليرة السورية الذهبية، لاعتبارها رمزاً وطنيّاً، ولم يتم اعتماد رمز النّسر المتواجد على العملة السورية حتى لا تعتبر نقداً يتداول بين الناس.
ورشات الذهب تعود للسوق
أما حول ورشات تصنيع الذهب في دمشق، فقال جزماتي إن «ما يقارب 70 ورشة من الورشات التي توقفت عن العمل بسبب الأزمة، عادت مؤخراً للعمل وسددت كافة الاشتراكات المتراكمة عليها لسنوات عديدة، حيث كان عدد الورشات حوالي 300 ورشة، تقلص عددها خلال الأزمة إلى 50 ورشة، أما حالياً وبعد عودة جزء منها للمهنة، يمكن القول إنها بلغت 150 ورشة، في حين يوجد 1200 حرفي منتسب للجمعية الحرفية لللذهب والمجوهرات بدمشق».
وباستعراض المتوسط الشهري لأسعار الذهب من عيار 21 قيراط على مدار عام 2013، كان متوسط السعر لشهر كانون الثاني 4355 ليرة، وشهر شباط 4346 ليرة، وفي آذار بلغ الوسطي 4445 ليرة، وفي نيسان بلغ 5235 ليرة، وفي أيار 5550 ليرة سورية، وحزيران 6705 ليرات، وتموز 8065 ليرة، لينخفض في آب إلى 7975 ليرة، أما في أيلول فبلغ وسطي السعر 8104 ليرات، بالنظر إلى ارتفاع الدولار خلال الشهر إلى 330 ليرة، ووصل في منتصف أيلول إلى 11 ألف ليرة سورية، ليسجل في تشرين الأول 6633 ليرة، وهو بداية الانخفاض للذهب، ليواصل انخفاضه في تشرين الثاني إلى 5592 ليرة، وفي كانون الأول بلغ 5205 ليرة.
الذهب.. من كل السوريين إلى بعضهم
تاريخياً كان شراء الذهب وامتلاكه هو وسيلة السوريين للادخار، ووسيلة بعضهم للاكتناز.. حيث يبقى المعدن الأصفر أكثر أشكال البضاعة اقتراباً من النقد المباشر وأكثرها محافظة على قيمته..
انتقال الذهب من صغار مدخريه إلى السوق ومنها إلى كبار مكتنزيه هو إحدى تعبيرات الأزمة السورية، وهي عملية لا ترتبط بالأزمة فقط، وإنما تعود لما قبلها.. إلا أنها أخذت أقصى أبعادها خلالها.
اتسمت أسعار الذهب في السوق السورية بالارتفاع دائماً مع تراجع قيمة العملة السورية قبل الأزمة وخلالها، ولكنها تقلبت أيضاً نتيجة ارتباطها القوي بالسوق الدولية وأسعارها.. اليوم سمحت الحكومة بصياغة ليرة ذهبية سورية جديدة في دمشق وحلب كوسيلة لحفظ قيمة الثروات بعيداً عن العملات المعرضة للتقلب.. الإقبال على شراء هذه الليرات الذهبية وكميات إنتاجها، مقابل بيع كامل مدخرات العائلات السورية المتوسطة من خزان العمر الذهبي، هو تعبير مباشر عن انتقال الثروة الحقيقية خلال الأزمة من فئات إلى فئات أخرى.. من الذين دفعوا ثمن تدهور قيمة العملة والتضخم، إلى الذين قبضوه..