في ضوء تصريحات جيفري... هل واشنطن حليفة لتركيا أم للأكراد؟
سعد صائب سعد صائب

في ضوء تصريحات جيفري... هل واشنطن حليفة لتركيا أم للأكراد؟

 ألقى جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي السابق لسورية والمستقيل من منصبه منذ أيام، وخلال لقاء مع موقع Defense One يوم الخميس الماضي 12 تشرين الثاني، بجملة من «التصريحات الختامية» حول الدور الأمريكي في سورية، السابق والمتوقع لاحقاً...

 وقد عالجت مادة في العدد الأخير من قاسيون بعنوان (جيفري يريد لـ«مهمة المستنقع» أن تستمر... «الجمود/ الطريق المسدود هو الاستقرار»!) قسماً أساسياً من تلك التصريحات.

نتناول هنا بشكل خاص تصريحاته المتعلقة بالكرد السوريين وطبيعة العلاقة معهم، ونبدأ بإيراد ما قاله حول هذه المسألة ضمن اللقاء.

«لا أحد في واشنطن أعطى الأكراد ضمانات عسكرية ضد تركيا. لا يمكنني أن أضع إصبعي على ذلك، «لكن» كل زعيم كردي أعرفه يعتقد أنه حصل على مثل هذا الضمان من قبل أشخاص في الميدان «من العسكر الأمريكي»، وكان لذلك تأثير على كيفية تصرفهم بما في ذلك كيفية تصرفهم اتجاه الأتراك. لذلك كانت هنالك فوضى سياسية معقدة للغاية».

ليس من الصعب الاستنتاج أن ما يقصده جيفري بـ«الفوضى السياسية المعقدة للغاية» هو بالضبط العدوان التركي على شمال شرق سورية يوم 9 تشرين الأول 2019، والذي جرى تحت مسمى «نبع السلام» والذي أدى إلى احتلال تركيا لمساحات إضافية في سورية هي بالضبط تلك التي انسحب منها الأمريكان قبل ثلاثة أيام فقط من بدء العدوان (في 6 تشرين الأول)، وضمن عملية استلام وتسليم بين الدولتين، ولكن عبر حرب كان وقودها الأساسي مقاتلون سوريون على الضفتين، وهي «الفوضى» التي كان يمكن لها أن تمتد أبعد من ذلك بكثير لولا الاتفاق الروسي التركي الموقع بين رئيسي الدولتين في سوتشي يوم 22 من الشهر نفسه. 

الوقائع تتكلم...

قبل المضي أبعد من ذلك في قراءة معاني كلمات جيفري، لا بد من الإشارة إلى أنّ «الفوضى» التي يتحدث عنها جيفري، ليست نتيجة غير متوقعة للسياسة الأمريكية اتجاه سورية، بالأحرى فهي النتيجة المطلوبة بالضبط؛ فعبر الإيحاء الأمريكي الكاذب بالوقوف إلى جانب كل الأطراف المتحاربة في الوقت نفسه، فإنها تقف فعلياً ضدهم جميعاً ومع الحرب المستمرة بينهم. فقبل لقائه الأخير المشار إليه هنا، لم يكن هنالك من دلالة أكثر وضوحاً (عدا عن السلوك الفعلي طبعاً) سوى تصريحات جيفري نفسه حول وظيفته في تحويل سورية إلى مستنقع.

في اللقاء الأخير، يضع جيفري الأمور بشكلها الأكثر فجاجة ووقاحة حين يقرّ بأن السياسة الأمريكية في سورية لا تتعلق بإحداث أي تحول، بل هي بالضبط: «الجمود/ الطريق المسدود هو الاستقرار»؛ أي أنّ المطلوب هو استمرار الاستنزاف وعدم الوصول إلى حل.

هذه العبارة تكفي وحدها لتفسير السلوك الأمريكي اتجاه الأكراد والأتراك على حد سواء، بل واتجاه النصرة أيضاً والنظام السوري ومختلف القوى الموجودة على الساحة السورية.

أهداف التصريحات

مع ذلك، فإنّ الإشارة التي يلقيها جيفري بما يخص الأكراد تحمل في طياتها على ما نعتقد الأهداف التالية:

  • تكريس مزيد من الضغط على قسد ومسد عبر التلويح الصريح مجدداً بأنّ لا ضمانات عسكرية اتجاه تركيا، ما يعني أنّ الأمريكي لن يقف في وجه غزو تركي جديد، خاصة وأن تركيا لا تكف عن وصف قسد بأنهم إرهابيون، ولا يمر أسبوع لا يصدر عن مسؤوليها تهديدات باجتياح جديد للمنطقة.
  • الهدف الأساسي من الضغط هو تمرير ما تسعى إليه واشنطن في الشمال الشرقي وهو نسف مركز القوة السياسي والعسكري الموجود بيد قسد/مسد لتحل محله ثلاثة أو أربعة مراكز قوى عسكرية وسياسية متصارعة: 1- قسد نفسها بعد تقليص نفوذها، 2- البيشمركة (عبر اشتراطات الأمريكان على الحوار الكردي-الكردي، 3- شخصيات لا قيمة لها يجري العمل على تضخيمها وتنصيبها ممثلة للعرب في الشمال الشرقي، (وفي السياق نستذكر استقبال نائب جيفري لرياض حجاب في لقاء استمر يومين متواصلين في واشنطن، رغم أنّ هذا الأخير يعلن صراحة رغبته في القضاء عسكرياً على قسد «حليفة الأمريكان» كما يصفها البعض!)، 4- الأتراك أنفسهم بما يسيطرون عليه من مساحات وما يعمل تحت إمرتهم من قوى سورية.
  • بوجود ثلاثة أو أربعة مراكز متصارعة في مساحة صغيرة، يمكن أن يضمن الأمريكان استمرار المستنقع في حال انسحابهم، (وهو الأمر الذي ربما يحصل في آجال غير بعيدة)، وبوجود هذه المراكز المتنافرة يمكن فتح الباب أمام جملة صراعات من نوع (كردي-كردي، عربي-كردي، كردي-تركي، سوري-سوري، وسوري-تركي).
  • وضمن عملية تأسيس «الطريق المسدود»، فإنّ ما لا ينبغي غيابه عن البال هو أنّ سياسة من هذا النوع، من شأنها إذا وقعت الأطراف المعنية في أحابيلها أن تخلق تناقضات إضافية بين ثلاثي أستانا، وتلك كانت مهمة جيفري الأولى طوال الوقت.

بالمجمل، فإنّ ما تؤكده لا التصريحات فقط بل والسياسات الفعلية أيضاً، هو أنّ واشنطن ليست حليفة لأي طرف من الأطراف العاملة على الساحة السورية (عدا الكيان الصهيوني طبعاً)، بل هي في الحقيقة عدو لها كلّها، وإدارتها لعملية التحالف والخصام تقوم على قاعدة واحدة ثابتة: «حرب الجميع ضد الجميع»، لتكريس «المستنقع»، ولتكريس «الطريق المسدود»، لتحقيق ذلك النوع من «الاستقرار» من وجهة النظر الأمريكية، والذي يعني بالضبط عدم الاستقرار من وجهة نظر المنطقة وشعوبها، وأكثر من ذلك استنزاف الخصوم الدوليين الصاعدين لمنعهم من الوصول إلى استقرار يكشف بشكل كامل التوازنات الدولية الجديدة التي سيجري طرح الدولار جانباً من معادلاتها القادمة...

(النسخة الإنكليزية)

آخر تعديل على الأربعاء, 18 تشرين2/نوفمبر 2020 22:49