انتشار الوباء في سورية بصمت..  بينما المقاربات (صارخة)!

انتشار الوباء في سورية بصمت.. بينما المقاربات (صارخة)!

تأخّر انتشار وباء كورونا في سورية قياساً بالعالم وبالإقليم، وإن كان هذا التأخّر يفيد في زيادة الخبرة البشرية مع هذا الوباء واقتراب إنتاج أول لقاح... إلا أن هذا لا ينفي أن الانتشار يضيف إلى قائمة الكارثة السورية بعداً جديداً، وتحديداً مع مؤشرات حجم الانتشار وضمن أية ظروف ينتشر!

الأزمة مليونية!...

تتفق تقديرات دولية أن الانتشار الواسع للوباء سيكون في شهر آب الحالي، ولا يوجد على مستوى البلاد والجهات الرسمية تقدير معلن للمسارات والسيناريوهات، ولكنّ مصادر إعلامية نشرت في الفترة الماضية عن مصادر ألمانية وروسية، أن الإصابات قد تتجاوز عتبة المليون، بينما صدرت- عن مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية- دراسة بحثية لبناء سيناريوهات لتقدير مسار الانتشار، لم تبتعد عن التقديرات السابقة.
أشارت الدراسة المنشورة بتاريخ 4-8-2020 إلى أنّ عدد الإصابات المقدّر لنهاية شهر تموز كان 35 ألف شخص، وأنّ هذا الرقم سينفجر في شهر آب وفق سيناريوهات متعددة مبنية على طبيعة السياسات والاستجابة، أسوأها قد يوصل عدد الإصابات إلى 2 مليون تقريباً في حال عدم وجود سياسيات أو استجابة (كما هو الحال اليوم)، وأفضلها يقول: إنه يمكن أن تنخفض الإصابات إلى 100 ألف إصابة نشطة حتى نهاية آب فقط، وذلك بشرط وجود إجراءات عالية الدقة واستجابة مجتمعية عالية! أما وسطياً فتتوقع الدراسة الوصول إلى 400 ألف إصابة نشطة وحوالي 24 ألف وفاة، وفق تقدير لنسبة وفيات 6% أعلى من الوسطي الدولي بـ 1,6 ضعفاً، وهو الذي يبلغ حالياً 3,7%.

 

9781-35

50 ألفاً قد يحتاجون إلى عناية مشدّدة في شهر!

ما الذي يعنيه وصول أزمة كورونا إلى عتبة المليون بظرف شهر؟! إنّه يعني: أن نرتفع سريعاً إلى المواقع الأولى في عدد الإصابات، فالبرازيل انتقلت بظرف أقل من شهرين إلى الموقع الثاني عالمياً من حيث حجم الانتشار، وقد نحتل الموقع الرابع في حال بقاء وتيرة الإصابات اليومية الروسية بمسارها المتراجع الحالي، حيث تحتل روسيا اليوم المرتبة الرابعة دولياً من حيث عدد الإصابات الإجمالية وبأقل من مليون إصابة، تسبقها الولايات المتحدة والبرازيل والهند، كما تشير بيانات WHO.
وبعيداً عن (المراتب الدولية) فإن الأهم هو: أنّ وصول الإصابات إلى مليون من أصل عدد إجمالي داخل البلاد أقل من 19 مليون مواطن، يعني إصابة نسبة 5% من السكان وهي نسبة كبيرة... والأخطر أن 50 ألف تقريباً من هذه الإصابات قد يحتاجون إلى عناية مشددة خلال شهر، وذلك بافتراض أن نسبة من يحتاجون إلى عناية في سورية قريبة من النسب الوسطية دولياً والبالغة 5% من الإصابات.
بينما عدد أسرّة العناية في سورية المزودة بأجهزة تنفس 325 سرير، قدّرت دراسات استيعابها لـ 6500 حالة مع انتشار كوفيد! وبينما سيتناوب المتوفون والمتعافون على الأسرّة فإن الكثيرين لن يحصلوا على العناية، ومع هذا المستوى من الانتشار ضمن أجل زمني ضيق فإن خطر زيادة معدل الوفيات وارد، والخطر على الكادر الطبي مرتفع مع مستوى (العناية) الحالي، هذا إذا ما أخذنا معدل وفيات 30 طبيب خلال 20 يوم تقريباً بينما لم نتجه نحو الذروة بعد!
إن الطاقات الاستيعابية للمشافي تقتضي أن يتم تخفيض الإصابات إلى 100 ألف تقريباً كي تستطيع غرف العناية إسعاف الجميع تقريباً، وهو ما يعني أخذ إجراءات بأعلى مستوى لحصر الانتشار السريع الحالي...
وقائع صحية سورية تثير تساؤلاً حول نسب الوفيات!
البحث المذكور، يعطي نسبة تقديرية للوفيات تقارب 6% في السيناريو النهائي الذي يتبناه، بينما إحصائيات وزارة الصحة تشير إلى أن نسبة الوفيات بسبب الكورونا من مجمل الإصابات المؤكدة تبلغ 4,5%، وكلا التقديرين أعلى من الوسطي العالمي البالغ حالياً: 3,7%.
ارتفاع نسبة الوفيات في سورية قياساً بالوسطي العالمي، لها الكثير من المبررات... فسورية اليوم قد تكون أقل دولة في العالم من حيث متوسط الدخل الفردي، بمعدل قد لا يتجاوز 1000 دولار سنوياً للفرد، مع كل ما يعكسه هذا من أزمات اجتماعية وصحية ضمناً، فمتوسط الدخل يعكس القدرة على الإنفاق على الغذاء والصحة، ومستوى الخدمات الاجتماعية العامة والقدرة على التعبئة والإنفاق الصحي الطارئ.
يضاف إلى ذلك النسبة المرتفعة لانتشار الأمراض المزمنة في سورية، حيث النسبة الوسطية تشير إلى أن 14,6% من السوريين يعانون من الأمراض المزمنة، وفق مسح المكتب المركزي للإحصاء لعام 2017.
إنّ هذه النسبة تعني: أن نصف السوريين داخل البلاد والذين عمرهم فوق 40 سنة يعانون من أمراض مزمنة: القلب والسكتة الدماغية والسرطان والأمراض التنفسية المزمنة والسكري وفق توصيف منظمة الصحة العالمية.
يضاف إلى ذلك أن نسبة الوفيات السورية بالأمراض القلبية والسكتة الدماغية (على وجه الخصوص) ازدادت خلال الأزمة دوناً عن ظرف الأوبئة، وقد ارتفعت بنسبة 34,6% للأولى و23,7% للثانية. وعملياً من كل 100 ألف وفاة مبكرة في سورية فإن 5172 منها ناجمة عن الجلطات ونقص التروية القلبية وتصلب الشرايين... وهو معدل مرتفع دولياً أعلى من الوسطي بمرتين ونصف، حيث 2100 وفاة قلبية لكل 100 ألف وفاة، تسجّلها

وسطياً مجموع الدول التي ننتمي إليها من حيث الدخل وهي (الدول المتوسطة ضمن منخفضة الدخل).
وحتى في منطقتنا الموبوءة بالكوارث والتوتر، فإن معدلات وفيات القلبية أقل منها في سورية، إذ تبلغ في العراق: 2276 وفية، وترتفع في لبنان إلى 3190 من كل 100 ألف، بينما في تركيا المعدل ينخفض إلى 1730. (IHME)

 

9781-11

دمشق وقائع من مركز الانتشار

المدن الكبرى، هي مراكز الانتشار وتحديداً في مدينتي دمشق وحلب، حيث أعلى كثافة سكانية في المساحة ضمن المدينتين، إضافة إلى أعلى مستوى من التنقل والدخول والخروج إليهما من المحافظات الأخرى ومن الخارج. ولكن وفق الأرقام الرسمية، فإن المركز الأساس للانتشار هو دمشق من حيث عدد الإصابات، وعدد الوفيات.
أفصحت محافظة دمشق عن عدد الوفيات اليومي خلال ثمانية أيام ضمن الانتشار المتوسع بين نهاية تموز ومطلع آب، ووفقها فإن وسطي عدد الوفيات اليومي بلغ 104 وفيات. وهو رقم كبير لمعدل الوفيات الوسطي في مدينة دمشق، التي سجّلت في عام 2018 معدل وفيات يومي وسطي: 32 وفية يومياً، وفق أرقام المجموعة الإحصائية السورية لعام 2018.
ما يعني: تضاعف الوسطي اليومي ثلاث مرات! وأنّه يمكن أن نقدّر أنه في حالة الانتشار هذه أصبح ثلثا الوفيات ناجماً عن الكورونا.
بالعموم، تسجل محافظة دمشق معدل وفيات سنوي أعلى من كافة المحافظات السورية (باستثناء حلب التي لا تتوفر حولها بيانات وفيات سنوية خلال سنوات الأزمة، بسبب عدم استكمال بيانات الريف).
وبالمقارنة مع المحافظات الأخرى، فإن معدل الوفيات في دمشق سنوياً بلغ: 11726 وفاة في عام 2018 تلتها ريف دمشق بـ 8200 وفاة تقريباً، ومن حيث معدل الوفيات السنوي قياساً لعدد السكان، فإن المعدل في دمشق أعلى منه في أية محافظة سورية أخرى.

 

9781-21

×3
تضاعف وسطي الوفيات اليومي في دمشق

عدد الوفيات اليومي الوسطي في دمشق بلغ في 2018: 32 وفية، بينما وصل الوسطي اليومي خلال ثمانية أيام من الذروة إلى 104 وفيات يومية بتضاعف 3,2 مرّة!

 

الأرقام مخيفة والوقائع باردة للآن

إن استطلاع مجموع البيانات والمقارنات حول احتمالات ووقائع انتشار الوباء في سورية، يدفع للقول: إنّ الوباء سينتشر بمستوى وبنتائج قد لا تكون مسبوقة في مكان آخر... وتستدعي بالفعل استنفاراً وحالة طوارئ، لن يكون بمقدور المنظومة السورية بتخلفها المتراكب مع ظرف العقوبات والحرب، وتراجع دور جهاز الدولة وهيمنة الفساد، أن تدير أزمة جديدة تضاف إلى جملة الأزمات السورية التي وصلت حد الجوع الواسع.
من الواضح أن السياسة المتبّعة حتى اليوم، هي تجاهل الاحتمالات المتفاقمة، وترك الأمور لسياسة (مناعة القطيع) بل أبعد من ذلك. هنالك تعنت على استمرار بعض النشاطات والتجمعات التي يمكن تأجيلها، مثل: الامتحانات، بل وحتى مهرجانات التسوق والطعام والملاهي في بلاد يوقف سوقها الفقر قبل الوباء، أي لن تكون هذه النشاطات ذات جدوى اقتصادية، وإن كانت فإن هذا غير مبرر في ظل الحديث عن احتمالات كارثة صحية.
كما تستمر حالات احتكار الأساسيات الوقائية، مثل: الكمامات التي لم تلزم الحكومة أحداً بها حتى بإجراء قانوني، هذا عدا عن أنها لم تسع لتأمينها وشراء كميات من إنتاجها وتوزيعها... مع العلم، أن إنتاجها المحلي واسع، ولكن احتكارها لم يسمح بتخفيض مستويات سعرها لتكون قابلة للتداول اليومي، ولتستطيع الأسر أن تلبس الكمامات وتبدلها، لتمارس هذا الحد الأدنى من الوقاية. هذا عدا عن اللباس الوقائي للكادر الطبي الذي يشهد معدل وفيات مرتفعاً خلال الفترة الماضية، لا يمكن السماح باستمراره...
يضاف إلى ذلك أزمة الدواء التي لم تجد لها حلاً، فالعديد من الأدوية مفقودة، وتضاعفت أسعارها... ولم تصرّح الوزارة عن مدى وفرة البرتوكول العلاجي المتبنى، وكلفه، بالقياس إلى معدل الانتشار. وتحديداً أنه حتى السيتامول المصنّع في تاميكو أصبح سعر الظرف منه يفوق 400 ليرة، بينما تكلفته في المصنع تقارب 235 ليرة.
لا توجد أية قدرة أو نية بالتعامل مع ظرف انتشار الوباء على أنه طارئ، كما لم يتم التعامل مع أي ظرف استثنائي سوري على أنه طارئ، وتنبغي إجراءات استثنائية. فعندما يصل الجوع إلى نصف السكان هو حالة كارثية كان ينبغي التعامل معها ولم تتم إلا مفاقمة الأزمة الموجودة.
لذلك فإن انتظار الحكومة ومن يوجهها للتعامل بالكفاءة المطلوبة هو بمثابة قبض للريح، فالمطلوب اليوم إجراءات استثنائية:
- توسيع قدرة المشافي وإنشاء مشافٍ ميدانية ومراكز عزل.
- اختبار مدى فعالية المنافس المطوّرة محلياً، وتأمين منافس إضافية في حال محدودية قدرتها. - توسيع عدد الاختبارات لكشف بؤر الانتشار المركّزة وحصرها.
- تخصيص مبالغ لتوسيع إنتاج الأدوية المكوّنة للبروتوكول العلاجي وتأمينها مجاناً.
- توسيع إنتاج الكمامات وتوزيعها مجاناً، لتستطيع الحكومة بعدها أن تفرض على المواطنين ارتداءها.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
978
آخر تعديل على الأربعاء, 12 آب/أغسطس 2020 20:13