السودان بعد سقوط الفاشر: تحرّكات دبلوماسية… مع استمرار المعارك!
معتز منصور معتز منصور

السودان بعد سقوط الفاشر: تحرّكات دبلوماسية… مع استمرار المعارك!

ما زالت تداعيات سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر- عاصمة ولاية شمال دارفور- تُشكّل محور التحوّلات الجارية في السودان، في ظل تصاعد ملحوظ في التحركات الدبلوماسية الدولية والإقليمية، بالتوازي مع استمرار التصعيد الميداني. وكان أبرز ما ميّز الأسبوع الماضي هو الزخم الدبلوماسي، خصوصاً الضغط السعودي-المصري المُكثّف لدفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه قوات الدعم السريع، وصولاً إلى وقف تمويلها وتزويدها بالسلاح والمقاتلين.

الميدان لا يزال مشتعلًا؛ المعارك مستمرة في إقليم كردفان، حيث دعا رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى التعبئة العامة، ورفض أي هدنة مع قوات الدعم السريع. وهذه الأخيرة، من جهتها، تواصل هجومها على مدينة بابنوسة، وتحاصر الفرقة 22 للجيش السوداني في غرب كردفان، في محاولة لبسط سيطرتها الكاملة على الإقليم الاستراتيجي.


اتهام مباشر لليبيا وتشاد والإمارات


على الصعيد الميداني أيضاً، وجّه الجيش السوداني سلسلة ضربات مكثّفة لقوافل الإمداد التابعة لقوات الدعم السريع، القادمة من المثلث الحدودي المشترك بين ليبيا وتشاد والسودان. ويتّهم الجيش صراحةً كلاً من ليبيا وتشاد بتوفير البنية التحتية اللوجستية لدولة الإمارات، التي تستخدم هذه المسارات لضمان تدفق مستمر للأسلحة والمرتزقة إلى جبهات القتال في السودان.
وجرى تنفيذ هذه الضربات بالتنسيق المباشر مع مصر، التي تعبّر بوضوح عن رفضها القاطع لأي سيناريو يسمح لقوات الدعم السريع بالوصول مجدداً إلى الخرطوم أو بتفتيت البلاد. وتقف المملكة العربية السعودية إلى جانب مصر في هذا الموقف، وتعمل الدولتان معاً لاحتواء التدهور المتسارع في السودان، ودفع الأطراف الدولية لاتخاذ خطوات فعلية.
في المقابل، تستمر دولة الإمارات ومن خلفها الكيان الصهيوني في دعم قوات الدعم السريع بشكل غير مباشر، رغم صعوبة تحمل التبعات الأخلاقية والسياسية للمجازر التي ترتكبها هذه القوات في المناطق الخاضعة لسيطرتها. أبو ظبي تراقب اليوم كيف يتحوّل الغضب الشعبي العالمي ضد الكيان الصهيوني جرّاء جرائمه في غزة، بالرغم من نفوذه الهائل في وسائل الإعلام وشبكات اللوبيات في الغرب. والسؤال الملحّ هنا: هل تتحمّل أبو ظبي حملة مماثلة من الغضب الدولي، لا سيما بعد أن باتت اتهاماتها بارتكاب جرائم حرب موثّقة في الفاشر؟
وفي سياقٍ متصل أعلنت دولة الإمارات عن اتفاق شراكة استراتيجية شاملة مع تشاد، يشمل 40 اتفاقية اقتصادية بقيمة 6.5 مليارات دولار. لكن جوهر الاتفاق لا يكمن في الاستثمار، بل في لقاء تنفيذ طلبات محدّدة: استخدام المطارات شرق تشاد، وضمان نفوذ إماراتي أوسع في وسط أفريقيا، والتأثير في مجموعة من الملفات الحيوية، من السودان إلى ليبيا، ودول الكونفدرالية غرباً.


المواقف الدبلوماسية: ضغط سعودي-مصري


ملف السودان كان حاضراً وبقوة في جلسات مجلس حقوق الإنسان، وفي اجتماعات وزراء خارجية مجموعة السبع، وكذلك في لقاء الرباعية الخاصة بالسودان، والتي تضم: المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة. وفي هذه المحافل جميعاً، وتحت ضغط سعودي-مصري، تم إصدار مواقف واضحة تُؤكّد على وحدة الأراضي السودانية، وترفض الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع، وتدعو صراحةً إلى وقف الدعم الخارجي لأي طرف في الصراع.
وقد صدرت عن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تصريحات واضحة، اعترف فيها بارتكاب قوات الدعم السريع جرائم في الفاشر، ودعا إلى حظر تزويدها بالسلاح، مهدّداً بإدراجها على القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية. لكن فهم الموقف الأمريكي لا يتأتّى من تصريحات روبيو بشكل منفصل، بل من تتبع تحوّلاته عبر مراحل الصراع: فعندما تقدّم الجيش السوداني وطرد قوات الدعم السريع من الخرطوم، فرضت واشنطن عقوبات عليه بذريعة استخدام «أسلحة كيميائية». هذا النمط يُظهر أن السياسة الأمريكية ترتكز على إضعاف جميع الأطراف، واستمرار الصراع، بما يسمح لها بـابتزاز الدول المؤثرة في الملف، كما يسمح استمرار الفوضى والنزاع في أي منطقة لنشر الفوضى في المناطق المجاورة.
فهدف واشنطن يظهر بشكل واضح في الضغط على كل من السعودية والامارات لضخ أموال هائلة في الاقتصاد الأمريكي وخاصة في شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي، وكذلك التأثير على علاقة كل هذه الدول المتزايدة مع الصين وعرقلة مشاريعها هناك.


الهدف الاستراتيجي: إطالة الصراع لابتزاز الجميع


وهكذا، يصبح واضحاً أن استمرار الحرب في السودان ليس عبثاً أو خللاً في إدارة الأزمات، بل جزءاً من استراتيجية مُخطّطة: فالفوضى المُنظّمة تسمح بتحريك ملفات أخرى، وفرض تنازلات سياسية واقتصادية من الجميع. والتوتر الآخذ في الارتفاع بين أريتيريا وإثيوبيا، واحتمالية انفجار الصراع في المنطقة لا تنفصل عن الصراع في المنطقة كاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1252