فنزويلا أمام امتحانٍ صعب... لكنه ليس بجديد
تتزايد التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، حيث يتصاعد الخطاب الأمريكي المعادي لكراكاس، ووصل عدد الهجمات الأمريكية على القوارب الفنزويلية إلى خمس ضربات، بينما تحشد فنزويلا جهوها العسكرية والسياسية للتصدي للهجمة التي تتعرض لها.
لا يوجد تغيير يذكر في الخطاب السياسي لدى كلاً من الطرفين، فواشنطن تدعي «محارباتها كارتيلات المخدرات في فنزويلا» محمّلة المسؤولية الأولى والأكبر للرئيس نيكولاس مادورو، بينما تؤكد الأخيرة، أن واشنطن تسعى لتغيير نظام الحكم فيها، والسيطرة عليها عبر الضغوطات العسكرية والسياسية.
ولهذا الغرض، نشرت الولايات المتحدة على مدى شهر عدة سفن حربية قبالة السواحل الفنزويلية، وتقوم بتنفيذ طلعات جوية، وتهدد بضربات داخل فنزويلا، وأقدمت حتى الآن على استهداف 5 قوارب فنزويلية في البحر الكاريبي بمزاعم نقلها لمواد مخدرة.
في هذا السياق أعلن قائد القيادة الجنوبية الأمريكية، الأدميرال ألفين هولسي، استقالته يوم الخميس 16 تشرين الأول الجاري، بعد أقل من عام على تسلمه منصبه، ودون توضيح، وهي سابقة لم تجرِ في تاريخ الجيش الأمريكي، وأشارت الـ «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» وغيرها من الصحف أو المحللين السياسيين إلى أن هولسي أبدى تحفظات حول العمليات العسكرية التي يجري تنفيذها في بحر الكاريبي، وخاصة الغارات الجوية على القوارب قبالة سواحل فنزويلا.
وأياً كان السبب المباشر بتلك الاستقالة، إلى أن كافة المتابعين والمحللين يؤكدون أنها وبهذا التوقيت تعكس حالة من التوتر والخلافات داخل القيادة العسكرية الأمريكية، وذلك يعكس تخبّطاً سياسياً مرتبطاً بالانقسام داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وفي سياق المعركة مع فنزويلا وكيفية إدارتها، وما التكاليف التي قد تنجم عنها، وما إذا كان باستطاعة الولايات المتحدة والجيش الأمريكي تحملها؟
أشرنا خلال مواد سابقة إلى أنه من غير المرجح أن تجري معركة عسكرية مباشرة ومفتوحة بين البلدين، وأن واشنطن تسعى عبر الانتشار والتهديد العسكري إلى صنع ضغوط وتوترات سياسية كبيرة داخل فنزويلا، قد تفضي إلى عملية تغيير من الداخل، سواء بانقلاب عبر «ثورة ملونة» أو بانقلاب عسكري مباشر، حيث يجري العبث بشكل حثيث وعميق في دائرة الحكم الفنزويلي، وتجري محاولات ضرب للثقة بين القادة الفنزويليين في الرئاسة والجيش والأمن، عبر نشر وتسريب العديد من الأخبار المتضاربة وغير الصحيحة، حول لقاءات أو محادثات بين بعض القيادات الفنزويلية وأطراف أمريكية، لتعميم الفوضى.
في هذا السياق، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤولين أمريكيين: أن إدارة ترامب قد منحت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية CIA تفويضاً للقيام بعمليات سرية في فنزويلا من ضمنها ما وصفته الصحيفة بـ «عمليات قاتلة» وغيرها من الأنشطة، سواء بشكل منفرد لوحدها، أو بالتنسيق مع القيادة العسكرية وعملياتها... وهو ما يؤكد فرضية أن الهدف ليس باشتباك عسكري مباشر، وإنما تغييراً من الداخل، أقل كلفة، وأكثر نجاعة بالنسبة لواشنطن.
إلا أن ذلك، ورغم الضغوط الكبرى، لا يعني أن واشنطن ستتمكن من تحقيق مرادها القديم بتغيير النظام في كراكاس، والسيطرة على البلاد ونهب مواردها... فمركز المعركة الآن، وثقلها، يتمحور حول مدى قدرة القيادة الفنزويلية على التماسك، وبناء الثقة بين صفوفها، وإدارة التوترات السياسية والاجتماعية بأقل الكلف، وهو ما نجحت به أساساً مرات ومرات في السابق بمواجهة واشنطن وأدواتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1248