مدغشقر... من احتجاجات الجيل Z إلى الانقلاب العسكري وتحديات الاقتصاد
شهدت جزيرة مدغشقر تطورات هامة في تشرين الأول الجاري، حيث أدت احتجاجات شبابية واسعة النطاق إلى سقوط الرئيس أندريه راجويلينا، الذي فر من البلاد خوفاً على حياته، وتولي قائد وحدة CAPSAT العسكرية، العقيد مايكل راندريانيرينا، الرئاسة المؤقتة. هذا التطور، الذي وصفه العسكريون بالتجديد، يعكس توترات اجتماعية واقتصادية عميقة في دولة تعاني من الفقر المدقع والفساد.
الجيل Z يقود الاحتجاجات
في حادثة أصبحت متكررة ضمن الموجة العالمية الحالية للحركة الشعبية، قاد الجيل Z الحركة الاحتجاجية في البلاد، حيث انطلقت المظاهرات في العاصمة أنتاناناريفو في 25 أيلول رفضاً لانقطاع المياه والكهرباء بشكل متكرر، وبعد سقوط 22 قتيلاً في صفوف المتظاهرين وفق إحصائيات الأمم المتحدة، رفع المحتجون سقف مطالبهم لإسقاط السلطة ورحيل الرئيس، وهو ما تحقق في 11 أكتوبر، حيث قامت طائرة عسكرية فرنسية بنقل الرئيس إلى دبي.
الشباب تحت سن 25 عاماً، والذين يشكلون نصف عدد السكان البالغ 32 مليون نسمة، نظّموا أنفسهم عبر منصات رقمية، مثل: فيسبوك، إنستغرام، وسيغنال، تحت مسمّى «Gen Z Madagascar»، مستخدمين أسماء مستعارة لتفادي الاعتقال. استلهموا من حركات شبابية في نيبال، وإندونيسيا، والمغرب، والفلبين، واتخذوا رمزاً ثقافيّاً مستوحى من مسلسل الأنمي الياباني «One Piece»، ليعبّروا عن رؤيتهم للحرية والعدالة والظلم.
الفساد المنتشر في البلاد، والبطالة التي يعاني منها أكثر من 75% من السكان، وعوامل أخرى ساهمت في تراكم الاحتقان لدى جيل الشباب، ودفعته نحو النزول إلى الشارع.
دور وحدة ال CAPSAT
كان انضمام وحدة الـ CAPSATإلى المحتجين، ودعوتها عناصر الأمن والشرطة لعدم تنفيذ أوامر القيادة السياسية، وعدم التصدي للمحتجين، نقطة تحول هامة في الأحداث التي تشهدها البلاد، هذه الوحدة التي تعتبر وحدة نخبوية في الجيش المالاغاشي، تمتلك نفوذاً كبيراً بسبب أدوارها الإدارية واللوجستية في الجيش بالإضافة إلى مسؤوليتها عن رواتب العسكريين، تملك الوحدة أيضاً نفوذاً واسعاً في الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد. بعد دعمها للمحتجين بشكل علني ومباشر طلبت من البرلمان عزل الرئيس، وأعلن قائد الوحدة العقيد مايكل راندريانيرينا تولي السلطة لمدة انتقالية تصل إلى سنتين لإجراء انتخابات، معتبراً ما جرى ليس انقلاباً بل استجابة «للنداء المتواصل لشعب مدغشقر». علماً أن هذه الوحدة ذاتها هي من ساعدت الرئيس السابق في الوصول للسلطة بعد انقلاب عام 2009، كما تم اعتقال قائدها العقيد راندريانيرينا في عام 2023 وحكم لمدة عام واحد بتهمة التخطيط لانقلاب، ما يعكس دورها الواسع في الحياة السياسية في البلاد.
مستقبل البلاد
مدغشقر دولة ذات تنوع اقتصادي وبيئي كبير، وموقع جغرافي مهم جداً، ولكن يبدو أن السلطات المتعاقبة لم تمتلك برنامج تنمية وطني حقيقي، مما أدى إلى تفاقم المشاكل عوضاً عن استثمار ميزات البلد، فهي تعتبر المنتج الأكبر عالمياً للفانيليا، حيث تستحوذ على 80% من الإنتاج العالمي بالإضافة إلى زراعة الأرز والقرنفل والقهوة، وتمتلك الجزيرة احتياطيات ضخمة من النيكل، والكوبالت، والإيلمينيت، والجرافيت، بالإضافة إلى أن 90% من الأنواع النباتية والحيوانية الموجودة على الجزيرة غير موجودة في أي مكان في العالم، بسبب طبيعتها الجغرافية، كل ذلك يسمح ببناء وإطلاق نموذج وطني إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك.
بين من يعتبر ما حدث في مدغشقر انقلاباً استغل احتجاج الشباب، أم ثورة ناجحة للجيل Z، وبين من يطالب بالتجديد، أم بالتغيير الجذري، يبقى سلوك السلطة في الأيام والأسابيع القليلة القادمة هو المعيار لتقييم ما جرى، سواء على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الخارجي، والتعامل مع الضغوط ومحاولة العزلة، خاصة بعد تعليق الاتحاد الأفريقي لعضوية مدغشقر، كذلك التعامل مع ملفات تخص السيادة الوطنية كملف الجزر التي تسيطر عليها فرنسا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1248