«الجيل زد» هل يمكن أن يتحوّل من حاملٍ للحركة لأداة تفتيتها؟!
شهد المغرب في أواخر أيلول الماضي 2025 اندلاعا مظاهرات واسعة قادتها حركة شبابية عُرفت باسم «جيل زد 212»، انتقلت من فضاء التنظيم الرقمي إلى ميادين الاحتجاج. لتضاف المغرب إلى قائمة عددٍ من الدول بدأت تنشط فيها مجموعات تشتق اسمها من «جيل زد» فكيف يمكن النظر إلى هذه التحركات؟ وهل يمكن أن يقود هذا الجيل مشروع التغيير؟
التحركات في المغرب جاءت نتيجة تراكم طويل للمشاكل في الميادين كافة، في المغرب شكّلت حادثة مأساوية في أحد مستشفيات أغادير الشرارة لمظاهرات شعبية واسعة، بعد وفاة ثماني نساء أثناء الولادة في يومٍ واحد ما كشف حجم تدهور القطاع الصحي، الاحتجاجات طرحت عدداً من القضايا وطالبت بإصلاح قطاعات التعليم والصحة ووجهت أصابع الاتهام إلى الفساد المستشري في البلاد.
حركة «جيل زد 212» التي تتصدر المشهد، نجحت في حشد الشباب للتظاهر في الشارع لسبعة أيام متتالية رافعين شعارات مثل «الشعب يريد إسقاط الفساد» و«الشعب يريد الصحة والتعليم» و«حرية كرامة عدالة اجتماعية» وأعلنت الحركة أنّها ستعلن مطالبها الكاملة قريباً. وقوبلت هذه التعبئة الشعبية برد أمني مشدد شمل المنع والاعتقالات، فيما حاولت الحكومة امتصاص الغضب بدعوات إلى الحوار لم تجد صدى ملموساً حتى الآن.
ما حدث في المغرب يبدو مشابهاً لكل الحركات الاحتجاجية التي تأتي كرد فعلٍ على تراكم لمشاكل ما يدفع العالم للاحتجاج بأشكالٍ مختلفة منها النزول إلى الشارع، لكن ما يثير الانتباه حقاً هو تكرار الحديث عن «جيل زد» في عددٍ كبير من بقاع العالم، وبدأ استخدام هذه المصطلح يتسع أكثر فأكثر.
ما هو «جيل زد»
يشهد العالم اهتماماً متزايداً بـ «الجيل زد» أولئك المولودون بين عامَي 1997 و2012 الذين يسبَقهم جيل الألفية (Y) (1981–1996) ويتبعهم جيل ألفا (2013–2025). ما يميّز «الجيل زد» ليس فقط توقيت ولادته، بل طبيعة علاقته بالعالم الرقمي: فهو الجيل الأول الذي نشأ في قلب الثورة التكنولوجية، لا كمتعلّمٍ لاستخدام الأدوات الرقمية، بل كمواطنٍ أصيل في الفضاء الرقمي. والهواتف الذكية، وسائل التواصل، والإنترنت لم تكن وسائل خارجية يتعلّم استخدامها في دورات خاصة، بل كانت جزءاً عضوياً من تكوينه الثقافي، والاجتماعي، بل وحتى النفسي.
لا شك بأن لكل جيل خصوصيته وأفكاره والظروف التاريخية التي تساهم في تكوين معارفه واهتماماته. ففي كثير من الأحيان، تُستخدم هذه التصنيفات كأدوات لفهم المجتمع، لكنها قد تتحوّل - عن قصد أو غير قصد - إلى وسيلة لتقسيمه. فبعض الخطابات الإعلامية والسياسية تحاول رسم حدود صارمة بين الأجيال، وكأن كل جيل يعيش في عالم منفصل، في حين أن الهدف الحقيقي أحياناً يكون تسهيل التحكّم والتوجيه.
حركة جديدة ومخاطر التفتيت
هذا ليس جديداً في عصر تصاعد الحركة الشعبية على المستوى العالمي، فبعد محاولة حصر الحركة الشعبية ببقعة جغرافية واحدة في الموجة الأولى للحركة، ونقصد هنا ما اصطلح عليه في حينه بالربيع العربي، ثم محاولة تفتيتها من خلال تقسيم الاهتمامات ضمن الحركة بين مطالبين بالحرية والديمقراطية وبين مطالبين بتغييرات اقتصادية، وآخرون يطالبون بقضايا تخص المناخ، أو البيئة وحقوق المرأة والطفل إلى آخره من محاولات تفتيت للحركة العالمية، التي بالفعل تتضمن كل ماسبق، واليوم، مع صعود «الجيل زد»، تتجدّد محاولات التفتيت، على تقسيم الحركة بناءً على العمر، رغم أن هذا الجيل يُظهر وعياً عالياً على ربط المحلي بالعالمي، والسياسي بالاجتماعي، والاقتصادي بالأخلاقي.
لقد برز «الجيل زد» بقوّة في الموجة الحالية من الحراكات الشعبية،
من المغرب إلى نيبال، ومن كينيا إلى مدغشقر، مروراً بأوروبا. لكنه يختلف جذرياً عن الأجيال السابقة في أسلوبه التنظيمي. ففي احتجاجات 2011 في تونس ومصر، كان «فيسبوك» وسيلة دعوة أو توثيق لنشاطٍ بدأ في الشارع. أما اليوم، فإن النقاشات، بل وحتى التخطيط الكامل للاحتجاجات - من تحديد المواعيد إلى اختيار الشعارات - تتم غالباً عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبطرق إبداعية تتجاوز الرقابة، وتتغلّب على قمع السلطات. بل إن بعض المجموعات استخدمت حتى الألعاب الإلكترونية كفضاءات للتواصل والتنظيم.
جيل جديد في عالمٍ مضطرب!
نشأ هذا الجيل في عالم مضطرب: حروب ما بعد 11 سبتمبر، والأزمة المالية العالمية عام 2008، انهيار الثقة في المؤسسات الرسمية، وتعاظم التفاوت الطبقي. كل ذلك شكّل وعيه بضرورة ربط القضايا المحلية بالسياقات العالمية. فالمطالبة بفرص عمل، أو تعليمٍ جيد، أو رعاية صحية، لم تعد مطالب منعزلة، بل أصبحت مرتبطة مباشرة بسياسات التقشف، وتوصيات المؤسسات المالية الدولية، بل وحتى بالصراعات الجيوسياسية. ومن أبرز مظاهر هذا الوعي العالمي موقف «الجيل زد» من القضية الفلسطينية، التي باتت حاضرة في كل تحرك شعبي تقريباً. فاستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تُظهر أن نحو 60% من الشباب بين 18 و24 عاماً يدعمون حماس في مواجهة «إسرائيل»، في حين ترتفع نسبة الداعمين لـ «إسرائيل» إلى 89% بين من تجاوزوا الـ ـ65 عاماً.
ومع ذلك، لا يشعر كثير من شباب هذا الجيل بأنهم جزء من الأنظمة السياسية التقليدية. ففي بريطانيا، على سبيل المثال، أظهر استطلاع أن 41% من الشباب بين 18 و25 عاماً لا ينوون المشاركة في الانتخابات، لأنهم لا يرون في الأحزاب القائمة معبراً عن مطالبهم أو رؤيتهم. وهذا الفراغ يفسّر جزئياً الصعود المفاجئ لأحزاب، أو حركات جديدة، تجد صدى واسعاً بين الشباب، الذين يبحثون عن بدائل حقيقية.
بدلاً من الانخراط في المؤسسات السياسية الرسمية، يفضّل «الجيل زد» أشكالاً أكثر مرونة للتعبير: التجمعات الرقمية، الحملات عبر وسائل التواصل، إنتاج المحتوى البديل (من الفيديوهات إلى البودكاستات)، والمشاركة في حراكات عابرة للحدود. لكن هذه المرونة تحمل في طيّاتها خطراً كبيراً: فسهولة التعبير لا تعني بالضرورة فعالية التأثير. بل إن غياب الهيكلية التنظيمية العميقة يجعل هذه الحراكات عرضة للتشتيت، أو للاحتواء من قبل السلطات التي قد تنجح في عزل مطالب الشباب عن باقي فئات المجتمع، وبالتالي تفريغ تحركاتهم من مضمونها الجماهيري والسياسي.
«جيل التغيير» او «الجيل Z» يشكّل بوضوح حاملاً حقيقياً للموجة الشعبية الحالية والتي تعبر عن مستوى وعي سياسي أعلى من الموجات السابقة كونها نتيجة تراكم لموجات سابقة انخرطت فيها الشعوب أملاً في إنجاز التغيير الذي يلبي مصالحها وطموحاتها. هذه التحركات ستواجه مخاطراً كثيرة في صراعها مع الأنظمة المحلية والمنظومة العالمية، وستكون عرضة لمحاولات الضرب والتشتيت، ولكن الشعوب تتعلم أيضاً من تجاربها وكل الأشكال الثورية السابقة، وقادرة على صياغة خط ناضج وابتداع طرق وأساليب تنظيمية فعالة قادرة على تعبئة الناس.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1246