واشنطن جبهة جديدة في مواجهة الهند!
اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البدء بخطوات تصعيدية اتجاه الهند، ويبدو تركيزه الأساسي يهدف إلى ضرب العلاقة التاريخية والاستراتيجية التي طورتها نيودلهي مع موسكو خلال عقودٍ طويلة، ما يطرح السؤال: من ستختار الهند إذا فرض عليها ذلك؟ وهل تقلق واشنطن من العلاقات الروسية-الهندية، أو أن هناك ما هو أكثر من ذلك؟
ربما يبدو السؤال بديهياً بنظر البعض، ويقولون: إن الهند ستختار واشنطن، وتحديداً كون الاقتصاد الهندي ينمو بسرعة تصل إلى حدود 7% وهو ما يدفع بشكل بديهي للابتعاد عن مواجهات يمكن أن تلحق ضرراً بأرقام النمو، هذا فضلاً عن أن الهند تتمتع بشراكات تجارية مميزة مع الكتلة الغربية، لكن ورغم أن نيودلهي لم تبادر يوماً للدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة، خرجت هذه الأخيرة لشن هجوم واسع على الهند، بدأ عبر فرض رسوم جمركية، وبدأ الرئيس ترامب مؤخراً بالتضيق عليها، ما يشير إلى أن التوجه الهندي لا يبدو ملائماً لواشنطن، وربما تكون قد حسمت الهند موقفها لصالح روسيا، فالتصعيد الأخير يظهر بوصفه مؤشراً ملموساً على أن زيارة نائب الرئيس جي دي فانس لم تحرز الآمال المطلوبة منها، فهناك نيّة أمريكية لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على البضائع الهندية، هذا فضلاً عن فرض عقوبات على شركات وأفراد في الهند، ادعى ترامب أنها مرتبطة بتجارة النفط الإيراني، كما لو أن الهند باتت في مرمى النيران الأمريكية.
روسيا الخيار الاستراتيجي
المؤشرات الحالية القادمة من الهند، تشير بوضوح إلى أنها مصممة على الحفاظ على العلاقات مع روسيا، ولا نية لاستبدال النفط الروسي، خاصة مع نقص البدائل المطروحة في الأسواق، بل إن وكالات الأنباء أشارت إلى أن جي دي فانس حاول استمالة الهند عبر وعود لتوريد المقاتلات الأمريكية الشبحية F35 لكن نيودلهي وبحسب بلومبرغ، أبلغت الأمريكيين أنّها غير مهتمة بشراء الطائرة الشهيرة، وأّنها مهتمة أكثر بشراكة تركّز على التصميم والإنتاج المشترك للمعدات العسكرية داخل البلاد، وهو ما ليس موجوداً على أجندة واشنطن، بل يمكن أن تستطيع الهند الوصول إلى اتفاقات من هذا النوع مع روسيا.
كما وأن الاقتصاد الهندي يحتاج فعلياً إلى كميات كبيرة من الطاقة الرخيصة، ولا يمكن أن يكون الاستغناء عن النفط الروسي خياراً منطقياً في ظل ظروف كهذه، فتوريط الهند بخيار من هذا النوع يمكن أن يكون بمثابة رصاصة تطلقها نيودلهي على أقدامها.
ذلك لا يعني أن الخيار يمكن أن يكون سهلاً، بل إن الهند في موقع لا تحسد عليه، فبمجرد بدء التلويح بالعقوبات والرسوم الجمركية فهذا يعني أنها لا تملك الكثير من الوقت قبل أن تجد نفسها تبتعد بشكلٍ متسارع عن الغرب، بل ومضطرة أيضاً لإيجاد حل توافقي مع الصين، فإن أي تأخير في إجراءات من هذا النمط سيجعل الهند أمام حالة من الانكشاف، وتخاطر باقتصادها واستقرارها السياسي، خاصةً وأنّها بحاجة لتوسيع إمكانياتها للوصول إلى أسواق الشرق في مواجهة الرسوم الجمركية.
خلاصات أوليّة
إن السلوك الأمريكي يبلغ أشد مستويات العداء، فهو لا يستهدف العلاقات الهندية الروسية فحسب، بل هي خطوة حتمية في اتجاه استهداف كل القوى الصاعدة وعرقلة تطورها، فإن العلاقات الهندية-الروسية ساهمت بالفعل في منع واشنطن من تحقيق هدفها بخنق روسيا، لكن هذا التكاتف لم يكن ناتجاً عن رغبة الهند ببعض النفط الرخيص، بل هو في الواقع أكثر عمقاً ومؤشر جدي على إدراك هذه الدول لحقيقة أنّهم جميعاً مستهدفون، وإن الهجوم اليوم على روسيا لن يكون محطة واشنطن النهائية، بل إن اشتداد أزمة هذه الأخيرة سيحتم عليهاً سلوكاً عدائياً غير مسبوق لا يمكن مواجهته إلا عبر أعلى درجات الترابط بين دول الجنوب العالمي، فترامب في تصريحه الأخير لم يحاول حتى إخفاء هدفه الحقيقي حين قال: «لا يهمني ما تفعله الهند مع روسيا، يمكنهما أن يدمرا اقتصاديهما الميتين معاً، لا يهمني ذلك على الإطلاق».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1237