أوكرانيا باتت نقطة صراع غربية - غربية
يُبدع الغربيون كل حين حيلاً وذرائع وآليات تهدف لشيء واحد فقط في أوكرانيا، وهو إدامة الاشتباك وجعلها «حرباً أبدية»، وذلك بعد خلافات سياسية بعضها صحيح، ومعظمها مسرحيّ مرتبط بتوجيه الرأي العام.. وكان من آخر هذه الإبداعات هو الإعلان عن صندوق جديد لتمويل أوكرانيا ودعمها عسكرياً.
جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهدف «إنهاء الحرب الأوكرانية» لينتهي به المطاف منخرطاً بها بشكل يوازي إدارة الرئيس السابق جو بايدن ووفق المسار نفسه، مع هامش بسيط يأمل ترامب تحقيقه: خروج واشنطن من تكاليف الصراع وتحميلها على الأوروبيين وحدهم، إلا أن هذا الأمر، وإن تحقق، لا يعني خروج واشنطن من مستنقع أوكرانيا بحال من الأحوال.
خلال الفترة القريبة الماضية أعلن كلاً من ترامب والأمين العام لحلف الناتو عن اتفاق لإطلاق صندوق جديد يسمح بشراء الأسلحة الأمريكية، أو نقلها باستخدام أموال دول حلف الناتو، وتأمل دول الحلف أن هذه الآلية ستوفر أسلحة بقيمة 10 مليارات دولار مبدئياً.
وتتضمن الخطة الجديدة إنشاء حساب جار للحلف يمكن للدول الأعضاء إيداع الأموال به لشراء الأسلحة الأوكرانية، وذلك بعد موافقة القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي في أوروبا، على نوعية الأسلحة وكميتها.
قد توحي الآلية السابقة– مع تأكيد ترامب المكرر أن الأموال سيدفعها الأوروبيون- أن الولايات المتحدة لن تنفق شيئاً على تسليح أوكرانيا، وهي رسالة موجهة للرأي العام الأمريكي أولاً، فإنهاء الحرب قد يساوي عدم صرف أموال الأمريكيين عليها بنظر الأمريكيين، وبذلك يكون ترامب قد حقق جزءاً من هدفه أمام ناخبيه. إلا أن أي متابع ومطلع، يرى أن ذلك لا يعني إلا تورطاً أكبر للكتلة الغربية، وزيادة حدة التناقضات الداخلي ضمنها، ومن جهة أخرى أن التمويل الأمريكي المرتبط بأوكرانيا لا يقتصر فقط على «صفقات السلاح» وإنما أيضاً على تشغيلها، فضلاً عن النشاط الاستخباراتي المتواصل ومعلوماته التي يقدمها الأمريكيون لكييف، بالإضافة للقواعد والقوات العسكرية الأمريكية المنتشرة في أوروبا، والتي تؤثر بدورها على عموم سير الصراع، وغيرها تفاصيل كثيرة.
ما يختلف بين إدارة بايدن وإدارة ترامب هي النوايا فقط.. حيث أن نوايا الإدارة السابقة تنسجم مع الأهداف الموضوعية للمركز الأمريكي بمواجهة روسيا، ومحاولة إضعافها وهزيمتها، أو على الأقل إدامة الاشتباك إلى ما لا نهاية، أملاً بإضعاف موسكو واستنزافها حتى يتغيّر شيء ما، أما نوايا ترامب فسرعان ما تم ترويضها وتكييفها مع الدوافع الموضوعية، وجل ما يفعله الآن هو محاولة الخروج من الملف دون هزيمة يتحمل مسؤوليتها هو أو بلاده، هذا فضلاً عن أن نواياه اتجاه روسيا لم تكن سليمة يوماً.
إن الصراع الأوكراني الجاري بدأ مع روسيا بشكل غربي موحد، ثم انتقل ليصبح صراعاً سياسياً ومالياً بين ترامب وبايدن، ولاحقاً بين أوروبا والولايات المتحدة، والآن مع انتقال مركز ثقل تمويله إلى الجزء الأوروبي، سيزداد الصراع بين الدول الأوروبية نفسها، وخلف هؤلاء جميعها سيرتفع الصراع بين النخب الأوروبية والأمريكية وشعوبهم.. وعلى الجهة المقابلة تقف روسيا بشكل متحد ومستقر، وتتقدم ميدانياً بشكل ثابت ومتواصل، بل وتدعو لخفض الإنفاق الدفاعي بمقابل رفعه لدى دول الناتو.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1237