«إسرائيل» تناور على حافة الهاوية

«إسرائيل» تناور على حافة الهاوية

تجاوزت الحرب الصهيونية على قطاع غزة شهرها العشرين، ولا تزال جرائم الإبادة والتدمير جارية، ومعها خطط التهجير القسري، دون أدنى تقدّم سياسي لـ «إسرائيل»، وينعكس ذلك تخبطاً واضحاً داخل حكومة الاحتلال وائتلافها القائم، المهدد على الدوام بالانهيار ربطاً بأي تقدم بمفاوضات وقف الحرب.. في المقابل، حافظت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على ثباتها رغم الضربات الكبرى التي تلقتها والضغوط المهولة التي تتعرض لها، ليعود نشاطها الميداني، بعملياته النوعية، كما كان الحال خلال الشهر الأول من الحرب.. ومعها الثبات والإصرار على المطالب الفلسطينية المحقّة في المفاوضات.

بدأت منذ بضعة أيام جولة محادثات جديدة غير مباشرة بين الوفدين «الإسرائيلي» والفلسطيني بوساطة قطرية في الدوحة، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يشمل إطلاق سراح الرهائن على مراحل وانسحاب القوات «الإسرائيلية» تمهيداً لإنهاء الحرب بالكامل... وليس جديداً أن الوفد «الإسرائيلي» يعمل ما في وسعه لإفشالها عبر طرح مقترحات غير مقبولة بالنسبة للفلسطينيين ومقاومتهم.

المقترح «الإسرائيلي»

اقترح الوفد «الإسرائيلي» خرائط انسحاب من بعض أجزاء قطاع غزة تتضمن إعادة انتشار للجيش «الإسرائيلي» وتبقي سيطرته قائمة على نحو 40% من أراضي القطاع لبدء تنفيذ أي وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً، ومشروط بتبادل للرهائن، فضلاً عن الحديث عن نزع سلاح المقاومة... وتشمل الخريطة نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى منطقة غرب رفح.

واعتبر وزير الدفاع «الإسرائيلي» يسرائيل كاتس أن توقف العمليات العسكرية لمدة 60 يوماً يخلق فرصة لبناء ما سمي بالـ «مدينة الإنسانية» في رفح جنوب قطاع غزة، حيث ستؤوي هذه المنطقة الصغيرة جميع سكان غزة بعد فرزهم عن المنتمين لـ «الجماعات المسلحة»، وتبدأ بوضع 600 ألف فلسطيني بها بعد تدقيقهم أمنياً كمرحلة أولى... وسرعان ما لاقى هذا المقترح ردوداً دولية واصفة إياه بأنه مخطط لبناء «معسكر اعتقال» تمهيداً للتهجير.

رفض المقاومة.. وإطالة عمر الائتلاف

إن مثل هكذا مقترحات تهدف بالضبط لإفشال المحادثات، وعليه، بطبيعة الحال، رفضت «حماس» بشكل كامل هذا الأمر، مؤكدة شرط انسحاب القوات «الإسرائيلية» من قطاع غزة بشكل كامل، وإطلاق سراح الرهائن على مراحل مرتبطة باستمرار وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، تمهيداً للوصول لإنهاء كامل للحرب.

في الحقيقة، وبقدر ما هو سعي لإفشال المحادثات، فإن هذه المقترحات تعد رسائل داخلية تهدف لإطالة أمد عمر الائتلاف «الإسرائيلي» الحاكم بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قدر الإمكان.. وهذا ليس سراً، بل إن هيئة البث الرسمية «الإسرائيلية» نفسها رجحت أن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير قد يقدم استقالته من الحكومة بحال توقيع اتفاق مع المقاومة الفلسطينية، مؤكدة وجود أزمة في الائتلاف نتيجة المفاوضات الجارية في قطر.. وقد عقد نتنياهو اجتماعاً خاصاً مع وزير المالية سموتريتش بهدف منع تفكك الائتلاف.

وقد قال نتنياهو مؤخراً بعد ختام زيارته إلى واشنطن: «قالوا إننا لن نعود إلى الحرب بعد الهدنة الأولى، ثم عدنا، وبعد الهدنة الثانية، عدنا، وإذا كان هناك وقف ثالث لإطلاق النار، فسنعود مجدداً إذا تطلب الأمر»... إن هذا الإصرار بالحرب يأتي نتيجة أزمة داخلية عميقة جارية، وهو يمثل حالة هروب للأمام، حيث أن الهروب التقليدي بقبول وقف إطلاق النار ومعه الهزائم السياسية، يعني فتح تحقيقات أمنية ومحاكمات عديدة بحق نتنياهو وشركائه في الائتلاف، فضلاً عن القضايا المرفوعة ضده أساساً، تنتهي بوضعهم في السجن كـ «شمْاعات» إعلامية للهزيمة الصهيونية.

المفتاح في واشنطن

إن انتظار تغيّر شيء ما من «إسرائيل» وحدها يعد أمراً فارغاً.. إن التغير الوحيد الممكن في هذه المسألة لا يمكن له إلا أن يأتي من واشنطن، ومن غير الممكن أن يظهر شكله النهائي كتغير تدريجي، فإما أن تستمر حكومة نتنياهو بوجودها، وبالتالي استمرار ما تقوم به منذ 21 شهراً، أو إنهاؤها بقرار أمريكي والبدء بمحادثات جدية تفضي لإنهاء الحرب.

أزمة واشنطن تكمن بمحاولتها عبثاً تحقيق توازن ما بين مصلحة «إسرائيل» ودول المنطقة، لتخرج منها «إسرائيل» غير مهزومة وغير منتصرة، إلا أن الصراع الجاري موضوعياً لا يسمح بذلك لأي من الطرفين على حد سواء، ولن يطول الأمر حتى تصل المناورات الأمريكية بهذا الشأن لنقطة حرجة حقيقةً، تفاضل بها ما بين «إسرائيل» أو استمرار علاقاتها مع دول المنطقة... وهي نقطة نشهد تراكماتها بشكل متسارع، ليس فيما يتعلق بغزة فحسب، وإنما أيضاً بمصر وسورية ولبنان وتركيا.. فعوضاً عن «اتفاقات ابراهام» التي تم فرضها سابقاً على بعض دول المنطقة، قد نشهد اتفاقات جديدة، يجري فرضها هذه المرة على «إسرائيل» بصرف النظر عن كيفية «الإخراج الإعلامي» لها.. ويمكن رصد ذلك من «التنازلات العملية» التي قد يجري انتزاعها لصالح المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1234