تجريب المجرب أوروبياً.. عقوبات جديدة على روسيا
ديما النجار ديما النجار

تجريب المجرب أوروبياً.. عقوبات جديدة على روسيا

قصة الاتحاد الأوروبي والعقوبات الاقتصادية على روسيا، قصة لا تختلف كثيراً عن أسطورة سيزيف الذي وقع عليه عقابٌ إلهي بأن يُمضي حياته يدحرج صخرة إلى قمةِ جبل لترتدَّ عليه مرة تلو الأخرى. بطل للعبث! بعد ست عشرة حزمة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، أضاف الاتحاد الأوروبي في 20 أيار الجاري الحزمة السابع عشرة وكأنه يجرّب شيئاً جديداً، ويتوقع نتائج مختلفة! لا توجد مؤشرات أن روسيا لن تتكيف مع الحزمة السابع عشرة ولا الثامن عشرة المستقبلية التي يتم التلويح بها. ففي عالم متعدد الأقطاب يصبح للعقوبات الاقتصادية أثر أضعف يمكن تجاوزه عند توافر القرار السياسي.

ماذا شملت حزمة عقوبات الاتحاد الأوروبي؟

اعتمد الاتحاد الأوروبي حزمة العقوبات السابع عشرة التي هدد بها موسكو ما لم توافق على هدنة الثلاثين يوماً في أوكرانيا. تشمل هذه العقوبات أكثر من 2400 فرد وكيان. من أهم عناصر هذه الحزمة إدراج 189 سفينة من «أسطول الظل» الروسي، وهو شبكة سفن استخدمت لتجاوز سقف أسعار النفط المفروضة على النفط الروسي، وبذلك يصل عدد السفن المعاقبة إلى 342 من أصل 600 سفينة. يستخدم هذا الأسطول أعلام مغايرة للعلم الروسي، وتقوم سفنه بتصدير النفط الروسي. كما تستهدف العقوبات هذه المرة هياكل الدعم اللوجستي والمالي لأسطول الظل الروسي من التأمين إلى الوصول إلى الموانئ. الجانب الآخر من العقوبات ركز على شركات رئيسية في قطاع الطاقة الروسي، بما في ذلك شركة سورجوت للنفط والغاز وشركة الشحن التابعة لشركة ليتاسكو وغيرها. الجديد في هذه العقوبات إضافة لنطاقها الأوسع، هو استهداف أطراف ثالثة مقراتها في دول، مثل: تركيا والإمارات وفيتنام. لكن هل ينجح ذلك؟

الاتحاد الأوروبي وحيداً

ثمة إشارات متزايدة إلى أن إدارة ترامب سوف تغسل يديها من حرب الناتو في أوكرانيا، وتركز بدلاً من ذلك على صياغة شراكات اقتصادية جديدة مع روسيا وتركيا والإمارات. فبعد اتصال امتد لساعتين بين ترامب وبوتين بدا أن ترامب لم يحصل على أي تنازلات من جانب بوتين بما فيها هدنة الثلاثين يوماً، وكان ترامب ألمح للقادة الأوروبيين أن بوتين منتصر على الأرض فلم يتنازل؟ وقال: «كانت هذه مسألة أوروبية، وكان ينبغي أن تبقى كذلك». وأضاف نائبه جيه دي فانس، ببساطة: «هذه ليست حربنا».

في 22 أيار الحالي، نشر معهد راند للأبحاث دراسة حول الحرب الأوكرانية الروسية وتغيّر شكل الصراع ومآلاته. من الاستنتاجات التي قدمها فيما يخص العقوبات: فشل استخدام الغرب للوسائل الاقتصادية في تحقيق أهدافه، خاصة أن عقوداً من العقوبات أدت إلى نشوء آليات متكاملة للتقليل من أثرها كأنظمة المدفوعات البديلة والتبادل المباشر للبضائع وغيرها. الاستنتاج الثاني ذو الصلة، يقرُّ بأن دول الجنوب العالمي في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا وآسيا، وخاصة الهند كأكبر هذه الدول لم تعد مضمونة فيما يخص تبعيتها للأوامر الغربية عند فرض العقوبات.

العقوبات المتتالية دفعت روسيا (وغيرها من الدول التي تعرضت للعقوبات) إلى تحولين استراتيجيين، أولهما: التركيز على الموارد الداخلية. ثانيهما: تنويع العلاقات الاقتصادية بعيداً عن الغرب. وبالفعل تطورت علاقات روسيا خاصة مع دول آسيان في جنوب شرق آسيا والصين والهند وتركيا، في السعي إلى بناء عالم متعدد الأقطاب. فالهند زادت من وارداتها من النفط الروسي لتصبح من أكبر المشترين له، كما انخرطت في تسويات تعتمد الروبل، وامتنعت مراراً عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة روسيا. والصين كذلك، عارضت العقوبات علناً، وزادت حجم تجارتها مع روسيا على كافة الأصعدة، ووفرت لأسطول الظل ما ينقصه لوجستياً نتيجة العقوبات الغربية، خاصة فيما يتعلق بالتبادل بعيداً عن نظام السويفت وشركات التأمين البديلة.

بالمثل، عززت تركيا وروسيا علاقاتهما الثنائية بقوة في السنوات الأخيرة في مشاريع استراتيجية طويلة الأمد. ففي مجال الغاز الطبيعي، تحولت تركيا إلى مركز لتوزيع الغاز، ففي عام 2024 استوردت تركيا 45% من غازها من روسيا بمدفوعات تقدر ب 8 مليارات دولار. ولدى تركيا وروسيا العديد من مشاريع الطاقة، أهمها: أول محطة طاقة نووية في تركيا، أكويو، التي تبنيها شركة روس آتوم الروسية. بعد حزمة العقوبات الجديدة، سارعت تركيا خلال أيام لإيجاد حلول لتسوية مدفوعاتها لروسيا، والتي ستتم على ما يبدو عبر بنك نمساوي له فروع لا تشملها العقوبات في موسكو، وعبرت واشنطن عن ارتياحها لهذا الحل بحسب مسؤولين أتراك.

على الرغم من العقوبات، استطاعت روسيا إيجاد حلول ناجحة للحفاظ على نموها الاقتصادي الذي بلغ 3.6% في عام 2023، ويتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 1.5% في عام 2025. وهذا يضع روسيا وبالرغم من الرقم المتواضع في صدارة دول مجموعة السبع المتقدمة، من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا.

إلى أين بعد العقوبات؟

العقوبات أضرت واضعيها أكثر مما أضرت روسيا، ففي جردة الحساب النهائية، تبدو روسيا أقل تأثراً على الجبهة الاقتصادية. ومن النافل القول: إنها متقدمة كذلك على الجبهة العسكرية، خاصة مع ازدياد انسحاب الولايات المتحدة لتتولى الجيوش الأوروبية أمر الحرب في أوكرانيا بمفردها. في هذا السياق، يطفو سؤال جوهري: إذا استمرت أوكرانيا في رفض التفاوض حول شروط، مثل: الحياد أو عدم انضمامها للناتو، فما العائق أمام موسكو لفرض الأمر عسكرياً؟ خاصةً مع بدء إعلان إقامة «منطقة عازلة» داخل الأراضي الأوكرانية. المشهد الحالي يوحي بأن التوازن القائم يصبّ لصالح روسيا تدريجياً، وأن العقوبات وإن آلمت لن تغير من المجرى العام لتطور الأحداث.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1228
آخر تعديل على الأحد, 25 أيار 2025 22:30