عيد النصر.. عيد لجميع ضحايا الفاشية
في الساعة 11:00 ليلاً في الثامن من أيار 1945 أعلن الاستسلام غير المشروط لألمانيا النازية، ومعه نهاية الحرب العالمية الثانية! وذلك بعد موت 60 مليون إنسان، أي ما يعادل 2.5% من سكان الأرض وقتئذ!
تأتي هذا العام الذكرى الثمانون لعيد النصر على ألمانيا النازية وحلفائها، والعالم أقرب من أي وقت مضى لاستعار أوار حرب عالمية ثالثة. بل إن الحروب بالوكالة المنتشرة في العالم باتت بمجموعها تشبه حرباً عالميةً تنفذها قوى فاشية متنوعة الغطاء الإيديولوجي، وتخدم مصالح القوى الإمبريالية الكبرى، في خضم أزمة اقتصادية عالمية تزداد وطأتها يوماً بعد يوم. في المقابل، تسعى دول الجنوب الصاعدة، وفي مقدمتها مجموعة «بريكس K، إلى الانفكاك من هيمنة النظام العالمي القديم، عبر بناء بدائل اقتصادية ومشاريع تنموية، قد تُشكّل قاعدة لتوحيد الشعوب على أساس التقدم والتنمية. لكن الغرب، في تراجعه، لجأ خلال السنوات الأخيرة إلى استراتيجية تقوم على حروب الاستنزاف والصراعات المدمّرة، تحت شعار: «إما الهيمنة الغربية، أو الخراب».
رسائل روسيا والدول الصديقة في عيد النصر
احتفلت روسيا في 9 أيار الفائت بعيد النصر بعرض عسكري مهيب ضم 11500 جندي من وحدات من الجيش الروسي، إلى جانب وحدات عسكرية من دول صديقة، كالصين وفيتنام ومصر وغيرها. حضر الحفل 25 رئيس دولة من دول الجنوب العالمي من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في مشهد يبدو فيه الغرب الذي فرض عقوبات غير مسبوقة تاريخياً على روسيا بهدف عزلها، هو المعزول.
أوروبياً، كان من اللافت حضور كل من رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو، ورئيس صربيا ألكسندر فوسيتش، على الرغم من التحذير شديد اللهجة من الاتحاد الأوروبي من هذه الخطوة، خاصة أن اجتماعاً آخر لقادة أوروبيين كان قد أعد على التوازي في كييف لمطالبة روسيا بهدنة ثلاثين يوماً في أوكرانيا. بلغت التوترات الأوروبية حدّ إغلاق ليتوانيا ولاتفيا مجالهما الجوي أمام طائرة الرئيس السلوفاكي، الذي غير مسار رحلته ليصل موسكو عبر المجر. كما تقرر أن يقوم أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، بزيارة العاصمة الصربية يوم الاثنين حاملاً رسائل التأنيب، أو عقوبات ما بحسب الغارديان. أما في موسكو، وفي الحفل الختامي عند قبر الجندي المجهول، كان من الملاحظ أن البروتوكول الروسي وضع رئيس الوزراء السلوفاكي فيكو في مكان بارز بالقرب من بوتين، في إشارة إلى أن روسيا لم تفقد أوروبا أيضاً من طيف حلفائها.
ألقى بوتين خطابه وفي ظهره نرى الحليف الأقوى، الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي تابع العرض العسكري من مكان شرف بجوار بوتين. كانت النقطة المحورية في خطاب بوتين هي الدعوة إلى الوحدة الوطنية، كما شكر أعضاء جمهوريات الاتحاد السوفيتي الشرقية والجنوبية السابقة على نضالهم المشترك، وقال: إن التاريخ العالمي سيتذكرهم إلى الأبد جميعاً، من الأرمن إلى الطاجيك. وقال: «نقدر بشدة مساهمة جنود الحلفاء، ومقاتلي المقاومة، وشعب الصين العظيم، وكل من ناضل من أجل مستقبل سلمي».
قبيل يوم النصر، أعلنت موسكو عن هدنة لمدة ثلاثة أيام مع أوكرانيا، الأمر الذي رفضته كييف، إذ أن مطلبها كان 30 يوم هدنة، وفي اجتماع قادة بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبولندا في كييف وجهوا رسالة بمباركة ترامب، تطلب من بوتين بالقبول غير المشروط بالهدنة قبل يوم الاثنين 12 أيار القادم، أو مواجهة تصعيد في العقوبات، وتوريد الأسلحة لكييف. في مؤتمر صحفي بعد الاحتفالات، عرض بوتين بديلاً عن ذلك، وهو عودة المفاوضات المباشرة مع كييف التي أفشلها سابقاً القادة الأوروبيين في إسطنبول، طالباً ذلك من الرئيس التركي أردوغان. فيما يبدو أنه ملامح لدفن الطموحات الترامبية بالتقرب من روسيا عبر أخذ دور الوسيط فيما يتعلق بأوكرانيا وإعطائها مكاسب في أوكرانيا مقابل إبعادها عن الصين.
شهية ألمانية مفتوحة على الحرب من جديد!
تم إحياء ذكرى «يوم النصر في أوروبا» في كل من باريس ولندن. كذلك في برلين شارك المستشار الألماني فريدريش ميرتس بمراسم يوم النصر مع مجموعة من أعضاء حزبه وحكومته. في كلمة الرئيس الألماني فرانك والتر شتاينماير في البوندستاغ، كرر الحجة القائلة بأن ألمانيا مضطرة إلى التعامل مع «اضطرابات تاريخية تحدث في الشرق والغرب» مبرراً توجيهه الحكومة للإنفاق على التسلح كأولوية. كما دعا إلى أن تصبح ألمانيا «بقواتها المسلحة وبنيتها التحتية العمود الفقري للدفاع التقليدي في أوروبا». وفي كلمته في بروكسل، بدأ كلامه بكذبة أن: «بوتين أعاد الحرب إلى هذه القارة». وكأن العدوان التي شنه حلف شمال الأطلسي ضد يوغوسلافيا عام 1999، وانفصال كوسوفو لم يحدثا أبداً. فشتاينماير بالذات كان مسؤولاً وقتئذ في الأجهزة الاستخباراتية في المستشارية الألمانية، وله دور في هذه الحرب. لم يكرّس البرلمان الألماني في يوم 8 أيار ولو كلمة واحدة للمصالحة مع روسيا، بل كان الحديث فقط عن «السلام الناتج عن النصر».
لم تغير ألمانيا كثيراً في شعاراتها بين الحربين العالميتين، فالشعار في عام 1914 كان: صد الاستبداد الروسي، أما في عام 1941: صد الخطر البلشفي. واليوم: صد طموحات بوتين.
يعلم الرئيس الألماني الحالي تماماً، كيف أعدت طبخة السم لحرب الناتو في أوكرانيا، فقد كان وزيراً للخارجية الألمانية عام 2014 عندما انطلقت أحداث ساحة ميدان في كييف، وكان داعماً أساسياً للانقلاب الذي حدث في أوكرانيا، ومكّن جماعات بانديرا * الفاشيين من السلطة في أوكرانيا.
وعلى الصعيد الديمقراطي، تعمل الحكومة الألمانية على قمع أي خطاب مخالف لها فيما يخص عيد النصر. فهذا العام، منعت المجموعات اليسارية وقوى السلم- أثناء زيارتها للنصب التذكاري للجندي السوفييتي وبقرار من المحكمة- من رفع أي شعار يمت للمحررين السوفييت. كذلك ُمنع توزيع الصحيفة المعادية للفاشية اليونغه فلت، لأن غلافها احتوى على علم الاتحاد السوفييتي. بينما رفعت أعلام أوكرانيا والناتو ولافتات تشتم بوتين عند نصب الجندي السوفييتي. يبدو أن ثمة محاولة لإعادة كتابة التاريخ تتضمن إنكار دماء 80000 جندي سوفيتي قتلوا في معارك تحرير برلين وحدها.
لماذا يعنينا عيد النصر كسوريين؟
إن عيد النصر على الفاشية عام 1945 دعم حصولنا على عيد الجلاء من المستعمر الفرنسي سنة 1946. فقد ساهم انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية في تعزيز حركات التحرر الوطني على مستوى العالم، بما في ذلك سورية. وتوضّح بعدها ميزان القوى الدولي، فقد أضعف هذا الانتصار القوى الاستعمارية التقليدية، مثل: فرنسا وبريطانيا، في حين برز الاتحاد السوفييتي كمنتصر رئيسي، ما أتاح فرصة لسورية للتقدم نحو الاستقلال. كما تأسست الأمم المتحدة عام 1945 وأصبحت مبادئ التحرر من الاستعمار، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، جزءاً من ميثاقها. وبذلك تمكن شعبنا السوري من تتويج نضاله ضد المستعمر الفرنسي والثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، وما تلاها من حراك سياسي بالاستقلال. فدعي مندوب سورية، فارس الخوري، لطرح قضية انسحاب القوات الفرنسية من البلاد بدعم من مندوب الاتحاد السوفييتي آنذاك وتحررت سورية في نيسان 1946.
اليوم، تعيش معظم بلدان الجنوب العالمي حالة من الاستعمار الحديث، في عالم كان أحادي القطب، وتسعى للانفكاك والتحرر، ولا يبدو أن التوازن الدولي يسير لصالح الدول ذات الجينات الاستعمارية. اليوم خلاص الشعوب بإيقاف القوى الفاشية ومشعلي الحروب قبل أن يضرموها.
*بانديرا: قومي فاشي قاد مجموعات اوركرانية تعاونت مع الجيش النازي الألماني في الحرب العالمية الثانية وقاموا بمجازر اتجاه اليهود والبولونيين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1226