رسائل خطيرة على خلفية إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي

رسائل خطيرة على خلفية إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي

اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً بإقالة مستشار مكتب الأمن القومي ونائبه، وكلّف وزير الخارجية ليكون قائماً بأعمال المكتب، الخطوة وإن بدت مألوفة إلا أنّها تحمل دلالات خطيرة، وخصوصاً مع ما يتوفر من معلومات عن خلفية قرار ترامب الذي ترافق مع العمل على عدد كبير من الملفات حساسة بالنسبة للولايات المتحدة.

اتخذ ترامب يوم الخميس 1 أيار الجاري، قراراً بإقالة كلٍ من مايكل والتز ونائبه أليكس وونغ، ورشح الرئيس والتز ليكون سفيراً لواشنطن في الأمم المتحدة، لكن الطبيعة الحساسة لمكتب الأمن القومي، وحقيقة أن ترامب كان صاحب قرار تعيين والتز في هذا المنصب شغلت حيّزاً كبيراً من التحليلات المنشورة.

«سيغنال غيت» أم أكثر؟

تحدّثت الصحافة الأمريكية قبل أسابيع عن فضيحة عرفت باسم «سيغنال غيت» حيث أنشأ المستشار مجموعة على تطبيق المراسلة «سيغنال» ضمّت نائب الرئيس جاي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، وآخرون، استخدمها والتز لمناقشة خطط وزارة الدفاع لشن هجمات جوية على «أنصار الله» في اليمن، ثم ارتكب مستشار الأمن القومي الأمريكي «خطأً» قاتلاً بإضافة رئيس تحرير مجلة «اتلانتك» جيفري غولدبرغ إلى المجموعة، مما مكّن الأخير من الاطلاع على وثائق سرية، ليتحمّل والتز المسؤولية لاحقاً، ويقر بإنشائه للمجموعة مرجّحاً أن «يكون قد حفظ رقم هاتف الصحفي على هاتفه وهو يظنّه شخصاً آخر»!

الفضيحة كانت ضخمة، وخصوصاً أن التطبيق لا يُعد آمناً وغير مسموح استخدامه لأغراض رسمية، أو معلومات تتسم بالسرية، وهذا ما يتناقض مع تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي التي قالت: إن تطبيق سيغنال مُعتمد للاستخدام الحكومي، وهو مُثبّت على الهواتف الحكومية، لكن سجالات كثيرة ظلّت ترافق استخدام هذا التطبيق وأمثاله، ما دفع الحكومة لوضع ضوابط لاستخدامه لم يلتزم بها والتز.

لكن ما جرى تسريبه في جريدة واشنطن بوست قدّم إجابات أدق، فبالرغم من الفضيحة، لم يخسر والتز منصبه، لكن مسألة أخرى كان هي السبب، وهو أن الرئيس الأمريكي على يقين بأن مستشار الأمني كان ينسّق مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بشأن سيناريوهات لتوجيه ضربة لإيران، وأنّه عقد مع نتنياهو لقاءات سريّة مكثّفة ناقش فيها الإثنان بشكل مفصل ضرب إيران، وهو ما بدا واضحاً للرئيس حين التقى نتنياهو في شباط الماضي، حيث ظهر له أن قناعة مستشار الأمن القومي كانت مطابقة لقناعة نتنياهو بإن «الوقت حان لضرب إيران». وأضافت «واشنطن بوست» إن والتز «أراد أن يأخذ السياسة الأمريكية في اتجاه لم يكن ترامب مرتاحاً له، لأن الولايات المتحدة تحاول التوصل إلى حل دبلوماسي».

من جانبه، وجد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نفسّه مضطراً لنفي هذه التسريبات، وقال: إنه لم ينسق مع والتز، وذكر بيان مكتب نتنياهو بشكل مفصل اللقاءات المعلنة التي جمعت بين الاثنين، ورغم إقرار الأخير بأنّه التقى مستشار الأمن القومي قبل اللقاء مع ترامب، إلا أنّه نفى أن يكون ناقش معه سيناريوهات عمل عسكري ضد إيران!

ضربة جديدة لـ «إسرائيل»

إن إقالة والتز، وبغض النظر عن ملابساتها تحمل رسائل في اتجاهين، الأول: يرتبط بـ «إسرائيل» والثاني: يرتبط بالصراع داخل مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، فهذه الإقالة هي الأولى في ولاية ترامب الثانية لمسؤول رفيع، وبمجرد تداول تسريبات واشنطن بوست، يبدو واضحاً أنّ الرئيس الأمريكي يرى دوراً «إسرائيلياً» مناقضاً لتوجهاته، وهو عازم على الرد، فكانت جريدة نيويورك تايمز قالت في شهر نيسان الماضي: إن ترامب «أحبط خطة [إسرائيلية] لضرب موقع نووي إيراني» كانت تتطلب دعماً أمريكياً لتنفيذها. وبدلًا من ذلك، دفع باتجاه التفاوض مع إيران على برنامجها النووي، ويبدو وضوحاً إدراك ترامب أن في داخل إدارته من يشاطرون «إسرائيل» توجهها نحو التصعيد، وهو ما لا يتفق مع ضرورات المرحلة بحسب رؤية ترامب.

في الوقت نفسه، يعمل ترامب منذ توليه الرئاسة على إحداث تغييرات كبيرة في مؤسسات الدولة، وينفذ عملية إعادة هيكلة واسعة تحت ذرائع مختلفة من نمط «خفض النفقات»، إلا أن مراقبة خطوات ترامب في هذا الخصوص توضّح وجود محاولة لمركزة اتخاذ القرار، وتقويض قدرة «الموظفين البيروقراطيين» على التأثير في آليات اتخاذ القرار. فما يثير الاهتمام في قرار ترامب الأخير هو أنّه أوكل مهمة إدارة مكتب الأمن القومي إلى وزير الخارجية ماركو روبيو على أن يحتفظ بحقيبة الخارجية، وهي حالة نادرة في تاريخ المكتب الذي جرى استحداثه في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان عام 1947. والجدير بالذكر، أن روبيو المقرب من الرئيس ترامب، بات يشغل اليوم 4 مهام حساسة، فبالإضافة لما سبق يدير الآن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «USAID» والأرشيف الوطني.

إذا ما أعدنا ترتيب الأفكار، نرى أن التقديرات حول وجود شرخ في العلاقة الأمريكية-«الإسرائيلية» باتت مدعّمة بالكثير من الدلائل، فبالنسبة للكيان تتصرف الإدارة الأمريكية الحالية وفقاً لاستراتيجية تعيد فيها التموضع الأمريكي باتجاه الداخل، ويسعى ترامب لمنع «إسرائيل» من إعاقة هذا التوجه الذي يرى فيه الفرصة الأخيرة لنجاة الولايات المتحدة، فالكيان الصهيوني يرى مستقبله على المحك فعلاً، إذ أن مسعى الرئيس الأمريكي لإعادة الاتفاق مع طهران على البرنامج النووي من شأنه أن يفكك ما كان الكيان يراهن عليه لتفجير المنطقة، وهم لذلك يعملون ليل نهار داخل أجهزة اتخاذ القرار الأمريكية، وتحديداً تلك التي تختلف مع ترامب بهدف دفع الأمور باتجاه متناقض، عبر توريط وخلق ذرائع جديدة تفرض على ترامب تأخير خطته، وهو ما يفسر سلوك الأخير منذ وصوله إلى الرئاسة، وتحديداً أحاديثه عن «الدولة العميقة» إذ يعمل ترامب على تفكيك الكثير من الأجهزة القائمة ويعيد هيكلتها ما يضمن له سلاسة أكبر في اتخاذ القرار بالسرعة المطلوبة.

لا شك أن المشهد يتطور بسرعة، ومن المرجّح أن نعرف أكثر عن طبيعة التحركات الأمريكية القادمة خلال زيارة ترامب المرتقبة إلى منطقة الشرق الأوسط في أواسط شهر أيار الجاري، فبحسب موقع «أكسيوس» لا توجد نيّة لدى الرئيس الأمريكي لزيارة «إسرائيل» خلال هذه الجولة، بل سيزور السعودية وقطر والإمارات، وسيعقد قمّة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ونقل المصدر ذاته عن مسؤولين: إن ترامب لا يحمل أي مبادرات جديدة ترتبط في غزة، ما يمكن تفسيره على أنّه ضغطٌ إضافيٌ على نتنياهو، الذي لم يستجب بعد لمطالب الرئيس الأمريكي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1225