نتنياهو يشهد أيامه الأخيرة؟
تضيق الحياة وأفقها أمام رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، وأمام الكيان الصهيوني استراتيجياً، باعتباره أحد أكثر الرؤساء الصهاينة تطرفاً، وقد يكون آخرهم من هذا الصنف، قبل أن يفرض على الكيان الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة، وهو اعتراف كفيل بأن يدق مسمار نعشه، أما الآن فتتقلص الخيارات أمام نتنياهو، ويناور ما استطاع قبل رضوخه للمرحلة الثانية من الاتفاق مع المقاومة الفلسطينية، وبالتوازي مع ذلك، يكبر شبح داخليّ أمام وجهه..
عقد الاتفاق بين «إسرائيل» والمقاومة الفلسطينية يوم 17 كانون الثاني من العام الجاري، وهو اتفاق يشمل وقفاً فورياً لإطلاق النار، وانسحاب القوات الصهيونية من قطاع غزة بشكل كامل، والانسحاب من محور فيلادلفيا وتبادل الأسرى «الإسرائيليين» مع آلاف من الأسرى الفلسطينيين، بشكل تدريجيّ وضمن مراحل ثلاث، وصولاً لإنهاء الحرب، وقد دخل حيّز التنفيذ بمرحلته الأولى يوم 19 كانون الأول، وشهدت هذه المرحلة اطلاق سراح 33 «إسرائيلياً» مقابل الإفراج عن 1900 أسير فلسطيني، كان من بينهم 270 بأحكام مؤبدة، وانسحب الكيان جزئياً من قطاع غزة.
محاولات العرقلة
انتهت المرحلة الأولى في الثاني من آذار الجاري، وعرقل نتنياهو مفاوضات المرحلة الثانية، وجاهر علناً برغبته في العودة إلى الحرب. إلا أن تيار ترامب، الذي أرغمه على القبول بالاتفاق مع المقاومة الفلسطينية، انطلاقاً من المصلحة الأمريكية، عادت ففرضت على نتنياهو عدم التهوّر، وأرسلت واشنطن مبعوثها ستيف ويتكوف مع مقترحه في إطار ما سمي بـ «الجسر» كفترة زمنية تربط نهاية المرحلة الأولى ريثما تبدأ الثانية.
إلا أن المقاومة الفلسطينية رفضت هذا الاقتراح الذي يشمل إطلاق سراح بعض الأسرى «الإسرائيليين» باعتباره خارج سياق الاتفاق الرسمي، وغير ملزم لحكومة الاحتلال.
فاستغل نتنياهو هذا الخلاف ليوقف إدخال المساعدات تماماً إلى قطاع غزة، ويعلو خطابه مجدداً نحو التصعيد، ويعرقل أيّ خطوة بالمفاوضات، وبالتوازي مع ذلك تصاعد الحديث عن تهجير الفلسطينيين، قبل أن يأتي الرد العربي برفض قاطع.
وخلافاً لطموحات نتنياهو، مضى ويتكوف، متجاوزاً إياه والحكومة «الإسرائيلية» بأسرها للتفاوض مع المقاومة الفلسطينية على اطلاق سراح 5 أسرى من مزدوجي الجنسية، و 4 جثث وأسير حيّ هو الأمريكي عيدان الكسندر، بمقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين وإجراء تعديلات تعتبر المقترح المذكور جزءاً لا يتجزأ من اتفاق 17 كانون الأول، ويلزم الكيان بتطبيق ما تبقى من المرحلة الأولى، واستئناف فتح المعابر ودخول المساعدات والانسحاب من محور فيلادلفيا، والشروع بمفاوضات غير مباشرة خلال 50 يوماً للوصول لوقف دائم لإطلاق النار.
وعليه أبدت المقاومة الفلسطينية استعدادها لإطلاق سراح الرهائن.
بالتوازي مع هذه التطورات، صرح ترامب «لا أحد سيقوم بتهجير الفلسطينيين» لكن في اليوم التالي توالت أخبار تفيد بتواصل الولايات المتحدة مع مسؤولين في السودان والصومال وأرض الصومال «الانفصالية» لإعادة توطين الفلسطينيين بداخلها، إلا أن المسؤولين السودانيين قالوا: إنهم ردوا بالرفض، بينما أفادت الصومال وأرض الصومال بعدم علمهم بأيّ اتصالات من هذا القبيل، فيما يبدوا أنها محاولة صهيونية للتشويش على التطورات الجديدة.
بالنسبة للولايات المتحدة، من الممكن، كتقدير أوليّ، اعتبار ضغطها وإسراعها لاسترجاع رهائنها من حملة الجنسية الأمريكية، تمهيداً لانسحابها من ملف المفاوضات، بالتوازي مع انسحابها عسكرياً من المنطقة، وهو ما سيشكل ضربةّ كبرى للكيان، ومن السوداويّ حقاً بالنسبة لنتنياهو محاولته أن يحقق بالمفاوضات ما فشل تحقيقه بالحرب.
الداخل يشتعل
أما في الداخل «الإسرائيلي» ومع هذه التطورات جميعها، يبدو أن نتنياهو يحاول تجنب انهيار ائتلافه الحكوميّ، فحين قبل أن ينفّذ المرحلة الأولى انسحب وزراء «عوتسما يهوديت» بينما اشترط وزراء «الصهيونية الدينية» بقائهم برفض تنفيذ المرحلة الثانية، بالإضافة لعديدين من «الليكود».
ويتظاهر «الإسرائيليون» وتحديداً من أهالي الأسرى، بشكل شبه يوميّ، كان آخرها أمام مقر الحكومة.
ومؤخراً ذهب نتنياهو لجلسة محكمة جديدة هي الـ 16 له، بتهم متنوعة من الرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، إلا أن الجديد الذي جرى هو خروج الرئيس السابق لجهاز الأمن العام «الإسرائيلي» «الشاباك»، ناداف أرغمان مهدداً نتنياهو بكشف ما يعرفه كله، بحال عمل ضد القانون، وقال: «علينا إنهاء الحرب في غزة فوراً واستعادة جميع الأسرى.. لا يوجد في قطاع غزة ما يستدعي البقاء فيه».
وردّ نتنياهو «لم يسبق بتاريخ [إسرائيل] أن هدد رئيس سابق لجهاز أمني رئيس وزراء في منصبه وابتزه على الهواء مباشرة» واصفاً تصريحات أرغمان بـ «التهديدات الإجرامية بأسلوب المافيا» مضيفاً «هذه جريمة تضاف إلى حملة كاملة من الابتزاز والتهديد يقودها رئيس الشاباك الحالي».
وبذلك، فإن الأمور داخل الكيان الصهيوني بدأت تغلي، ومن الممكن أن تدخل حالة من التصاعد وبوتيرة متسارعة مع كل تقدم بمراحل الاتفاق ومفاوضاته، ويظهر مع كل يومٍ جديد أن رئيس الوزراء كان يرى في الحرب مخرجه الوحيد من هذا المأزق، لكن الظروف تسير عكس ما يشتهي، ما قد يقوده إلى السجن سريعاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1218