«إسرائيل»… سفينة من ورق يجرفها التيار
لا يزال صدى الهجوم الشرس الذي تعرض له الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض يتردد في كلّ مكان، فما قام به بشكلٍ مدروس كل من الرئيس الأمريكي ونائبه، ذائع الصيت، لن يمر دون نتائج مدوّية، فيبدو وضوحاً أن ما تعرّض له زيلينسكي يعكس إلى حدٍ كبير قدرة الولايات المتحدة على القفز من موقع إلى آخر، فبعد تقديم دعم منقطع النظير لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، تجد واشنطن أنّها مضطرة لإعادة ترتيب الأوراق.
الرسالة وصلت: مصلحة الولايات المتحدة أولاً! هذه الحقيقة التي تذكرّها صناع السياسات في «إسرائيل» وانكب عشرات المحللين والمعلقين لتفسير ما جرى في البيت الأبيض مؤخراً، ولم يَغفلوا عن لعنتهم الأبدية فـ «[إسرائيل] سفينة من ورق يجرفها التيار» هي كذلك بالفعل، ولا يمكن للسفينة الورقية ألا تفزع من حفلة التهزيء.
ويبقى السؤال حول إمكانية التعامل مع «التيار» وتسخيره لمصلحة الكيان المشؤوم!
كيف يفكرون في «إسرائيل»
بعض الأفكار المطروحة على الطاولة تنطلق من مقدمات صحيحة، إذ تقول: إن «الحرب ضد روسيا نهبت موارد ضخمة من الولايات المتحدة، وأفرغت مخازن سلاحها، بما فيها تلك الموجودة في [إسرائيل]» وعلى هذا الأساس بات من الضروري بالنسبة لواشنطن وقف هذا الاستنزاف، لا بل تحصيل ما جرى إنفاقه بأي شكلٍ من الأشكال، وتحديداً عبر ما بات يعرف باسم «اتفاقية المعادن» ذلك بالإضافة إلى توريط الأوروبيين أكثر في هذا المستنقع، وشفط ثرواتهم ثمناً للأسلحة من الولايات المتحدة، لكن المحللين «الإسرائيليين» يتسرّعون في البناء على ما سبق إذ يقولون: إن إنهاء التورط الأمريكي في أوروبا من شأنه أن يُعيد تركيز صناع القرار- هناك- على الشرق الأوسط! بما يعنيه ذلك من حصول «إسرائيل» على دعم أمريكي غير مشروط، ويرون في تصريحات ترامب حول الحرب الأخيرة ومقترحه حول تهجير سكان غزّة خير دليل على استنتاجهم هذا، كما لو أن مشكلة ترامب هي في إنفاق موارد بلاده في أوروبا ولن يرى مشكلة في إنفاقها في مكان آخر! في الوقت الذي يُذكّرُ تيار ترامب على مدار الساعة، أن الموارد الأمريكية لا تكفي حتى لترتيب البيت الداخلي، وهم لذلك مضطرون للبحث عن الموارد، وينصب تركيز أنصار هذا التيار على تأمينها من القارة الأمريكية.
الرهان في «إسرائيل» إذاً يتركز على فكرة أساسية تقول: إن واشنطن تقوم بإعادة تموضع في الشرق الأوسط عبر تفاهمات مع روسيا، التي ستكون مضطرة «بحسب جهابذة السياسة في الكيان الصهيوني» للتخلي عن محور استراتيجي جرى بناؤه خلال السنوات الماضية مع الصين وإيران، وعلى أساس أفكار كهذه يرى الكيان، أنه مضطر إذا ما أراد حجز موقعه في الصورة الجديدة أن يثبّت أقدامه في المعادلات الإقليمية القائمة كلها، وتحديداً في سورية ولبنان، لكن وبعيداً عن التسرع أو الإفراط بالتفاؤل، هل يمكن قبول سرد تحليلي كهذا؟
كيف تبدو الصورة في الواقع
في الواقع، تجد واشنطن نفسها مضطرة لإعادة التموضع، ولكن توجه كهذا لا يمكن قراءته إلا في ضوء أزمة عميقة تعيشها الولايات المتحدة، وهي لذلك تسابق الزمن وليس من الوارد أن تقفز من مستنقع لتنزل في آخر، فميزان القوى داخل الولايات المتحدة يتجه إلى الانكفاء، ولا يعني ذلك «النزول عن مسرح التاريخ» بل العمل على تدعيم خطوط الدفاع الأخيرة، أملاً في الحفاظ على أمريكا موحدة، فأي تأخير إضافي في هذا التوجه، يعني نقل المعركة إلى الداخل الأمريكي، وبدء مرحلة تفكك لا يمكن وقفها.
إن كان هناك اعتقاد بإمكانية كسر التحالف الاستراتيجي الروسي الصيني، إلا أن الوقت وحده كفيل بدحض هذه الأوهام، فالدول العظمى تتعلم من التاريخ، وأمام روسيا والصين درس مهم لا يمكن إغفاله، فعندما نجحت واشنطن في كسر الرابطة بين البلدين، واستمالت الصين لتحيديها، انتهى الأمر بخسارة كل من الاتحاد السوفييتي والصين، وسرعان ما اكتشف البلدان أن الوعود الأمريكية سواء بما يخص توسيع الناتو شرقاً، أو الاعتراف بالمصالح الصينية وسيادتها على تايوان، كانت حبراً على ورق، وهم لذلك لن يغامروا مجدداً بكسر صمام الأمان الذي يحميهم.
من الطبيعي أن تخشى «سفينة الورق» من التيارات الجارفة، وهم في «إسرائيل» يدركون أننا أمام إعادة ترتيب كبرى، ويعلمون أيضاً أن مصيرهم اليوم مرهون باتجاه «التيار» الأمريكي، وإن كان البعض يظن حتى اللحظة أن الاحتمالات مفتوحة، فعليه إدراك أن أحد الاحتمالات المطروحة هو أن الولايات المتحدة لا تملك ما يكفي من الإمكانيات للمناورة في الشرق الأوسط لوقتٍ أطول، وقد تجد «إسرائيل» نفسها وحيدة، وهذا الاحتمال وإن كان لا يحتل بعد حيّزاً كبيراً من التحليلات المتداولة في العلن، إلا أنّه يحكم سلوك الكيان المسعور! فالسلوك الصهيوني في المنطقة من حرب غزّة، وما رافقها من اعتداءات على لبنان وسورية واليمن، وما حيك كله من مؤامرات ضد مصر والسعودية وتركيا وإيران، ما هو إلا «نداء استغاثة» تطلقه حاملة الطائرات الصهيونية قبل الغرق!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1217