الكونغو تحت النار... الغرب وسيناريو الفوضى في أفريقيا
كنان دويعر كنان دويعر

الكونغو تحت النار... الغرب وسيناريو الفوضى في أفريقيا

شهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية تصعيداً ملحوظاً في الصراع المستمر منذ عقود، حيث تمكن مقاتلو حركة «إم 23» المدعومة من رواندا من السيطرة على مدينة غوما الاستراتيجية، عاصمة مقاطعة كيفو الشمالية.

أثار هذا التقدم العسكري موجة من الغضب الشعبي والدولي، وأعاد إشعال التوترات بين البلدين الجارين، مما يهدد بتحويل النزاع إلى صراع إقليمي أوسع.

التطورات الأخيرة

تعد مدينة غوما مركزاً اقتصادياً وسكانياً مهماً. وتقدر الأمم المتحدة أن ما بين 3 إلى 4 آلاف جندي رواندي قد انضموا إلى القتال إلى جانب المتمردين، مما سمح لهم بالتوسع والسيطرة على المزيد من المناطق. هذه الخطوة جاءت بعد فشل وساطة أنغولية بين البلدين، والتي كانت تهدف إلى تخفيف التوترات وإنهاء القتال.
مع سيطرتهم على غوما، أعلن المتمردون أنهم لا يعتبرون أنفسهم ملزمين بخطة العمل التي تم الاتفاق عليها في قمة أنغولا، والتي نصت على وقف فوري للأعمال العدائية، وانسحاب غير مشروط لمقاتلي الحركة. وفي الوقت نفسه، قطعت جمهورية الكونغو الديمقراطية علاقاتها الدبلوماسية مع رواندا، واستدعت دبلوماسييها، متهمة كيغالي بتقديم دعم مباشر للمتمردين.

ردود الفعل الشعبية والدولية

تصاعد الوضع بشكل كبير داخل الكونغو الديمقراطية، حيث خرج المتظاهرون في العاصمة كينشاسا ومدن أخرى للاحتجاج على ما يعتبرونه دعماً غربياً لرواندا، وهاجم المحتجون السفارات الغربية، بما في ذلك السفارات الأمريكية والفرنسية والبلجيكية، متهمين هذه الدول بالتواطؤ في إثارة الاضطرابات. وقد أضرم المتظاهرون النار في مبنى السفارة الفرنسية، وأحرقوا الإطارات أمام السفارة الأمريكية، مرددين هتافات، مثل: «اخرجوا أيها اللصوص». نتيجة لذلك، أغلقت السفارة الأمريكية أبوابها أمام الجمهور بسبب المخاوف الأمنية.
على الصعيد الدولي، أدانت روسيا بشدة أعمال المتمردين، ودعت إلى وقف فوري للقتال وانسحاب الجماعات المسلحة غير الشرعية. كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «قلقه العميق» بشأن تصاعد العنف، وطالب القوات الرواندية بالتوقف عن دعم حركة «إم 23» والانسحاب من الأراضي الكونغولية.

الخلفية التاريخية للصراع

يمتد الصراع بين الكونغو ورواندا إلى عقود، ويرتبط بشكل وثيق بالحدود الاستعمارية التي رسمتها القوى الأوروبية خلال مؤتمر برلين عام 1885. هذه الحدود قسمت مجتمعات عرقية، مثل: التوتسي والهوتو بين البلدين، مما أدى إلى توترات مستمرة. في التسعينيات، استغلت رواندا هذه الانقسامات لدعم جماعات مسلحة في شرق الكونغو، خاصة بعد الإبادة الجماعية عام 1994، حيث اعتبرت أن بعض الجماعات الكونغولية تشكل تهديداً لأمنها القومي.
حركة «إم 23»، التي بدأت تمردها الحالي في عام 2022، تزعم أنها تدافع عن حقوق التوتسي ضد ميليشيات الهوتو المرتبطة بالإبادة الجماعية. ومع ذلك، تتهم الأمم المتحدة ودول غربية رواندا بدعم الحركة عسكرياً لتحقيق أهداف جيوسياسية، بما في ذلك السيطرة على مناطق غنية بالموارد الطبيعية، مثل: التنجستن والتنتالوم.

المخاطر المستقبلية

حذر رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا من أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي، محذراً نظيره الرواندي بول كاغامي بأن أي تصعيد عسكري سيكون بمثابة «إعلان حرب». وأكدت وزيرة دفاع جنوب أفريقية: أن بلادها ستزيد من وجودها العسكري في المنطقة كجزء من مهمة إقليمية لحفظ السلام.
من جهة أخرى، يشير الخبراء إلى أن الصراع قد يؤدي إلى انهيار الحكومة المركزية في بعض المناطق، مما يخلق فراغاً سياسياً يمكن أن تستغله جماعات مسلحة أخرى. كما أن تعطيل سلاسل التوريد العالمية للمعادن النادرة، التي تعتبر الكونغو مورداً رئيسياً لها، قد يكون له تداعيات اقتصادية عالمية.

الخلاصة

الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية ليس مجرد نزاع محلي، بل هو قضية ذات أبعاد إقليمية ودولية. مع استمرار تقدم المتمردين وتصاعد الغضب الشعبي، يبدو أن الحلول السياسة أصبحت أكثر إلحاحاً. ومع ذلك، فإن التاريخ الطويل من اتفاقيات وقف إطلاق النار التي لم تُلتزم بها، يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق سلام دائم. إذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة، فقد يتحول هذا الصراع إلى حرب طويلة الأمد، تهدد استقرار المنطقة بأكملها.
أما على المستوى الدولي، يبدو أن هنالك قوى ترى في هذه الحروب والفوضى الشاملة أداة لكبح تقدم الخصوم الدوليين، فترامب يرى ان «المشكلة» خطيرة، ولكن ليس من المناسب الحديث عنها الآن في معرض إجابته عن الصراع الدائر هناك، ويبدو ان سياسة الغرب في أفريقيا تحولت من السيطرة والنهب والتبعية، إلى إغراقها بالفوضى الشاملة، والاستثمار بالفوالق الدينية والعرقية والقبلية جميعها، والتي كان الاستعمار الغربي لأفريقيا سبباً في نشأتها وتهيئتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1212