الكيان يتخبط ولا يحقق مكاسب استراتيجية كبرى

الكيان يتخبط ولا يحقق مكاسب استراتيجية كبرى

قد يبدو عند مراقبة سلوك الكيان الصهيوني وتحديداً خلال الأيام القليلة الماضية درجة كبيرة من الحذر وربما التخبط في كثير من الأحيان، فبالرغم من حجم العدوان الذي شنه جيش الاحتلال لأكثر من عام متواصل، لم يستطع تحقيق أهداف استراتيجية كبرى، بل تظهر بين صفوف سياسييه ومحلليه قناعة راسخة أن الضربات العسكرية الموجعة التي نفّذتها «إسرائيل» تبقى حتى اللحظة دون دعائم استراتيجية يمكن البناء عليها، ويمكننا في هذا السياق تحديد بعض ملامح الاضطراب الصهيوني.

لا تزال غزّة تشكّل عقبة حقيقية أمام الكيان، إذ لا تملك أيُّ من القوى السياسية سواء تلك الحاكمة أو الموجودة في المعارضة أي إجابة على سؤال جوهري هو: ماذا بعد؟! ويظهر وضوحاً أن الضغط العسكري وإن طال لا يمكن أن يكون «حلّاً» بل ظهر مؤخراً مؤشر مهم يرتبط بتوافقات أولية بين حركة فتح وحماس بخصوص «اليوم التالي للحرب» في ظل غياب خطة صهيونية مقابلة، فالاتفاق الذي جرى الإعلان عنه في القاهرة وبمبادرة مصرية تحت اسم «لجنة الإسناد المجتمعي» يظهر أن الطرف الفلسطيني قادر بعد حرب طاحنة أن يسير خطوات إلى الأمام، وعلى الرغم من أن الاتفاق لا يزال في مراحله الأولى وقد يواجه عقبات إلا أنه يؤشر على تعاظم إمكانية تجاوز حالة الانقسام الفلسطيني، عبر واحدة من القضايا الشائكة التي لم يكن من الممكن دفعها بهذا الشكل قبل عامٍ واحد! لا شك أن الكيان الصهيوني سيرفض مثل هذا التوافق وتحديداً فيما يخص إدارة شؤون القطاع مستقبلاً لكنه في المقابل لم يكن قادراً على فرض أيٍّ من أفكاره سابقاً.

ماذا عن لبنان؟!

في السياق ذاته، كان الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاقٍ للنار تعبيراً عن أن الكيان لم يكن قادراً على تحقيق أهدافه الأساسية بالوسائل التي اعتمدها في لبنان، ومع أنّه حقق أهدافاً عسكرية واستخباراتية إلا أنّه لم يستطع إنجاز المهمة الاستراتيجية الأساسية، فالتهديد لا يزال قائماً ولا يرى المستوطنون أنّهم آمنون، هذا فضلاً عن أن كثيراً من الأصوات داخل الكيان لم ترَ الاتفاق في مصلحة «إسرائيل» تماماً، والأهم من ذلك أنهم يخاطرون اليوم بسلوكهم على الأرض بإسقاط الاتفاق، فبحسب تقارير إعلامية انتهك جيش الاحتلال وقف إطلاق النار لأكثر من 140 مرة خلال بضعة أيام، وإن كان البعض يرى في هذا السلوك إصراراً صهيونياً على ضمان «حقه» في التحرك في لبنان، إلا أنه يعكس فعلياً مستوى مرتفعاً من التخبط الذي يجري تظهيره على شكل اعتداءات عسكرية، وفي هذا السياق ذهب أحد المحللين «الإسرائيليين» للقول إنّ الكيان يرتكب أحد أخطائه القديمة مجدداً، وتحديداً يوم اجتاح لبنان عام 1982 فمع أن جيش الاحتلال استطاع إخراج الفصائل الفلسطينية من لبنان في حينه، وحاول بناء شبكة تحالفات من قوى داخلية، إلا أنه فشل استراتيجياً ولم يستطع التحكم في لبنان ولا التأثير العميق على التوازنات الإقليمية في المنطقة، ويرى الكاتب في صحيفة هآرتس أن «إسرائيل» دخلت بالفعل بسيناريو مكرر للمرة الثانية ولم تتعلم درساً من التاريخ.

نتنياهو إلى المحكمة!

لا شك أن الحرب أخرت استئناف مجرى القضاء في التهم الموجهة إلى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، لكن القرار اتخذ ومن المفترض أن تبدأ جلسات المحاكمة يوم 10 كانون الأول 2024 وذلك على الرغم من محاولته الحثيثة لتأخيرها، لكن المهم في هذه المسألة لا يرتبط فقط بمصير نتنياهو الشخصي أو السياسي، لكنّه يرتبط أيضاً بما قد يعنيه ذلك من اختلال في توازنات القوى الهشة داخل البنية السياسية، وينبئ أن التركيبة الحالية لم تعد قادرة على الاستمرار لوقتٍ أطول فقد استنفدت أوراقها، ويمكن القول إنّ الاستحقاقات التي كان يجري تأجيلها باتت موضوعة على الطاولة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1204
آخر تعديل على الأربعاء, 11 كانون1/ديسمبر 2024 14:45