وقف إطلاق النار في لبنان… تغيير تفصيلي لا أكثر!

وقف إطلاق النار في لبنان… تغيير تفصيلي لا أكثر!

بعد التوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، يبدو الوقت ملائماً لإعادة طرح سؤال جوهري حول الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وخصوصاً كون الأخيرة أدّت دوراً في الوصول إلى الاتفاق بعد أن كانت طوال الشهور الماضية تؤجج الصراع، وتعيق فعلياً إنجاز أي اتفاق سواء في غزّة أو لبنان، فهل حقاً تغيّرت السياسة الأمريكية- «الإسرائيلية»؟ أم أننا أمام فصل جديد من مخطط الفوضى ذاته؟!

دخل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيّز التنفيذ مع فجر يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني الجاري، وخلال الساعات التالية بدأ آلاف النازحين اللبنانيين يعودون إلى مناطقهم وقراهم، بينما تستمر حالة اضطراب شاملة في المستوطنات شمال فلسطين المحتلة، ولا توجد مؤشرات ملموسة على إمكانية عودة عشرات الآلاف من المستوطنين إليها قريباً، حتى أن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أصدر مع وزارة الدفاع أمراً بمنع دخول المستوطنين إلى المناطق القريبة من الحدود مع لبنان، ويضاف إلى ذلك أن الخروقات «الإسرائيلية» لم تتأخر، وبدأت بعد ساعات قليلة من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، وهو ما دفع الجانب اللبناني لإصدار بيان بهذا الخصوص، لا بل بدأت بعض الأصوات بوصف الاتفاق بأنّه «هش».
لا شك أنّه من المطلوب الوصول إلى تهدئة، لا في لبنان فحسب، بل في غزّة والمنطقة كاملة أيضاً، ويمكن للمراقب العادي الخروج باستنتاج بسيط، هو أن اتفاق وقف إطلاق النار هو اعتراف بأن قدرات جيش الاحتلال مع الدعم الأمريكي غير المسبوق لم تكن كافية لاستمرار الصراع بالشكل السابق، وكان الكيان مضطراً للتراجع عن أهدافه المعلنة من الحرب، فبدلاً من «إنهاء حزب الله وتفكيك قدراته» كان مضطراً لعقد اتفاقٍ تحت النار، وهذا دون أدنى شك انتصار جديد للمقاومة، لكن ذلك لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال أننا أمام «تحوّل» في الاستراتيجية الأمريكية-«الإسرائيلية» بل إن ما جرى يمكن النظر إليه بوصفه تغيير في شكل إدارة المعركة، ولإثبات ذلك يتوجّب علينا النظر إلى مسألتين أساسيتين…

التفجير هو الهدف

المسألة الأولى التي يمكن الحديث حولها هي: أن الهدف الأمريكي- «الإسرائيلي» لم يكن الذهاب إلى حرب لأجل الحرب، بل الهدف الفعلي هو تسخين الإقليم، ودفعه نحو الانفجار، والأفضل أن تتحقق هذه المهمة بأقل قدر ممكن من الخسائر من جانبهم، مع العمل على تعظيم خسائر الأطراف المقابلة، ولا نقصد هنا الخسائر العسكرية والمادية فحسب، بل يستهدف مشروع الفوضى نقاط الارتكاز التي يمكن أن يُحدث اختلالها الانفجارات الداخلية المطلوبة. وعلى هذا الأساس لم تكن الأهداف المعلنة للحرب العدوانية الصهيونية الأخيرة سوى جزء من الدعاية الإعلامية، حتى وإن تعيّن عليه تحمل نتائجها السياسية، فعلى الرغم من أن الأمل في القضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين موجود بالفعل بأذهان قادة الولايات المتحدة والصهيونية، إلا أنّهم يدركون بلا شك أن تحقيق هدف كهذا غير ممكن ضمن المعطيات الحالية، وعلى هذا الأساس كانت الحرب في لبنان مطلوبة طالما تحقق الهدف في تفجير الفوضى، ولكن يبدو أن الحائط الذي اصطدموا به في لبنان كان يمكن أن يقلب السحر على الساحر، ويمكن أن يكون السبب الذي يفسر الذهاب إلى وقف لإطلاق النار. وبما أن الهدف هو التفجير، والحرب في هذا السياق هي واحدة من أدوات أخرى يمكن استخدامها، فذلك لا يعني أن هناك تغييراً في الخطة الشاملة، إذ أن الدخول إلى لبنان كان تفصيل تكتيكي يمكن تعديله شكله، أو حتى التراجع عنه، لكن ذلك لا يعني مطلقاً أن الهدف الاستراتيجي الأعلى تغير، لا بل إن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو- وفي كلمته التي أعلن فيها عن وقف إطلاق النار- أرسل تهديدات خطرة لكلٍ من سورية وإيران، وأكّد أن الحرب لم تنته بعد!

الخواصر الهشّة

إن مجمل التحركات الأمريكية والصهيونية منذ بدء وقف إطلاق النار تؤكد أننا أمام فصل جديد، أو محاولة مختلفة لتفجير المنطقة، بل أيضاً بقاع أخرى من العالم، فالكيان أرسل في خروقاته الباكرة لوقف إطلاق النار رسالة سياسية مفادها أنه لا يتجه إلى تهدئة شاملة حتى في الجبهة اللبنانية، بل ربما أن تؤدي هذه الخروقات إلى انهيار الهدنة وعودة للمواجهات بشكل وحدة مختلفة، لكن من المثير للانتباه أننا بدأنا نشهد تحركات خطرة في اليمن وسورية، لا يمكن النظر إليها إلّا بوصفها خطوات تصعيدية جديدة تنسجم تماماً مع الاستراتيجية الأمريكية-الصهيونية، ويمكن لنا أن نضيف في هذا السياق، أن الخواصر الهشة في المنطقة ستكون مستهدفة بغض النظر عن الذريعة والشكل الذي يجري فيه هذا الاستهداف، فإمكانيات تفجيرها موجودة، وربما يأمل أصحاب مشروع الفوضى أن يحققوا نتائج أسرع في استهداف المراكز الأضعف، واستثمار النار التي يمكن أن تنتج عن هذه البؤر، مع تحركات موازية في بقاع أخرى من العالم، في تايوان وأوكرانيا استعداداً لجولات تصعيد جديدة.

جولة العنف التي نعيشها لم تنتهِ بعد، بل إننا سنتجه في الغالب إلى ذروة جديدة من التصعيد، لا يهم أين تكون بالمعنى الجغرافي، لكن ما يهمنا أنّها فصل آخر، وبشكل جديد للمعركة ذاتها، وتظل في الوقت نفسه الاحتمالات كلها واردة، ولا يمكن استبعاد أي منها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203